أوكرانيا بالعربية | داعــش الـفـــخ الأمـــريـكــي للــعـــرب... بقلم حسن زايد

من الصعب الذهاب بأريحية إلي القول بأن أمريكا ، القطب الأوحد في العالم ، علي مدار ربع قرن ، قد أخطأت في حساباتها هذه المرة . لأن أمريكا بما تملكه من مقومات القوة ، لم تتوفر لقوة أخري في التاريخ البشري ، لا تخطيء في حساباتها الدقيقة عما تفعله ، ولما تفعله ، وأين تفعله . بالقطع أن هذا الكلام ليس في المطلق حتي يبدو منطقياً ومقبولاً ، فهناك أخطاء بلا شك ، ولكنها أخطاء دقيقة في التكتيك ، أو في الإستراتيجية ، وليست أخطاءًا
كييف/أوكرانيا بالعربية/من الصعب الذهاب بأريحية إلي القول بأن أمريكا ، القطب الأوحد في العالم ، علي مدار ربع قرن ، قد أخطأت في حساباتها هذه المرة . لأن أمريكا بما تملكه من مقومات القوة ، لم تتوفر لقوة أخري في التاريخ البشري ، لا تخطيء في حساباتها الدقيقة عما تفعله ، ولما تفعله ، وأين تفعله . بالقطع أن هذا الكلام ليس في المطلق حتي يبدو منطقياً ومقبولاً ، فهناك أخطاء بلا شك ، ولكنها أخطاء دقيقة في التكتيك ، أو في الإستراتيجية ، وليست أخطاءًا ساذجة عبيطة . وحتي هذه الأخطاء تدخل في معدلات الإنحرافات الطبيعية للأشياء ، التي يمكن تحمل نتائجها، إن لم يكن تجنبها ، وليست الأخطاء القاتلة التي تودي بمقترفها موارد التهلكة .
ولا أقول هذا من باب إطراء المنبهر الذي يروج للنموذج الأمريكي في الحياة ، وإنما من باب الرؤية الواقعية للأشياء ، الأشياء كما هي وليس كما نتمني . فإذا كان الوقوع في الخطأ بهذه الصعوبة ، فلا ريب أن عدم التعلم من الأخطاء أمر غير وارد إلا نادراً ندرة الإستحالة . إذن فما هو التفسير لما قد يتبدي لنا ـ دون ريب ـ أنه أخطاء ؟ .
وأخطاء قد تكون مؤلمة للجانب الأمريكي ؟ . الواقع أنني لا أملك تفسيراً لذلك ، وإن كان من المنطقي والحتمي أن يكون هناك تفسير ما لدي طرف من الأطراف الفاعلة أو المفعول بها في المعادلة الدولية . أما أنا علي المستوي الشخصي ، فدائماً ما تحكمني نظرة الإرتياب وعدم الثقة فيما يأتيه الجانب الأمريكي أو يدعه ، من أقوال أو أفعال  .
وقد ترجع هذه النظرة الإرتيابية إلي طفولتي ومطلع شبابي ، حين كنت أجلس أمام التلفاز لأشاهد بكل حواسي أفلام الكاوبوي الأمريكية ، وهي أفلام رعاة البقر ، وغزاة القارة الأمريكية الجدد من الجنس الأبيض ، وحروب الإبادة للهنود الحمر من السكان الأصليين ، وإقتلاع هذه الحضارة من جذورها والحلول محلها . وهو سلوك يقوم علي كل القيم السلبية التي عرفتها البشرية ، من غش وتدليس ، وانتهازية ونفعية ، وغدر وخيانة ، ونهب وسرقة ، وقتل ودماء . وهذا يعطيك انطباع أولي عن أهمية الإعلام والقوة الناعمة في غسل الأدمغة ، وقصفها ، والسيطرة عليها  . ومن هنا فإن القول بأن أمريكا قد وقعت في خطأ تربية جيل تنظيم القاعدة والإنفاق عليه وتدريبه وتسليحه لمواجهة المد الشيوعي  ـ الملحد ـ في آسيا ، لأن هذا التنظيم قد انقلب عليها ، هو قول مجاف للحقيقة . فأمريكا قد خططت لضرب المد الشيوعي ، بيد الآخرين .
فتم تصدير كل المتطرفين العرب إلي أفغانستان بدعوي الجهاد ضد الإلحاد ، وتم كسر الجيش الروسي ، واضطراره إلي الإنسحاب منهزماً ، وقد كانت نقطة البداية لانهيار الإمبراطورية السوفيتية ، وقطب التوازن الثاني في الكون . إنها لحظة كونية فارقة في تاريخ البشرية  ، إذا فكرنا فيمن أخطأ فيها ، فلابد أن تشير أصابع الإتهام علي نحو مباشر إلي القادة العرب ، والساسة العرب ، والمفكرين الإستراتيجيين العرب . فقد أتاح هؤلاء علي نحو غير مسبوق للوحش الأمريكي  الإنفراد بالعالم  ، هذا الوحش بقرارته ، وانحيازاته ، وتوجهاته ، واستراتيجياته أصبح علي قمة العالم ، ولا توجد قوة يتسني لها التعقيب عليه ، أو مواجهته . وفي ذات الوقت هو مفتقد للمقومات الأخلاقية التي تراكمت عبر التاريخ البشري ، لأن القيم الحاكمة له ، هي قيم اللصوصية التي هاجر بها إلي موطنه الجديد . والأشد مرارة وفتكاً أنه ترك داخل البطن العربي قنابل موقوتة ، مدربة علي القتال والفتك باسم الدين ، إنهم العائدون من أفغانستان الذين يبحثون عن دور افتقدوه في مجتمعات لفظت تطرفهم ولفظتهم ظناً منها أنها تخلصت منهم ومن شرورهم .
أو هكذا زين الأمريكان لهم الأمر ، فإذا بهؤلاء قد عادوا لينتقموا ، وليمكنوا لدين الله في الأرض علي نحو ما يتصوروه هم دون غيرهم من علماء الأرض . وقد أنفقت مصر زهاء عقد من الزمان من عمرها في مكافحة هذا الهوس الديني المدعوم بالقوة المسلحة المدربة ضريبة للخطأ الإستراتيجي الفاضح في الإنصياع للأمريكان في هدم الإمبراطورية السوفيتية . فهل يمكن القول بأن الأمريكان قد أخطأوا حين أخرجوا مارد التطرف الديني من قمقمه ، ودربوه ، وسلحوه ، وأنفقوا عليه لمجرد قيام تنظيم القاعدة بضرب برجي التجارة العالميين ؟ . بالقطع لا .
لأن هذا التنظيم له مهمة أخري سنأتي علي ذكرها ، بعد الإشارة إلي مشهد مماثل للمشهد الذي تدعو أمريكا إلي تشكيل ملامحه اليوم ، وهو مشهد التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ، وإن اختلفت اللغة ، والأوضاع . فأمريكا بدلاً من أن تسعي لتدمير القوة الإيرانية الصاعدة التي أسقطت حليفها الإستراتيجي محمد رضا بهلوي في مهدها ، وإعادة الموالين لها لسدة الحكم ، تلك القوة التي بدأت ثورتها بتصدير مبدأ تصدير الثورة للدول العربية ، أغرت صدام حسين في العراق بالتحرش بها ، ليس ذلك كرهاً في إيران ، ولا حباً في صدام حسين ونظامه ، وإنما لغرض آخر تعيه ، وتعمل علي تنفيذه.
فضرب الثورة الإيرانية يعني تقوية الجانب العراقي ، والجانب العراقي يمثل تهديداً لدولة اسرائيل ، وجيشه كان أحد الجيوش المساهمة في حرب اكتوبر ، ويلزم تقويضه باعتباره أحد الجيوش النظامية العربية الفاعلة في منظومة الأمن العربي . وضرب الثورة الإيرانية يعني تحطيم الهدية الإلهية دون الإستفادة منها ، فوجود الثورة الإيرانية يعني وجود تهديد دائم للأنظمة العربية الخليجية الهشة ، بإعلانها تصدير الثورة ، ووجود هذا التهديد يعني ارتماء هذه الأنظمة في أحضان الحماية الأمريكية ، حماية لأمنها القومي أو أمن العروش فيها ، حيث يختلط الأمن القومي بأمن العروش علي نحو يصعب الفصل بينهما.
فكان من المقرر في الإستراتيجية الأمريكية ضرب القوتين ببعضهما علي نحو يضعفهما معا  دون تحقيق انتصار حاسم لطرف علي آخر ، ودارت رحي الحرب علي مدار عقد من الزمان بقصد الإنهاك الكامل لكليهما ،فلا يمثل صداماً بجيشه قوة إقليمية فاعلة مهددة للكيان الصهيوني ، ولا تمكن إيران من تصدير ثورتها  ، فتحل كقوة إقليمية مؤثرة ، وإن ظل تهديد تصدير الثورة قائماً . وكان لأمريكا ما أرادت . فتزامن سقوط  روسيا مع سقوط القوتين الإقليميتين . ماذا تبقي في الأجندة الأمريكية ؟ . تبقي أن تأتي أمريكا إلي المنطقة ، ولكن كيف لها ذلك دون ممانعة دولية أو إقليمية  ؟ . أوعزت إلي صدام أن الكويت تسرق البترول من الحقول الحدودية ، وأنها أعطته الضوء الأخضر للتصرف ، وكان ما كان ، وما هو معروف . نفس مشهد الأمس من الدعوة لتحالف دولي لمواجهة صدام هو نفس مشهد اليوم من الدعوة  لتحالف دولي لمواجهة  داعش.
لاحظ أن جيش صدام بذلك تحطم مرتين ، ولكن ذلك وحده لا يكفي ، إذ لابد من محو لفظ العراق من الوجود ، وإعادتها مرة أخري إلي بلاد ـ تقسيم ـ الرافدين بدلاً من دولة العراق . وهو ما حدث بعد تمثيلية الحادي عشر من سبتمبر ، الذي نتشكك في أحداثها بداية من دخول 17 ارهابياً إلي الأراضي الأمريكية للتدرب علي قيادة الطيران المدني ، وهم غرباء من ناحية ، وليس لهم علاقة بالطيران من ناحية أخري ، ومن أصحاب النشاط الديني المتطرف المرصودين أمنياً من ناحية ثالثة ، وملامحهم شرق أوسطية من ناحية رابعة . أنا لا أشكك في الواقعة ذاتها ، فهي قد حدثت كما وقعت ، ولكن التشكيك في عدم العلم بها وتمريرها ، وإغماض العين عينها حتي تؤتي أكلها المرجوة وفقاً لما هو مخطط له ، وقد ذهب أحد المحللين إلي القول بأن سقوط البرجين لم يكن بفعل الطيارات التي اصطدمت بهما ، ولكن بفعل تفخيخ أماكن معينة من البرجين بالمتفجرات عن طريق خبراء في هذا المجال بحيث يكوت السقوط عمودياً ، وإلي الداخل ، وليس إلي أحد الجانبين ، حتي لا تمتد الأضرار إلي الأماكن المجاورة ، وتكون مساحة التدمير واسعة  النطاق بفعل ارتفاع البرجين . وهناك أقوال عن اختفاء اليهود العاملين في البرجين في هذا اليوم ، ولم يتم رصد يهودي واحد ممن  لقوا حتفهم في هذا الحادث اللإنساني المروع . لا شك أن ما ترتب علي هذا الحادث من آثار علي العالمين العربي والإسلامي كان مروعاً حقاً.
وقد كان مخططاً ومرسوماً بكل دقة  ، بما في ذلك الإبقاء علي تنظيم القاعدة كورقة شيطانية يتم الإجهاز بها ومن خلالها علي الأنظمة المارقة ، وإحلال أنظمة بديلة تخدم الإمبراطورية الأمريكية ، وتفوق الجنس الأبيض علي الدوام . ولا يقنعني أحد بأن ترسانة الأسلحة الأمريكية غير المسبوقة في التاريخ البشري تقف عاجزة أمام بضعة مئات من الألوف من أعضاء التنظيم علي مدار سنوات ، ولا يقنعني أحد بأن أعضاء التنظيم المحتجزين في سجن جوانتانمو يجري احتجازهم لوجه الله تعالي ، ودرءاً لخطرهم علي مستقبل البشرية  ، فهذا كلام لا يصدقه عقل . إنها قلعة فرنكشتاين لإعادة تخليق وصياغة الكيان البشري علي نحو شائه بلا إرادة وبلا وعي . ، كما رأيناه في الأفلام الأمريكية . وإلا فما هو التفسير الموضوعي لحالة التوحش التي يبدو عليها أعضاء التنظيمات الإرهابية في تعاملهم مع البشر ؟ . لا يمكن أن يكون التفسير دينياً ، لأنه يقتل ابن دينه بذات التوحش دون أن يرمش له جفن.
إن داعش صناعة أمريكية خالصة ، شأنها في ذلك شأن القاعدة ، وقد  قامت أمريكا بالدعوة إلي مواجهة داعش ، وتشكيل تحالف دولي من أربعين دولة لمواجهة هذه الشرزمة المختلقة .  فهل الهدف هو ضرب داعش ؟ . أنا لا  أعتقد ذلك ، أنا أظن أن الهدف هو ضرب سوريا بداية ، وتفتيتها علي نحو ما تم في العراق . لأن داعش موجودة في العراق وسوريا ، وكان يمكن ضربها بالطيران قبل أن يسمح لها باستفحال أمرها علي نحو ما يجري التصوير له . ولكن تم تشكيلها ، وتدريبها ، وتسليحها ، وتزويدها بالسيارات المجهزة بالأسلحة الثقيلة  ، والإنفاق عليها .  وإطلاقها تعربد في المنطقة مقصود ومستهدف ، حتي يتم بث الرعب في نفوس الأنظمة العربية المستهدفة ، وتركيعها ، وشغلها بنفسها علي نحو انفرادي يساهم في مزيد من التفرق والتشرزم . ثم يأتي الفخ بدعوة هذه الأنظمة إلي مؤتمر في جدة لمواجهة الإرهاب ، والفخ في امتناع أمريكا عن التدخل المباشر ، ودعوة القوي العربية لتحمل مسئوليتها .
أي يقوم العرب بقتل بعضهم بعضاً ، وتزيد بينهم الشقة ، وتزداد العداوة والبغضاء إلي يوم القيامة ، وهي حرب المنتصر فيها منهزم وخاسر لصالح العدو الصهيوني ، وخدمة مخطط التقسيم الأمريكي ، وفرصة لوقوع ما تبقي من جيوش عربية في المستنقع ، ولا تزال العقلية الأمريكية الكاوبويية تنصب الفخاخ للمنطقة العربية لخدمة مصالحها الإستراتيجية ، وخدمة كلبها الحارس في المنطقة الشرق أوسطية .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية

Поделиться публикацией:
Главные новости
Политика
МУС выдал ордер на арест Нетаньяху
Ближний восток
ЮНИСЕФ: Более 200 детей погибли в Ливане за последние два месяца
Разное
Иран отказался от закупок систем ПВО в России
Ищите нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.