أوكرانيا بالعربية | أتمنى أن لا يخلع المشير السيسي بدلته العسكرية.. والبلبلة حول مسألة ترشيحه للرئاسة تطرح تساؤلات لا تخدم استقرار مصر... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا نفهم هذا التضارب في المعلومات والمواقف حول مسألة ترشح المشير عبد الفتاح السيسي قائد الجيش، والرجل "الاقوى" في مصر في انتخابات الرئاسة المقبلة، فالرجل ترقى الى الرتبة الاعلى في الجيش، وحصل على تفويض من القوات المسلحة وقادتها، ويحظى بشعبية ضخمة تدعمها آلة اعلامية جبارة، فليحزم امره ويتوكل، او يعلن في خطاب عام بقاءه في الجيش، ويترك المجال للآخرين المدنيين واضعا حدا للبلبلة والتكهنات.
هذا النفي "غير المفهوم" والذي يعكس غموضا مربكا، يمكن النظر اليه من خلال ثلاث زوايا:
*الثانية: ان يكون هناك خلاف حول شخص خليفة المشير السيسي في رئاسة الجيش، ووزارة الدفاع بالتالي، خاصة ان الدستور الجديد نص صراحة على ان اختيار وزير الدفاع حق شرعي للجيش وقادته.
الاحتمالات الثلاثة غير مستبعدة، ولا نميل لتفضيل اي واحد منها على الآخر، فالطريق ممهد للمشير السيسي للتربع على كرسي العرش في مصر اذا اراد، ولا توجد امامه اية عقبات، فهو الحاكم الفعلي للبلاد منذ تموز (يوليو) الماضي، والباقي "واجهات" بما في ذلك رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور.
سمعت باسم "الفريق اول" عبد الفتاح السيسي للمرة الاولى بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي ببضعة ايام، حيث اتصل بي احد الاصدقاء من المقربين جدا لحركة "الاخوان المسلمين" وقال لي افتح التلفزيون ستسمع خبرا مهما، واحفظ اسم الرجل جيدا ففعلت فورا، وشاهدت الفريق السيسي يؤدي اليمين الدستورية اما الرئيس مرسي قائدا للجيش.
الصديق نفسه قال لي بالحرف الواحد "لقد حكمنا واصبح الجيش المصري تحت امرتنا.. هذا هو المسار الاخير في نعش حكم مبارك.. المشير طنطاوي.. والفريق سامي عنان.. في ذمة التاريخ.. لقد انتهى حكم العسكر، وبدأ حكم الاخوان فعليا".
بعد ستة اشهر من الاطاحة بالرئيس محمد مرسي يمكن القول ان مصر تعيش في "مناخ ازمة" لم يحجبه "هيستيريا" المشير السيسي، والتفاف قطاع عريض من الشعب حوله لاسباب عديدة ابرزها كونه "المخلص" من حكم الاخوان المسلمين في نظر هؤلاء، ولعب الاعلام دورا كبيرا في تكريس هذه الصورة، مثلما لعب دورا اخطر في تعميق اجواء الازمة بالتالي.
ازمة مصر الحالية تتمثل في حال الانقسام السياسي والمجتمعي، وهي "ام الازمات" كلها، وتتفرع منها كل المشاكل والازمات الاخرى وعلى رأسها الازمة الاقتصادية الطاحنة، وفي ظل حالة "العناد" التي نراها من جانب القوات المسلحة من حيث عدم في بذل جهود اكبر لتحقيق المصالحة الوطنية عبر حوار معمق مع الآخر "المُقصى" بضم الميم، وفتح الصاء، اي الاخوان، سيظل المستقبل غامضا، فمثلما لا توجد غير الحلول السياسية للازمة السورية، ليس بديل عنها ايضا في مصر لرسوها على بر الامان.
مصر استعادت كرامتها وحريتها من خلال ثورة يناير المجيدة، ولكنها فقدت هيبتها، واختلت بوصلتها، واهتزت هويتها، بعد "الثورة" الثانية في حزيران (يونيو)، ومن يقول غير ذلك يحجب الشمس بغربال مثلما يقول المثل المصري الشهير.
المشير السيسي، رئيس مصر المقبل حسب كل التوقعات، يجب ان يدرك ان مصر ليست جزيرة منعزلة عن محيطها العربي، وهذا المحيط ليس دول الخليج فقط، وانما هناك ليبيا وفلسطين والاقصى وكامب ديفيد، وخطر كبير اسمه اسرائيل ايضا، وهذه الكلمات "المفتاح" هي التي جعلت من "قدوته" جمال عبد الناصر بطلا عربيا وعالميا.
اتمنى في نهاية المطاف ان لا يخلع المشير السيسي بدلته العسكرية، وان يقود البلاد من موقعه الى الديمقراطية الحقيقية، والدولة المدنية، لا دولة القمع ومصادرة الحريات، والقضاء غير العادل، وهذا رأي شخصي لا اتردد في قوله وان اختلف معي الكثيرون.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية