أوكرانيا بالعربية | عقيدة أقباط مصر في المسائل السياسية... بقلم د. عادل عامر
كييف/اوكرانيا بالعربية/ظهر العنف ضد الأقباط خلال السنوات الأربعين الماضية نتيجة تقاطع الخطاب الديني والسيطرة الاستبدادية. فقد روّج السادات للإسلام في الحياة العامة وأعاد بناء الدولة البوليسية الناصرية كوسيلة لتعزيز موقفه السياسي. ويُنظَر على نحو صحيح إلى الشكاوى القبطية بشأن مرسي، والتي ازدادت خلال فترة ولايته التي استمرت اثني عشر شهراً، في ضوء صعود جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين المحافظين الذين تحالفوا معها والذي كشف المأزق السياسي الذي يعانيه الأقباط، وهو المأزق الذي تسبّب به النظام السابق. وبالتالي، لاتبشّر نهاية أول رئاسة إسلامية في مصر بعصر ذهبي للعلاقات بين المسلمين والأقباط، بل بالعودة إلى المشاكل الخبيثة والأكثر مكراً لعهد السادات – مبارك.
ينبغي أن يُنظَر إلى العنف ضد الجماعة القبطية في مصر، والتي تمثّل أكبر عدد من السكان المسيحيين في الشرق الأوسط، في سياقه التاريخي والمؤسّسي. فأي هجوم من جانب المسلمين على الأقباط ينطوي على عنصر طائفي، بيد أن القوانين التي عفا عليها الزمن والمؤسّسات المصرية السلطوية، لا الاختلافات المذهبية، هي التي جعلت الأقباط هدفاً للصراع الاجتماعي.وبصرف النظر عن الاعتداءات الجسدية، يواجه الأقباط أشكالاً عديدة من التمييز اليومي. إذ مُنِع الأقباط في العادة من تقلّد المناصب القيادية (بما في ذلك رئاسة الجامعات والمحافظين، مع استثناء وحيد سنناقشه أدناه)، وكذلك المناصب التي تُعَدّ حسّاسة بالنسبة إلى الأمن القومي، ومن المستويات العليا في جهاز الأمن إلى خطوط الجبهة التربوية حيث يُمنَع الأقباط من تدريس اللغة العربية. ومامن شكّ في أن الأشكال اليومية من التحيّز تُسهِم في إيجاد مناخ من انعدام الأمن.
ولذا لن تكون التغييرات المؤسّسية كافية لإحداث تحوّل في المواقف الاجتماعية، غير أن في وسع المسؤولين في الدولة بناء بيئة يرجّح أن تجري فيها مثل هذه التحوّلات. واليوم يساهم غياب الإرادة السياسية والإصلاح المؤسّسي في تفسير سبب عدم شعور الأقباط بأمان أكثر إثر سقوط الرئيس مرسي. أما بخصوص القانون، فعندما يرغب الأقباط في بناء أماكن عبادتهم أو ترميمها، وهو تقليد ضروري لحرية العقيدة والمساواة الدينية، يواجهون حقل ألغام سياسياً لا عمليةً إداريةً بسيطة. وفي مايتعلّق بشروط السلامة العامة، لم تغيّر وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والمؤسّسات الأمنية الرئيسة في مصر الروتين الذي تعلّمتاه في ظل نظام الضباط الأحرار منذ أكثر من نصف قرن. وفي معظم الأحوال، يتصرّف رجال الشرطة والجنود كما لو كان القادة السياسيون في مصر هم واجبهم الأول وليس شعبهم. وعندما يندلع العنف فهُم إما غائبون وإما متواطئون. هذه العيوب، فضلاً عن الظاهرة الأوسع المتمثّلة بالتمييز ضد الأقباط في الشؤون اليومية، تثقل كاهل المناقشات التي تجري حالياً حول خطة "خريطة الطريق" نحو مصر أقوى وأكثر مساواة وتستنفدها.
وإذا ماكانت المجموعة الحالية من القادة والليبراليين والإسلاميين ترغب في حماية جميع المصريين وإشراكهم، فإنها ستكون في حاجة إلى سنّ الإصلاحات القانونية والأمنية التي فشل السادات ومبارك ومحمد حسين طنطاوي (قائد القوات المسلحة الذي كان رئيساً للدولة بحكم الأمر الواقع بعد إطاحة مبارك) ومرسي في القيام بها. ويمكن لهذه الجهود أن تساعد في إعادة بناء الشعور الوطني بـ"الهوية المصرية" الذي تضاءل في عهد الحكام العلمانيين والإسلاميين على حدّ سواء. يقدّر أحدث إحصاء (تعارض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أرقامه) أن الأقباط يشكّلون نسبة 7 في المئة من عدد سكان مصر، وبالتالي يصل عددهم إلى نحو 6 ملايين نسمة. 4 وبغضّ النظر عن حجمهم الديمغرافي، فقد جرى تمثيل الأقباط بصورة واضحة في البرلمان والحياة السياسية المصرية، ولاسيما خلال "الحقبة الليبرالية" في عشرينيات القرن الماضي. ويكمن أحد أسباب الصدمة التي يشعر بها المراقبون المصريون والأجانب إزاء زيادة الهجمات على الأقباط اليوم، في أن هذا النوع من العنف ضد الأقباط جديد نسبياً. فخلال العقود الأربعة الماضية، تراجعت السمة الطائفية في العلاقات بين المسلمين والأقباط بشكل كبير. كانت الأوضاع قد اشتعلت في أعقاب فض اعتصامي "رابعة والنهضة" في محافظات الجنوب تلك التي شهدت مسيرات حاشدة لأنصار جماعة الإخوان المسلمين، تخللها هجوم على بعض الكنائس، وبعد تزايد وتيرة الطائفية قررت الحركات القبطية تدشين مسيرات أمام السفارات الأجنبية ومبنى الإذاعة والتليفزيون تنديداً بحرق الكنائس، غير أن تراجعا في تنظيم المسيرات تزامن مع إطلاق التحالف الوطني لدعم الشرعية لمسيرات موازية، وحسب محللين فإن التراجع القبطي يبرهن على رغبة الأقباط في عدم تصعيد الموقف أو ما يمكن تسميته باللجوء إلى الشارع للمطالبة بتأمين دور العبادة بما يعني دفع البلاد إلى مزيد من التوتر والتراجع إزاء مسيرات وأخرى مضادة. إن ممارسة الشعائر والطقوس الدينية للأقليات يعتبر من ابسط واجبات الحكومة في النظام السياسي الحديث، يكفل للأقليات ممارسة طقوسها دون أن يمثل ذلك خرقا إلى القانون. وتعتبر الكنائس ودو العبادة للأقليات ومنها الأقباط حاجة ضرورية، وهذا ما كان يمثل تحديا كبيرا للأقباط عبر الحكومات المتعددة. فالتوصيات يجب ان تضمن للأقباط وغيرهم من الأقليات حق بناء الكنائس ودور العبادة لممارسة طقوسهم وإقامة مناسباتهم الدينية والاجتماعية، أن منح هذا الحق ممكن ان يدفع بألا قليات بالاندماج في المجتمع اكثر ويخفي الكثير من المخاوف. إن الكنيسة القبطية تؤكد بموقفها من تهدئة الأوضاع وعدم تصعيد الاعتداءات على الكنائس موقفا وطنيا يضاف إلى سجل مواقفها الوطنية المعروفة في التاريخ المصري، يأتي ذلك لأن آلية التصعيد في يد الأقباط أسهل بكثير من التهدئة الحالية. ، إن الأقباط جزء من هذا الوطن، وما يحدث الآن في مصر هو أزمة وطن وليس أزمة خاصة بالأقباط، مشيرا إلى أن الأقباط يلعبون دورا وطنيا يتمثل في تهدئة الأوضاع وعدم العزف على وتر "حرق الكنائس" الذي قد تتخذه بعض القوى الخارجية ممراً للتدخل بقوة في الشأن المصري. أن الأقباط في الخارج يدعمون خارطة الطريق ويسعون إلى إدانة الإرهاب فيما يبدو مساندة للنظام المصري.ان "عبارة البابا تواضروس الثاني كانت واضحة حينما قال: إن تُحرق الكنائس خير من أن يُحرق الوطن".كان الأقباط منذ فترة طويلة عنصراً أساسياً في النضال من أجل الاستقلال الوطني والسيادة الشعبية في مصر. وجاءت ذروة المشاركة السياسية للأقباط في عشرينيات القرن الماضي. فخلال ثورة العام 1919، تجاوزت الهوية الوطنية الانقسامات المذهبية عندما قاوم المسلمون والأقباط الحكم البريطاني، لا بوصفهم أفراداً في دين كل منهما، بل باعتبارهم مواطنين مصريين. قاد سعد زغلول هذه الحركة، وقدّم حزبه، حزب الوفد، رعاية مؤسّسية للأقباط كي يسعوا إلى الحصول على المناصب خلال العقود التالية. ومع ذلك، أدّت سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي إلى صعود تنظيمات على أساس ديني، أهمّها جماعة الإخوان المسلمين، التي أُسِّسَت في العام 1928، فضلاً عن الانكماش الاقتصادي الذي أدّى إلى تفاقم القلق الاجتماعي وتأزيم العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. ومن المفارقات في ذلك الوقت أن المؤيّدين الأجانب لحقوق المسيحيين، مثل المبشّرين الأنغليكانيين والإمبرياليين البريطانيين، أضعفوا الهوية الوطنية المصرية عن طريق وضع الحركات الإسلامية في موقف دفاعي وتعميق الخلافات المذهبية. فقد استخدمت بريطانيا العظمى الدين كجزء من إستراتيجية "فَرِّق تَسُد" التي أبقت على السيطرة البريطانية بحكم الأمر الواقع على الرغم من استقلال مصر الرسمي بعد العام 1922. وعندما برزت الهويات الطائفية بصورة أكبر، واجه الساسة الأقباط أوقاتا صعبة باستمرار للفوز في الانتخابات البرلمانية، حتى أن حزب الوفد كان هو الداعم الرئيسي للأقباط والوطنية المصرية .
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية