أوكرانيا بالعربية | استراتيجية ترويض الشعوب... بقلم هشام عبده

إلهاء الشعوب عن الاهتمام بالقضايا الأساسية صناعة وفناً، خاصة في الدول الدكتاتورية والفاشلة ؛وذلك لتغطية الفشل في تلبية احتياجات المواطنين، أو بهدف التمسك بكرسي الحكم، وتنفق الحكومات من أجل ذلك أموالاً، لو أنفقتها لصالح الشعب ربما كانت وفت بإحتياجاتهم ،وتتنوع أساليب الإلهاء من مجتمع لآخر، ومن فترة لأخرى حسب المتقضيات ؛وذلك بافتعال قضايا جانبية مثل : تناول خلافات المذهبية وفقهية ،أو إثارة قضايا عرقية ،أو اجتماعية، أو حتى رياضية

كييف/أوكرانيا بالعربية/إلهاء الشعوب عن الاهتمام بالقضايا الأساسية صناعة وفناً، خاصة في الدول الدكتاتورية والفاشلة ؛وذلك لتغطية الفشل في تلبية احتياجات المواطنين، أو بهدف التمسك بكرسي الحكم، وتنفق الحكومات من أجل ذلك أموالاً، لو أنفقتها لصالح الشعب ربما كانت وفت بإحتياجاتهم، وتتنوع أساليب الإلهاء من مجتمع لآخر، ومن فترة لأخرى حسب المتقضيات ؛وذلك بافتعال قضايا جانبية مثل: تناول خلافات المذهبية وفقهية، أو إثارة قضايا عرقية، أو اجتماعية، أو حتى رياضية.

قد كان الزعيم الايطالي "ببينيتو موسوليني" مغرما بكتاب "الحشد - لجوستاف لبون" حتى أنه لا يفارقه، وكان هذا الكتاب يدرس الشكل النفسي والعقلية التي تدير بها الحشود والجماعات نفسها، ويضع "لوبون" خطوطًا لسمات الحشد السيكولوجية والعقلية؛ بأن "الفرد عندما يلتقي مع آخرين ويشكلون حشدًا يتنازل عن قناعاته الشخصية لصالح قناعات الحشد العامة، رغم انه من الممكن ألا يكون هذا الجمع علي صواب أبدًا، وان الجماهير لا تميل إلي التأمل والتعقل ، مؤهلة للممارسة والعمل ، تحكمها النوازع البدائية للانتقام والاستبداد، وإجمالاً فالجماهير لا تجمع الذكاء في المحصلة ، بل التفاهة !! " .

وقد زادت تلك الظاهرة مؤخرا بوجود شبكات التواصل الاجتماعي؛ لدرجة أن يتم نشر الشائعات الكاذبة، وتبادل التهم الباطلة، وغير ذلك كثير من كون البلد مستهدفاً، إلى قلة مندسة تسعى إلى تخريبه، إلى أصحاب أجندات خارجية ... الخ ، وقد رافق كل هذا تزايد عدد الفضائيات التي كانت بحاجة إلي تعبئة ساعات إرسالها الطويلة بضيوف متعددي الاتجاهات، كما حرصت كاميرات تلك الفضائيات علي تصوير الاحتجاجات في علي الأقل، ولأن صورة الحشد الصامت غير مقنعة كانت التقارير تتطلب توقف الكاميرا علي وجوه بعينها تستطلع رأيها بعد عرض اللقطة العامة للحشد .

كان من المفترض ان تعمل كل هذه العوامل على خلخلت العلاقة المستقرة لقرون عديدة بين قائد متعال وجماهير تعجز عن الوصول إليه ومناقشته، وانولدت ظاهرة الفرد الذي يسعي إلي تحقق فرديته، بينما تدار الأنظمة السياسية القديمة بطريقة القطيع المؤيد والقطيع المعارض الذي ينبغي قمعه بقطيع من الأمن !

لكن لا يزال كثير من الحكام العرب يتفننون في نسج فصول مسرحيتهم الوحيدة التي يجيدونها ولا يسعون حتى إلى التجديد فيها ،ساعدهم في ذلك أنه خلال الخمسين سنة الماضية نتج عن التقدم السريع في العلوم اتساع للفجوة بين المعارف العامة وتلك التي تملكها وتستخدمها النخب الحاكمة، لقد أصبح هذا النظام قادرا على معرفة الفرد المتوسط أكثر مما يعرف نفسه، وهذا يعني أن النظام في أغلب الحالات يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم .

ما يستدعي هذا الحديث هو ما نراه الاصرار لتطبيق شبه حرفي لاستراتيجية إلهاء الشعوب التي تنفذ وتطبق في معظم الأوقات كضرورة بحسب الحاجة إليها، بأنواع وأشكال عدة، منها إلهاء للتأثير أو سيطرة الحاكم على من حوله طوعا أو كرها والمحافظة على المكتسب وإبقاء الحال على ما هو عليه لأطول مدة ممكنة، وقد تنوعت الأساليب المتبعة للوصول إلى أنجح السبل لإدارة الجماهير والتحكم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة عليهم وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم .

للأسف إلى الآن يتم تحويل انتباه الرأي العام العربى عموما والمصرى خاصة، عن القضايا الهامة والتغيرات التي يقررها أصحاب القرار عبر إغراق الناس بوابل متواصل من المعلومات التافهة، فلكي تتحقق الفائدة لهؤلاء الحكام يجب الحفاظ على تشتيت اهتمامات العامة بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، بجعل الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية، وجعل الشعب منشغلا دائما وأبداً، بل ان الامر يتعدى نحو ابتكار مشكلة أو موقف لاثارة ردة فعل معينة من قبل الشعب، بحيث يندفع الجمهور طالبا لحل يرضيه، كالسماح بانتشار العنف في بعض المناطق ،أو تنظيم هجمات إرهابية وقد تكون دموية، حتى تصبح قوانين الطوارئ والأمن العام مطلوبة ولو على حساب الحرية، أو خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحد من الحقوق الاجتماعية وتفكيك الخدمات العامة وبيع مقدرات وثروة الشعب لحفنة من المستثمرين او المستعمرين الجدد ،فيتم تقديم تلك الحلول المبرمجة مسبقا ،ومن ثم قبولها على أنها شر لابد منه او تمرير إجراء غير مقبول من الممكن ان يثير ثورة داخل البلاد لو تم تنفيذه دفعة واحدة بتطبيقه بصفة تدريجية.

بل يصل الامر الى مخاطبتهم الشعب كمجموعة قصر وأطفال صغار والاخطر التوجه إلى مخاطبة العواطف وهو أسلوب كلاسيكي لتجاوز التحليل العقلاني ،بالتالي يتعطل الحس النقدي للأشخاص كما أن استعمال المفردات العاطفة يسمح بالمرور إلى اللاوعي حتى يتم زرعه بأفكارهم وإيثار الرغبات أو المخاوف والانفعالات ، وكذلك محاولة إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة بحيث يكون غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكم به واستعباده، واخيرا تشجيع الشعب على استحسان الرداءة وان ينظر بعين الرضا إلى كونه غبيا ومبتذلا وغير متعلم .

لقد حققت تلك الاستراتيجيات وأساليب القمع التي اتبعها الحكام خلال العقود الماضية ميزة لهم عبر التلاعب بمجتمعاتهم وشعوبهم وإلهائهم. أما الآن فقد اختلفت أصول اللعبة؛ فثورة التكنولوجيا بما أتاحته للشعوب فضلا عن الحالة المزرية لشريحة كبيرة من الشعب والغناء الفاحش للطبقة الحكم والثروة مع إمكانية معرفة حجم ثراء وطريقة معيشة هؤلاء من قبل شريحة واسعة جدا من العامة وبسرعة هائلة كل ذلك أفقد تلك الاستراتيجيات فاعليتها، وهو ما يوجب على الحكام العرب المسارعة بتنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية وعدم التشبث بأساليب لا تنفع بل تضر مثل نعت المعارضة والمطالبين بالإصلاحات السياسية بجميع النعوت السيئة أو إقحام الطائفية أو دول خارجية في الأمر.

إن رياح التغيير التي حدثت فى مصر وغيرها لم ولن تنتهى حتى وان سولت للبعض انها هدأت ، فهذا الهدوء مؤقت ،وستتوسع، وتمتد، وستتساقط معها حبات الدومينو ،التي أقعدها ضعف المظلومين في السابق عن استشراف الآتي، فعام 2011 لن تتسع معدة أيامه لهضم جمهوريات تحلم بالحكم مدى الحياة، وبعد الممات عبر التوريث، ولن تنتشي آذان هذا العام بأسطوانات الغناء والضحك على الشعوب، ولن يصمد في وجه هذا المد سوى قيادات جسرت المسافات مبكرا بينها وبين شعوبها بالثقة، والعدل، والإنصاف، لاالخوف، والإرهاب، والبطش .

فلا مكان ولا مكانة فيه لأنظمة ارتكزت على تخويف، وتركيع، وتجهيل شعوبها، إذ لن يبقى في الصورة سوى الأكثر استحقاقا للبقاء بما قدموا لشعوبهم من أسباب النهوض، ووسائل العيش الكريم، وهؤلاء وحدهم في مأمن، فآلة الزمن الجديد قادرة على الفرز العادل، فلقد آن الأوان للإنسان العربي أن تتشكل لديه مناعة من حالة الاستهواء التي اعتاد أن ينساق عبرها مسلوب الإرادة إلى أعراس الطغاة .


هشام عبده 

كاتب عربي مصري 

المصدر: أوكرانيا بالعربية

Share post:
Main news
Europe
Russia Violates the Geneva Conventions. Executions and Torture of Ukrainian Prisoners of War
Ukraine
MAIN POSITIONS OF INFORMATION RESPONSE EXPLAINING COMPLEX THINGS IN SIMPLE WORDS
Ukraine
Finnish businesses to join Ukraine’s reconstruction efforts
Finnish businesses to join Ukraine’s reconstruction efforts
Look for us on Facebook
Look for us on Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.