أوكرانيا بالعربية | الذكرى والترياق ... بقلم عدلي صادق
كييف/أوكرانيا بالعربية/طوبى لهذه الجماهير التي تحتشد اليوم في غزة، إذ تنهمر غيثاً في هذا الجفاف الوطيد. إنها هي، وليست مجازات الشعراء، التي تفصل القمح عن الزوان، وهي التي بمقدورها العثور على فضائها الأول، وأن تتجاوز الطلاسم، وأن تلتقط الحقيقة، وتحمل الترياق، فتبشر بشفاء وشيك.
الناس قررت إنهاء زمن الجفاف، بطقطقات هوائه المسموم ولفحات شمسه وعقوقه ونكرانه ونعراته الرميمة. فقد جاءت وقفتها على غير توقع. فالجماهير كالسَحَرَة، لا يسرها أن تكون متوُّقعة في حركتها أو معلومة في نواياها، وبلا مفاجآت.
ما أبهج المناسبة التي تستحث الحنين، وتذكّرك بروائح تؤذن بصباحات عادية، مرتجاة، في مسقط رأسك أيها الفتي الذي كنت ثم هرمت. ما أطهر المناسبة التي تستحث إحساساً بالحرج، عند كل من أغلظ القول للمناضلين ولم يتوغل بعد، في الفعل المجنون. فأمثال هذا، ترتبك عنده الذاكرة الحرون، كي يبلغ الندم أقصاه.
طوبى للراحلين المناضلين، الذين سقطوا بنيران الغدر، التي تلطى أصحابها بالدين والمقاومة، فقتلوا مؤمنين مقاومين، وأهانوا آخرين كُثر منهم من الأخيار الشرفاء.
هبّة الجماهير الفلسطينية اليوم، تمثل علامة فارقة. فالغطرسة الأمنية، والاستعلاء «الجهادي» ومعاندة الجهود لتحقيق وحدة الكيانية الوطنية والعودة الى المسار الديموقراطي؛ كلها ذمائم لم يعد لها أي مجال. فمن يحكمون غزة، يرون الآن بأنفسهم حجم الحقيقة ووجهة المجتمع ومؤشرات إرادته. وعلى الخائقين من سطوع الشمس، ممن اقترفوا الجرائم أو التجاوزات، من أي طيف كانوا، وهم الذين يقاومون العودة الى حكم القانون الذي تنحني له كل الهامات؛ أن يغادروا الى حيث يجدون مأمنهم الى حين. فليس قفي مقدورهم أن يجعلوا غزة، صانعة الأحداث والمفاجآت، رهينة هواجسهم وتخوفاتهم. فالبقاء للشرفاء من كل الأطياف، ممن اتقوا الله في أرواح الناس ودمها وأموالها.
ومثلما يتعين على «حماس» أن تقرأ هبّة غزة، الشعبية، وهي تجدد البيعة للحركة الوطنية في ذكرى الانطلاقة، وأن ترسم سياستها على أساس الحقائق على الأرض؛ يتوجب على «فتح» أن تتأمل حجم المناسبة ومعناها وأن تستخلص العبر. لقد تشبث الوطنيون بحركتهم ولم يتزعزع ثباتهم على موقفهم، بسبب صغائر الصغار، ممن ظنوها فرصتهم، لتأجيج النعرات والتسليم بـ «ضياع» غزة وابتعادها. فغزة لا تضيع ولا تبتعد. فمثلما لا دولة بدونها، فإنها بدون سائر الوطن، لا تحقق هدفاً.
إن الحشد الوطني في ذكرى الانطلاقة، هو صنيع الناس والشبان البسطاء والرجال الطيبين والأخوات والأمهات الحانيات. لا فضل فيه لأحد سوى هؤلاء. معظم المحتشدين اليوم، لا ناقة لهم ولا بعير، في أي سجال ولا ينسبون أنفسهم لشىء غير الحقيقة والتاريخ ومنطق العدالة الذي يرفض الظلم والتدليس.
كل التحية للفتحاويين النشطاء الذين خدموا الجماهير وهي تنهمر وساعدوا على إتاحة هذا الاحتشاد التاريخي. طوبى لجماهير المهرجان، وكل التحية لشعبنا الذي يحمل البوصلة ويحدد الوجهة، وما على الجميع إلا أن يتعلم ويعتبر من يوم هذه الذكرى وهو يقدم ترياقاً.
بقلم الكاتب
عدلي صادق
www.adlisadek.net