أوكرانيا بالعربية | الإخــوان وتســـونــامـي الخـليج... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/يوم استقبلت دول الخليج العربي ، وعلي رأسها المملكة العربية السعودية ، أفراد جماعة الإخوان الفارين من نظام ناصر / الثورة بعد أن دب الشقاق بينهما ، والذي وصل ذروته بالتآمر علي حياته في حادث المنشية بالأسكندرية عام 1954 م ، استقبلتهم باعتبارهم جماعة دعوية تسعي إلي نشر الوعي الإسلامي في ربوع مصر . وكان هذا يتفق مع توجهات المملكة التي تتوجس خيفة من النظام الثوري في مصر باعتباره يمثل تهديداً علي نحو أو آخر لنظام الحكم الملكي . فكان من الطبيعي أن تؤي أفراد هذه الجماعة في أكنافها باعتبارها جماعة مناوئة للنظام الناصري البازغ في مصر . فوفرت لهم الملاذ الآمن والمأكل والملبس والمشرب والعمل تعاطفاً معهم من ناحية ، وحمايتهم من البطش والاستبداد من ناحية أخري ، وكشوكة في جنب النظام الناصري من ناحية ثالثة باعتباره مناوئاً للأنظمة الملكية ، ويعمل علي تصدير ثورته لبقية الدول العربية وعلي رأسها المملكة السعودية . كانت تلك هواجس تحولت مع الوقت إلي كوابيس تؤرق هذه الأنظمة وتقض مضجعها ، ولم يقدم نظام ناصر التطمينات اللازمة لهذه الدول حتي تبقي العلاقات بينه وبينها علي ما يرام في إطارها الطبيعي كدول عربية شقيقة . ولعل هذا المسلك الناصري هو ما دفع هذه الدول إلي التغافل عن الغاية من تكوين هذه الجماعة وتاريخها المنظور ، فلا ريب أنهم كانوا يدركون أن غاية الجماعة هو تكوين حكومة اسلامية عالمية تمثل دولة الخلافة ، تحكم الرقعة الاسلامية من الكرة الأرضية ، وفي ذلك خطورة ما بعدها خطورة علي كيانات هذه الدول ووجودها ذاته .
ولا ريب أيضاً أنهم كانوا يتابعون ما اقترفته الجماعة من اعمال ارهابية في العهد الملكي من قبيل حرق دور السينما ، وحارة اليهود ،وشركة الإعلانات الشرقية ، ومحلات شيكوريل .. الخ ، وكذا قتل القاضي أحمد الخازندار ، ورئيس وزراء مصر النقراشي باشا ، ومحاولة إغتيال رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي ..الخ . وربما دفع هذه الدول إلي حالة التغافل تصور قادتها أنهم كانوا قادرين علي احتواء أعضاء هذه الجماعة ، وتوظيفها بما يخدم أغراضهم في مواجهة النظام الناصري . صحيح أن النظام الناصري عندما حاكمهم إنما حاكمهم بجرائمهم الثابتة ، ومؤامراتهم ضد الثورة والدولة المصرية وتهديد أمنها القومي من خلال التخطيط للقيام بأعمال التخريب والقتل من خلال ما يعرف بـ : " التنظيم الخاص للجماعة " ، وهو تنظيم سري مسلح يمثل الذراع العسكري للجماعة . إلا أنه يؤخذ عليه اعتماد الحل الأمني كخيار وحيد للمواجهة بما أدي في النهاية إلي هجرة فيروسات هذا التنظيم إلي الخارج لتشكل بؤر سرطانية تهاجم الجسد المصري من الخارج تخطيطأ وتنظيماً وتمويلاً . فضلا عن نمو فكرة التنظيم الدولي وتضخمها من خلال استثمارات مشبوهة جعلت الجماعة تمتلك ميزانية تفوق ميزانيات دول . ومع إعادة تشكيل التنظيم علي يد سيد قطب وآخرين ، ومحاولة الإستيلاء علي السلطة في البلاد بالقوة ، تدخلت الدولة أمنياً فتم القبض علي البعض وفر من فر إلي الخارج ، ووجدوا في هذه الدول وغيرها حاضنات تتوافر لها كافة الشروط الموضوعية للنمو والتوحش . إلا أن ذلك لم يجر اكتشافه في حينه لقيام الجماعة باتباع المبدأ الشيعي في التقية حتي تحين اللحظة المناسبة في الإنقضاض لتحقيق الغاية المرسومة عندما تتأتي الفرصة . ومات عبدالناصر وجاء السادات ، ونتيجة الموقف السلبي لهيكل النظام الناصري من توليه الرئاسة بعد اكتشافهم أنه لن يكون مجرد ألعوبة في أيديهم علي نحو ما آمِلُوا، حاولوا تعريض البلاد للإنهيار الدستوري بتقديم استقالات جماعية بقصد تهييج الشارع عليه وتنفيره منه . إلا أن السادات قد اهتبل الفرصة ، وقَبِل استقالاتهم بعد أن قبض عليهم ، وقدمهم للمحاكمة . ما يعنينا من ذلك هو التصور الذي تهيأ في ذهن السادات رحمه الله أنه لابد من وجود قوي موازية في الشارع تتصدي للقوي الناصرية حتي لا يجد نفسه في مواجهة بمفرده مع هذه القوي عارياً من مساندة الشارع له ، فمن الخطر والخطل الإبقاء علي هذه القوي وحدها في الشارع وهي تحمل مشاعر فياضة جارفة لزعيم قد رحل وظله ما زال يهيمن علي تفاصيل مشاهد السلطة في مصر . فأطلق السادات الإخوان من القمقم الذي حبسهم فيه عبد الناصر ، وأطلق يدهم في الجامعات ، وفي طول البلاد وعرضها ، وسرعان ما انقلب السحر علي الساحر ، فإذا بالسادات الذي أطلق سراحهم من القمقم يقع صريعاً بأيديهم في يوم انتصاره .
وعاشوا مع نظام مبارك من خلال المواءمات السياسية والإتفاقيات الأمنية ، وقد تصور كل طرف منهما أنه يستحلب الآخر إلي أقصي مدي ممكن . فلما قامت الثورة المصرية في يناير 2011 م قفز الإخوان إلي سدة الحكم علي جثة مبارك تنفيذاً لمخطط الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به أمريكا والغرب . وكانت الجماعة هي القاسم المشترك الأعظم في كل الثورات لا لكونها جماعة ثورية ، ولكن لأنها تجيد سرقة الأحداث ، وركوب الموجة ، وتوظيف الآخرين ، وتملك أدوات قصف العقول والقلوب والتلاعب بهما ، وخصوصاً عقول وقلوب الشباب . هذا بخلاف التقارب الواضح لنظامها مع نظام الحكم الإخواني في تركيا ، وهو نظام له أطماعه في لعب دور إقليمي في المنطقة ، وكذا التقارب مع النظام الإيراني ، وهو الآخر له أطماعه الإقليمية ، وخطورته تفوق خطورة ناصر علي هذه الأنظمة لأن النظام الإيراني يملك أصابع العبث في أحشاء هذه الدول من خلال الأقليات الشيعية فيها . وفوق كل ذلك تبني الإخوان للمخطط الأمريكي في المنطقة . وقد ظهر ذلك جلياً في تونس ومصر وليبيا واليمن وأخيراً في سوريا . فلم يبق في الدور سوي دول الخليج . ولو سقطت مصر صريعة لهذا المخطط لسقطت دول الخليج باتصال هاتفي كما عبر أحد زعمائها . وليس هذا تقليلاً من قدر هذه الدول بقدر ما هو اعتراف بحجم مصر وخطورة دورها كرمانة ميزان للمنطقة تحفظ عليها توازنها في مواجهة كافة المخاطر وعلي الأخص المخاطر الأمنية . إلا أن مصر بثورة 30 يونيه التي أطاحت بنظام الإخوان قد حطمت المخطط وقلبت المنضدة علي رؤوس أطرافه والمتورطين فيه ، بما جعلها عرضة لهجمة شرسة استهدفت مؤسساتها وكيانها . فاقتنصت دول الخليج الفرصة ، واصطفت إلي جوار مصر كتفاً بكتف حتي لا تسقط مصر ، وبسقوطها تسقط هذه الدول . فاشتدت الحملة علي مصر إقتصادياً وإعلامياً وتخربيباً وإرهابياً من كل حدب وصوب . وكانت قطر هي رأس الحربة في هذه الحملة تكليفاً أو توجيهاً أو إيحاءًا أو تطوعاً أو كل ذلك مجتمعا دون مراعاة للبعد العروبي الأخوي أو البعد التاريخي القومي أو البعد العقدي الإسلامي . وقد وصل الأمر إلي التحريض علي مصر ، وتمويل أنشطة إرهابية مناوئة لها علي نحو لا يعدم الفظاظة والغلظة . ليس ذلك فحسب وإنما أيضاً لم يكن يخفي بحال عن الدول الخليجية دور قطر في تقديم الدعم لجبهة النصرة في سوريا ، والحوثيين في اليمن ، ودورها في ليبيا . ولا يخفي الدور الإعلامي الجوبلزي القذر الذي تلعبه قناة الجزيرة ، وما تقوم به أكاديمية التغيير الكائنة في الدوحة وتقوم علي تدريب أشخاص وجهات علي القيام بأنشطة تخريبية في أحشاء الدول العربية لصالح القوي المناوئة للمصالح العربية .
ومن المؤكد أنه كانت هناك اتصالات ومفاوضات ومساومات وضغوط من أجل أن تمتثل قطر لمتطلبات المصالح العربية المشتركة إلا أنها أصمت أذنها واستغشت ثيابها ، وصنعت لنفسها أذن من طين وأخري من عجين ، وأغمضت عينيها وأسلمت قيادها للشيطان . فما كان من الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين إلا أن قامت بسحب سفرائها من دويلة قطر باعتبارها الطرف العربي الظاهر في المؤامرة ورأس الحربة فيه لعلها ترعوي ، والمشهد كما يبدو ينحو منحي الإجراءات التصعيدية لسير قطر في الإتجاه الخطأ وهو مغمضة العينين ، وقطر هي أكبر داعم لجماعة الإخوان ، والتصعيد ضدها يعد تصعيداً في مواجهة الجماعة ومؤامرتها ، وقد ضرب التسونامي السعودي الجماعة باعتبارها جماعة إرهابية في انتظار بقية الموجة من باقي الدول العربية حتي تُجْبَر أطراف المؤامرة علي لملمة أوراقها والرحيل بها ونهو العبث الذي ترتب له وتنتويه للمنطقة . تسونامي يعيد ترتيب المنطقة باياد عربية علي نحو يعيد ترتيب خريطة القوي في العالم لصالح المنطقة ، ويدخل العرب الحلبة كقوي إقليمية فاعلة علي الساحة السياسية الدولية .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية