أوكرانيا بالعربية | الأسد يريد ابراز "حجم شعبيته" وليس تأكيد شرعية نظامه.. والتهديدات الغربية والعربية فشلت في اجهاضها... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/هدأ غبار الانتخابات الرئاسية المصرية وانقشعت سحبه، وظهرت حقيقتان متناقضتان لا يمكن تغافلهما، الاولى تحقيق المشير عبد الفتاح السيسي فوزا ساحقا لم ينكره خصمه السيد حمدين صباحي، والثانية انخفاض ملحوظ في الاقبال على المشاركة في عملية الاقتراع ومن الشباب على وجح الخصوص وتمديد الاقتراع لعدم وجود ناخبين وليس لتزاحمهم.
عزوف نسبة كبيرة من الشباب المصري عن ممارسة الحق في التصويت اخطر بكثير في رأينا من مقاطعة حركة الاخوان المسلمين وانصارها، لسبب بسيط، ولكن مغرق في اهميته، وهو ان هناك 45 مليون مصري، اي نصف الشعب تقريبا، تحت سن الـ 35 عاما، ومن بين هؤلاء 20 مليون عاطل عن العمل تقريبا، مما يعني انهم يشكلون قنبلة موقوتة يمكن ان تنفجر على شكل ثورة ثانية اكثر خطورة ودموية من الاولى بمراحل اذا لم يتم احتواؤها من خلال حلول واصلاحات اقتصادية وسياسية سريعة ومقتعة.
امران سيحددان مستقبل جمهورية السيسي القديمة الجديدة ومدة استمرارها طولا او قصرا، وربما مستقبل المنطقة العربية بأسرها، الاول الاقتصاد، والثاني الطبقتان الوسطى والشبابية فالاولى تهيمن على مفاصل الدولة الحساسة، والمالية والاجتماعية منها على وجه الخصوص وتطالب بدور في صياغة مستقبل مصر، فانهيار هذه الطبقة في العراق وهروبها الى الخارج، وتكرار الظاهرة نفسها في سورية وليبيا وبدرجة اقل في اليمن، ساهم ويساهم في انهيار العملية السياسية ومعظم هياكل الدولة ومؤسساتها، اما فئة الشباب فهي التحدي الاكبر وتناولت ذلك في الفقرة السابقة.
المشير السيسي واثناء حملته الانتخابية لم يقدم برنامجا سياسيا او اقتصاديا مقنعا يتضمن تصوراته للمرحلة المقبلة، فقد ابقى جميع اوراق اللعب قريبة جدا الى صدره، وكشف بعض اطرافها بحذر شديد، وهذا راجع الى احتمالين: الاول انه قد لا يملك مشروعا واضح المعالم، او بالاحرى خريطة طريق، والثاني انه ربما يملك فعلا هذه الخطة او المشروع ولم يرد الكشف عنه قبل الانتخابات خشية تعثر آماله في الحصول على تفويض شعبي كبير ينعكس في نتيجة الاقتراع النهائية.
***
باجراء قراءات متعمقة للمقابلات التلفزيونية والصحافية التي اجريت مع المشير السيسي، والمفصلة بعناية شديدة حسب مقاساته وطموحاته قبيل الانتخابات الرئاسية يمكن استقراء بعض الخطوط العريضة لما يمكن ان تكون عليه خطواته المقبلة:
*اولا: الغاء الرئيس السيسي للعفو الذي اصدره الرئيس المعزول محمد مرسي على بعض المحكومين بالاعدام والسجن المؤبد، مضافا الى ذلك الايعاز، من قبله او قبل رجاله، لقاضي محكمة المنيا باصدار احكام اعدام في حق اكثر من الف شخص معظمهم من حركة الاخوان، في محاكمة "مسلوقة" لم تستغرق اكثر من يومين، يوحي، بل يؤكد، ان الرئيس المصري الجديد سيتبع سياسة الحديد والنار في التعاطي مع خصومه او معارضيه دون اي رحمة او شفقة، ولا نستبق، بل لا نستغرب، اعادته العمل بقوانين الطوارىء تحت عنوان فرض الامن ووضع حد للفوضى، وتحقيق الاستقرار.
ثانيا: في ظل تعاظم الدين المصري العام وبلوغه 242.8 مليار دولار ومحاولة تقليص العجز الذي يصل الى 40.4 مليار دولار سيلجأ الرئيس السيسي الى اتباع سياسة تقشفية اول ابجدياتها رفع الدعم عن المحروقات والمواد التموينية الاساسية مثل الخبز والزيت والدقيق الامر الذي قد يفجر ثورة فقراء اذا علمنا ان 40 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، وهناك من يقول انه سيتخذ ضوابط لمنع تأثر الفقراء وتعويضهم بطرق اخرى، ولكن كل الحكومات التي رفعت الدعم قالت الشيء نفسه وجاءت النتائج عكسية، والاردن احد الامثلة.
ثالثا: ظهور بوادر على عزم العهد الجديد اللجوء الى فرض الضرائب على الاغنياء كوسيلة لزيادة موارد الدولة، وتقليص العجز في الميزانية واتضح ذلك بجلاء من خلال انخفاض اسعار الاسهم في البورصة المصرية بنسبة عشرة في المئة خلال يومي الخميس والاحد بسبب فرض ضريبة على ارباح البورصة مما يؤشر الى احتمال قوي بهروب الاستثمارات الخارجية وهجرة نسبة كبيرة من الاموال والودائع المحلية الى اسواق مالية خارجية، فرض الضرائب على القطط السمان امر جيد ومحمود، ولكن التوقيت ربما يكون عاملا حاسما لتجنب الآثار السلبية، خاصة ان مصر لم تعد دولة اشتراكية.
رابعا: الحرب الشرسة لاجتثاث الاخوان المسلمين ستستمر وتتصاعد في الاشهر المقبلة في ظل دخوله، اي الرئيس السيسي في تحالفات اقليمية ودولية على ارضية هذا الاجتثاث وخاصة مع السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة الداعمين الرئيسيين ماليا وسياسيا لترسيخ حكمه ونجاحه.
مصر هي بيضة قبان الاستقرار والامن في المنطقة العربية بأسرها ليس لان عدد سكانها (90 مليون) يمثل ثلث سكان العالم العربي، وانما ايضا لانها محاطة باضطرابات وحروب في الشمال (سورية) والشرق (ليبيا) والجنوب (السودان) وانضمامها الى نادي الدول الفاشلة غير المستقرة يعني تهديدا مباشرا للدول العربية الخليجية التي تحرص على دفع اي ثمن، ومهما كان غاليا، لمنع وصول الاضطرابات والثورات اليها، ونجحت حتى الآن في هذا الاطار.
تصريحان كانا لافتين للنظر، وصدرا عن مسؤولين خليجيين اثنين يقف كل منهما على نقيض الآخر ودولته، الاول للشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية الامارات يوم السبت، وقال فيه "ان دعم ابو ظبي للقاهرة بعد الانتخابات يختلف عن قبلها.. هذه المرحلة القادمة ستكون اكثر استقرارا وسنقدم مع شركائنا مزيدا من الدعم"، والثاني صدر عن السيد خالد العطية وزير خارجية دولة قطر الاحد قال فيه "ان قطر كانت وستبقى، تدعم خيارات الشعب المصري ولن تخرج عن هذا النهج" ولكنه استطرد قائلا في مؤتمر صحافي مع نظيره الالماني "الطريق الوحيد للوصول الى الاستقرار وتحقيق التفاهم الاهلي هو من خلال الحوار مع الجميع في مصر.. وهذا ما نتمناه في قطر".
وزير خارجية الامارات يتعهد بالدعم اللامحدود من قبل دولته وشركائها في السعودية، ووزير خارجية قطر يبدي تحفظا واضحا، لان الحوار والتفاهم الاهلي الذي يؤدي الى الاستقرار في رأيه هو ذلك الذي يتم مع حركة "الاخوان المسلمين"، مما يعني، من وجهة نظرنا، عدم حدوث اي تغيير في الموقف القطري قبل يوم واحد من انعقاد لجنة متابعة تطبيق "وثيقة الرياض" بشأن الخلافات الخليجية يوم غد في العاصمة السعودية في اطار الاجتماع الدوري لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، وان دولة قطر ستستمر في دعم حركة الاخوان في مصر وغيرها.
***
الرئيس السيسي كان يحرص دائما على مقارنه نفسه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي انحاز للفقراء وذلك من خلال تركيزه على حي الجمالية الفقير الذي نشأ وترعرع فيه، ولكن الرئيس عبد الناصر كان صاحب مشروع وطني محلي وعربي، وهو المشروع الذي غيبه حكم الرئيس حسني مبارك وسفله السادات طوال العقود الاربعة الماضية، ولا نرى حتى الآن اي اشارة الى هذا المشروع في اي من خطابات الرئيس السيسي ومقابلاته التلفزيونية، عبد الناصر كان مبدعا في اقامة علاقة متميزة بين القيادة والشارع، والتواصل مع البسطاء بعفوية وهذا سر نجاحه الجماهيري، بينما بدا الرئيس السيسي خجولا جدا ومترددا.
رئاسة المشير السيسي ستكون اقرب بكثير الى الديكتاتورية من طموحات الشباب المصري الديمقراطية التي فجر من اجل الوصل اليها ثورته، وهي رئاسة ستواجه العديد من التحديات الصعبة، في ظل مجتمع متعطش للتغلب على مصاعبه المعيشية المتفاقمة ويتطلع الى حلول عاجلة جدا بعد ان طفح كيله من الانتظار والوعود الكاذبة.
الديكتاتورية وسياسة القبضة الحديدية ومهما كانت مبرراتها لن تحل مشاكل مصر، ولن تقودها الى الامن والاستقرار في ظل وجود شباب متعلم، وعالم منفتح، وغياب مشروع اقتصادي وسياسي واضح المعالم، فكيف يتبلور هذا المشروع الحداثي لمصر الجديدة اذا كان معظم مستشاري الرئيس المصري الجديد اما في الثمانين او يقتربون منها وكبيرهم السيد عمرو موسى احد الامثلة وابرزها.
مهمة الرئيس السيسي ستكون صعبة للغاية، والفشل فيها قد يؤدي الى احد النتيجتين: اما انفجار ثورة شبابية اشد عنفا من الاولى، واما انقلاب عسكري يصحح اخطاء الانقلاب الاول، او حدوث الاثنين معا، وما علينا الا الانتظار.عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية