أوكرانيا بالعربية | أُكْــذُوبــة الـتـعــدديــة الســياســيـة في مصر... بقلم حسن زايد

المتابع للحياة السياسية المصرية سيكتشف دون عناء أن ما يدور علي السطح يختلف جذرياً عما يدور في الأعماق ، فما يدور علي السطح يشي بأن هناك حياة سياسية فعلية فاعلة حارة وساخنة ، حيث يوجد ما يقارب التسعين حزباً علي الساحة ، والمفترض أن كل حزب من هذه الأحزاب لديه برنامجه السياسي المتميز ، ولديه كوادره التي تعمل علي الأرض بين الجماهير تسويقاً للحزب وبرنامجه السياسي ، سعياً للوصول للبرلمان ، إما كمعارضة أو أغلبية . وفي الأعماق سنجد أن هذه الأحزاب مجرد بنايات فيها بعض الأثاث المُتَرَّب ، بعضها بنايات تقتصر علي العاصمة ، وبعضها الآخر يمتد إلي بعض عواصم المحافظات ، وأكثرها عراقة قد يغطي عواصم المحافظات ، وقد يمتد إلي بعض المدن الأخري .
كييف/أوكرانيا بالعربية/المتابع للحياة السياسية المصرية سيكتشف دون عناء أن ما يدور علي السطح يختلف جذرياً عما يدور في الأعماق ، فما يدور علي السطح  يشي بأن هناك حياة سياسية فعلية فاعلة حارة وساخنة ، حيث يوجد ما يقارب التسعين حزباً علي الساحة ، والمفترض أن كل حزب من هذه الأحزاب لديه برنامجه السياسي المتميز ، ولديه كوادره التي تعمل علي الأرض بين الجماهير تسويقاً للحزب وبرنامجه السياسي ، سعياً للوصول للبرلمان ، إما كمعارضة أو أغلبية .
وفي الأعماق سنجد أن هذه الأحزاب مجرد بنايات فيها بعض الأثاث المُتَرَّب  ، بعضها بنايات تقتصر علي العاصمة ، وبعضها الآخر يمتد إلي بعض عواصم المحافظات ، وأكثرها عراقة قد يغطي عواصم المحافظات ، وقد يمتد إلي بعض المدن الأخري . ويقتصر التواجد داخل هذه البنايات في معظم المحافظات علي الموظفين الإداريين به ، وبعض الزوار ممن يهتمون علي استحياء بشأن العضوية في هذا الحزب أو ذاك .
إنه الخواء السياسي إلي حد الهزال . وعلي السطح تجد وجهاء لكل حزب ، دائماً ما يظهرون في وسائل الإعلام ، ليس بالضرورة لأنهم الأكفأ في التعبير عن برنامج الحزب وتوجهاته ، وإنما لأنهم الأقدر مادياً في الإنفاق علي الحزب في مواسم الإنتخابات البرلمانية . وعلي السطح تجد جريدة ناطقة باسم الحزب لا توزع ما يغطي تكاليف طباعتها ، لأنه في الأصل لا توجد الكوادر التي تعد الجريدة بالنسبة لهم النافذة التي يطلون من خلالها علي أنشطة الحزب ومواقفه السياسية علي ضوء توجهه السياسي والأيديولوجي . بل انك قد تجد الجريدة ولا تجد الحزب . وفي الأعماق قد لا تجد الجريدة ولا تجد الحزب ، ولا تجد الوجهاء ، سواء وجهاء السياسة أو وجهاء المال ، ولا تجد الكوادر . ومن هنا فإنني ـ شأن ثلة غيري ـ قد أجد غصة في حلقي ، عندما أسمع ـ أو أستمع ـ إلي بعض اللاعبين السياسيين حين يتحدثون في السياسة ، فتجدهم أساتذة في كل شيء ، أساتذة في المناقشة والتنظير لكافة القضايا المثارة وغير المثارة والمختلقة  .
تشعر وأنت تسمع ـ أو تستمع ـ إليهم أن السياسة في البلد بخير  ، وأن الأحزاب السياسية مضطلعة بدورها بين الجماهير لولا التضييق الذي تكابد ويلاته من النظام القائم . وفي الأعماق لا تشم بين أحرف كلماتهم روائح عرق العمل السياسي الميداني بين صفوف الجماهير ، وإنما لغة صالونية مكيفة ، تفوح من بين ثناياها روائح العطور الباريسية التي تخلب الألباب ، والكلمات المعطرة لا تروق لخياشيم من إرتوت الأرض بحبات عرقهم ، ولا تطرب لوقع نغماتها آذان قد اعتادت صوت ضربات الفأس ، وخرير المياه وهي تروي الشجر . ومن هنا كان الإنفصام النكد بين السياسيين والواقع السياسي المصري . وقد تضبط نفسك متلبساً بالتميز من الغيظ حين تراهم يشتبكون مع الحياة السياسية باعتبارهم أصحاب حقوق مشروعة في إقتسام " التورتة " مع المقتسمين ، ويستمسكون بنظام القائمة دون النظام الفردي في الإنتخابات البرلمانية ، وأن النظام الفردي يضر بالحياة الحزبية ، ويضعفها ، وقد يقضي عليها .
مع أن الأصل لديهم في الإستمساك بنظام القائمة هو فقدانهم القدرة علي خوض الإنتخابات بالنظام الفردي . والمعضلة التي تواجه الأحزاب المصرية ليس في النظام الإنتخابي المختار ، وإنما في أرضهم القاحلة الجرداء التي لا زرع فيها ولا ضرع ولا ماء ، فليس هناك من الناحية الواقعية تسعون توجه سياسي قامت علي أساسها هذه الأحزاب ، ولا حتي علي مستوي الكون كله ، إذن البرامج متشابهة ، ولا وجه للتمييز أو الإختيار بين حزب وآخر علي أساس التوجه السياسي ، ومن هنا غاب المعيار الموضوعي للمفاضلة بين الأحزاب . ويصبح التعدد الحزبي مجرد أكذوبة شكلية ، وبالتالي تصبح ديمقراطية الصندوق غير معبرة بالفعل عن الإرادة السياسية الغالبة علي الشارع السياسي المصري . وهذا بالقطع يفرز حياة سياسية فاسدة ، قائمة علي الوهم . ومن أجل بناء حياة ديمقراطية سليمة لابد من العودة إلي نقطة البدء ، ونقطة البدء وضع لبنتها الرئيس الراحل / أنور السادات ، عندما أعلن في منتصف سبعينيات القرن الماضي قيام ثلاث منابر سياسية ، وهي الوسط واليمين واليسار ، ثم تحولت هذه المنابر إلي أحزاب .
وما زال تصنيف التوجهات السياسية يخضع لهذا التصنيف . صحيح أن التصنيف الواحد قد يقسم إلي ثلاث تصنيفات فرعية ، ولكنها خاضعة للإطار العام . ثم يبدأ كل توجه في خلق كوادره ، وتربيتها سياسياً ، مع تطبيق النظام الديمقراطي داخل الحزب ، حتي تكون الديمقراطية لدي الكادر قيماً وسلوكاً قبل أن تكون صندوقاً ، ومن خلال هذه الكوادر يجري توسيع القاعدة الجماهيرية المؤيدة لتوجه الحزب  . أما قبل أن يتم ذلك ، فستظل التعددية السياسية مجرد أكذوبة ، لأن المواطن المصري بوعيه الآني وثقافته لا ينتخب عضواً في البرلمان لتوجهه السياسي ، وإنما ينتخب نائب الخدمات الذي يتسني له إشباع رغباته وحاجاته ، وغالباً ما يكون هذا النائب هو نائب السلطة ، أو الحزب الحاكم . والسر في حصد الإخوان والسلفيين لأصوات الناخبين هو تلك الخدمات التي كانوا يقدمونها للجماهير ، فضلاً عن الدعوة الملتبسة للسياسة بالدين ، والدين يمثل داخل نفوس المصريين برصيد هائل لا يحتاج إلي دعاية انتخابية . فهل آن للأحزاب المصرية أن تكف عن العبث الحالي ، والعمل من خلال فكر استراتيجي يحفظ عليها
وجودها وتماسكها ومستقبلها ، بدلاً من الهرولة وراء ثمار غير ناضجة ؟ . أتمني ذلك .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية

Share post:
Main news
Europe
Russia Violates the Geneva Conventions. Executions and Torture of Ukrainian Prisoners of War
Ukraine
MAIN POSITIONS OF INFORMATION RESPONSE EXPLAINING COMPLEX THINGS IN SIMPLE WORDS
Ukraine
Finnish businesses to join Ukraine’s reconstruction efforts
Finnish businesses to join Ukraine’s reconstruction efforts
Look for us on Facebook
Look for us on Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.