صحيفة: الحرب في أوكرانيا توحد أوروبا وتقسمها
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ صحيفة "لو موند" الفرنسية نشرت مقالاً للكاتب والعالم السياسي ياروسلاف كويسز تناول فيه آخر التطورات الأوكرانية.
وفيما يلي نص المقال:
عشية الانتخابات الأوروبية، يحتدم النقاش في عدد من دول الاتحاد الأوروبي بشأن تفسير الصراع. فهل نحن في وضع مماثل لصيف عام 1914، أم لاتفاقيات ميونيخ عام 1938؟
حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال خطابه الأخير، الذي ألقاه في جامعة السوربون، في 25 نيسان/أبريل، من أن "أوروبا تموت". وحمل هذا التحذير من تفكك الاتحاد الأوروبي نبرة تكاد تشبه لهجة أوروبا الوسطى. ففي أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، لست مضطراً إلى إقناع أحد بفناء الدول أو الاتحادات بين الدول. فالخوف من فقدان السيادة هو "العصب السياسي" لدول مثل بلدان البلطيق وبولندا ورومانيا وفنلندا.
منذ عام 2014 على الأقل، بعد ضم روسيا إلى شبه جزيرة القرم، تم دمج المخاوف المشروعة من "فناء الدولة" بصورة كاملة في سياسات أوكرانيا ومولدوفا. وعلى مدى الأعوام الثلاثمئة الماضية، شكّلت أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية منطقة "آلهة فانية"، كما يصف توماس هوبز في كتابه "الطاغوت"، إذ يعرف أي شخص زار أوكرانيا أن إنشاء مقابر جديدة منذ عام 2014 يُعَدّ تذكيراً مؤلماً بما حدث.
وإذا كانت مسألة تقديم المساعدات إلى أوكرانيا هامشية في الحملة الانتخابية في أوروبا الغربية، فإن المناقشات السياسية في الدول المجاورة لروسيا مليئة بالتحذيرات ضد موسكو. في بولندا، يتبنى رئيس الوزراء دونالد تاسك، المؤيد لأوروبا، اللهجات الأكثر إثارة للقلق، من أجل حشد الناخبين، ويحاول إقناع المواطنين بأن نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي ستحدد مستقبل الحرب.
تعكس استراتيجية دونالد تاسك مضمون خطاب إيمانويل ماكرون الثاني في جامعة السوربون، فضلاً عن شعارات الحملة الانتخابية لرافائيل غلوكسمان، رئيس لائحة الحزب الاشتراكي في الانتخابات الأوروبية. واللافت للنظر أن انتخابات البرلمان الأوروبي تسلط الضوء على عملية مهمة تجري في مختلف أنحاء أوروبا. وتبنى قسم من الطبقة السياسية في الدول الغربية النهج الجيوسياسي للدول المجاورة لروسيا، كونه نهجاً أوروبياً، إلّا أنّ هذه الخطوة تُعيدنا إلى التباينات الجوهرية في تفسير العدوان الروسي على أوكرانيا. فالحرب في أوكرانيا توحد أوروبا وتقسّمها، ويتم استخدام مقارنات تاريخية متباينة لتفسير هذا الصراع الأوروبي الشامل.
إذا نظرنا من كثب إلى الحرب الأوكرانية، فلا بد من أن نعود إلى عام 1914. في عام 2013، نشر كريستوفر كلارك كتاباً، اسمه "السائرون نياماً"، يصف من خلاله هذا المؤرخ المحترم من كامبريدج اللغز المعقد للسياسة الدولية في وقت هجوم سراييفو. فكيف يمكن لطلقات نارية أطلقها قاتل شاب، في حزيران/يونيو 1914، أن تؤدي إلى صراع عالمي؟ يقدم كتاب كلارك أطروحة مثيرة بعنوان: الحرب العالمية لم تكن ضرورة.
ويدق المعلقون والساسة، الذين يدافعون عن أهمية هذه المقارنة التاريخية لعام 2024، ناقوس الخطر: خطوةً خطوةً، نتجه نحو صراع عالمي. نظرياً لا أحد يريد ذلك، لكن عملياً نحن ننجرّ إلى حرب "عمياء". فالتصعيد المتهور للتوترات بين دول حلف الناتو وموسكو قد يتسبب بتدميرنا.
وقال المستشار الألماني، أولاف شولتس، إنّ الأوروبيين لا يريدون حرباً عالمية ثالثة. ويشاطره في هذا الرأي زعيم حزب فرنسا غير الخاضعة جان لوك ميلونشون ومعه بيير ليلوش، وزير الدولة السابق للشؤون الأوروبية في عهد نيكولا ساركوزي، والذي أعرب لصحيفة "لوفيغارو" عن قلقه من أنّ الرئيس ماكرون يخاطر "في كسر جميع الحواجز التي تحمينا من الحرب العالمية الثالثة". وفي أوروبا الوسطى، ظل رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، يحذر طوال أعوام من أنّ دعم دول الاتحاد الأوروبي أوكرانيا على هذا النحو سيؤدي إلى تهديد أوروبا بأكملها. كما حذّر رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، من هذا التصعيد. وهذا هو بالتحديد نهج سراييفو.
أمّا الدول المجاورة مباشرة لروسيا، فهي ترى أنّ تحديد موعد مغاير يُعَدّ أمراً أكثر أهمية. فبالنسبة إلى كثيرين من السياسيين، تبدو الدروس المستفادة من اتفاقيات ميونيخ لعام 1938 أكثر أهمية لفهم الحرب في أوكرانيا. ومن خلال مصادقتهما على ضم جزء من تشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا النازية، اعتقدت باريس ولندن أنهما تشبعان عبر ذلك رغبة الرايخ الثالث، وتتجنبان تكرار الحرب العظمى.
أتت سياسة استرضاء الفاشية، تحت راية نيفيل تشامبرلين وإدوارد دالادييه، على حساب بلدان وسط أوروبا وشرقيها، وانتهت بالفشل. ولم تتوقف عدوانية برلين فحسب، بل إن قدرة فرنسا وبريطانيا العظمى على الدفاع عن نفسيهما أُضعفت أيضاً بسبب استسلام حليفتهما العسكرية، تشيكوسلوفاكيا. وفي أي حال، انتهت سياسة الاسترضاء مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. لذلك، لا ينبغي لنا أن نستسلم بسذاجة للحكام المستبدين الحاليين، لأنهم لا يفهمون إلا لغة القوة. وفي الوقت الراهن، يتبنى كلّ من الرئيس ماكرون وغلوكسمان نهج عام 1938.
وفي أوروبا، يبدو أن هذين التفسيرين هما السائدان عشية الانتخابات، وإن كانا متهورين. فالساسة والمعلقون مقتنعون بأنهم لا يتصرفون بشكل أخلاقي وبحسن نية فحسب، بل إنهم يقرأون السيناريوهات المستقبلية بصورة صحيحة أيضاً. وبما أنها أسئلة وجودية، فإنّ هذه الحجة واهية.
تكمن المشكلة في أنه في عام 2024 لن نكون في سراييفو أو ميونيخ. فالمقارنات التاريخية لا تزال هي نفسها: مقارنات بسيطة ومحدودة. وعلى رغم ذلك، فإنها تُظهر محاولة لفهم التهديد الذي يواجهه اليوم الاتحاد الأوروبي، المصمَّم لأوقات السلام وليس لأوقات الحرب. لقد تصور أنصار المشروع الأوروبي أنهم قادرون على تعديل المناخ الدولي من خلال استخدام القوة الناعمة، لتصطدم طموحاتهم بطموحات روسيا، التي لا تتردد في استخدام القوة الصلبة.
تجدر الإشارة إلى أن حجة تفسير الحرب، استنادًا إلى التاريخ. لقد تم استغلالها بالفعل من جانب بعض الشعبويين، الذين يؤلّبون الشعب ضد النخب. وعلى المدى الطويل، لن يقل هذا الأمر خطورة عن التهديدات الخارجية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي.
المصدر: وكالات