أوكرانيا بالعربية | تجديد الخطاب الديني.. نشأة الفقه ومفاتيح التجديد... بقلم هيام محي الدين

يمكن باطمئنان أن نرجع البدايات الأولى للفقه الإسلامي إلى فجر الإسلام في عهد كبار الصحابة الذين مارسوا تأمل النص الديني وأفعال وأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عهدهم بها قريباً وخرجوا باجتهادات وأحكام في الأمور التي عرضت لمجتمعهم وحدثت في عصرهم دون أن يضعوا منهجاً ثابتاً يؤصل ؛ ومن المدهش أنهم اختلفوا في الأخذ ببعض الأحكام حتى بين الأب " عمر بن الخطاب " والابن " عبد الله بن عمر " رضي الله عنهما في جواز أو عدم جواز المسح على العمامة بدلاً من الرأس في فرائض الوضوء ؛ مما وضع لنا القاعدة الفقهية الأساسية في قبول الاختلاف

كييف/أوكرانيا بالعربية/يمكن باطمئنان أن نرجع البدايات الأولى للفقه الإسلامي إلى فجر الإسلام في عهد كبار الصحابة الذين مارسوا تأمل النص الديني وأفعال وأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عهدهم بها قريباً وخرجوا باجتهادات وأحكام في الأمور التي عرضت لمجتمعهم وحدثت في عصرهم دون أن يضعوا منهجاً ثابتاً يؤصل ؛ ومن المدهش أنهم اختلفوا في الأخذ ببعض الأحكام حتى بين الأب " عمر بن الخطاب " والابن " عبد الله بن عمر " رضي الله عنهما في جواز أو عدم جواز المسح على العمامة بدلاً من الرأس في فرائض الوضوء ؛ مما وضع لنا القاعدة الفقهية الأساسية في قبول الاختلاف ؛ ويعد الإمام على بن أبي طالب أعلم الناس بالسنة المحمدية بشهادة كبار الصحابة قال عنه عمر بن الخطاب: " أقضانا على بن أبي طالب " وكان يقول إذا استغلق أمر واشتدت صعوبته " قضية ولا أبو الحسن لها " ؛ كما وصلت لنا روايات موثقة عن اجتهادات كبار الصحابة في عصر الراشدين سواء في فهم المقصود من النص أو الحكم في أمور لم يرد فيها نص تراوحت بين التشدد والتيسير دون أن يسفه أي منهم رؤية أو اجتهاد من خالفه أو يفرض رؤيته على الآخرين ؛ وبعد انتهاء أحداث الفتنة الكبرى 35/40 هـ وخلوص أمر الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان بعد مقتل الإمام على وتنازل ابنه الحسن لمعاوية الذي كان سياسيا من طراز فريد أراد معاوية أن يخفف من كراهية بني هاشم " قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لخلافته ؛ وكان عبد الله بن العباس بن عبد المطلب هو كبير بني هاشم بعد مقتل الإمام على فطلب منه معاوية أن يتخذ من المسجد الحرام في مكة ومن مسجد الرسول في المدينة مقاماً يتنقل بينهما كيفما شاء ليقصده الناس وطلبة العلم كمرجعية دينية يبين للناس الحلال والحرام وفرض له عطاء سنوياً ضخماً نظير تفرغه لهذه المهمة.

ويعد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من أعظم الشخصيات في تاريخ الفكر الإسلامي كما يعتبر المؤسس الأول للفقه والمرجعية الرئيسية لمن جاءوا بعده قد تميز رضي الله عنه بذكاء حاد وقدرات عالية على التفكير والربط والاستنتاج كما وهبه الله ذاكرة أسطورية وسرعة بديهة لافته وقد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام ثم كان مع أبيه العباس من كبار مستشاري عمر بن الخطاب واصطحبه في كثير من رحلاته وجولاته خارج وداخل الجزيرة العربية كما كان الرفيق والوزير لابن عمه العظيم على بن أبي طالب ونهل من كل هذه الشخصيات المتفردة خبرات عظمى وعلما غزيراً فقصده الناس من أقاصي الأرض يسألونه ويستفتونه فيجيب ويفتي ويعودون إلى بلادهم بآرائه وأجوبته وفتاواه ؛ وقد اتفق مع آرائه الفقهية بعض من كانوا على قيد الحياة من صحابة رسول الله واختلف معه بعضهم الآخر دون فرض لرأي أو تسفيه لرأي مخالف ؛ وبعد وفاة ابن عباس ؛ ومن تبقى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرت مجموعات من تلاميذهم ومن تفقه على أيديهم سموا بالتابعين مثل الليث بن سعد وعبد الله بن عمرو بن العاص بمصر والحسن البصري بالعراق وغيرهم ؛ لاستكمال ما بدأه ابن عباس والصحابة قبله لبيان الأحكام وأدلتها من الكتاب والسنة ؛ حتى أوائل القرن الثاني الهجري حين برز الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ؛ الذي لقبه أتباعه الذين انبهروا بعلمه وفقهه وذكائه وثقافته بالإمام الأعظم واشتط أعداؤه في كراهيته حتى اتهموه بالمروق من الدين والإلحاد والزندقة فقد كان أبو حنيفة لا يقف عند ظواهر النصوص وإنما يبحث في دلالتها ؛ ويحاول أن يواجه بالأحكام ما يقع من أحداث وما يتوقع حدوثه من قضايا وحالات أي الواقع والمتوقع ، وكان شديد الحذر في الأخذ بالحديث لانتشار الوضع في عصره فكان يتحرى الرواة ويتحرى معاني الحديث ويرفض ما يشك في صدق رواته أو ما يخالف نصا قرآنيا أو سنة مشهورة حتى اتهمه أعداؤه بأنه لم يثبت عنده إلا سبعة عشر حديثاً ؛ والحقيقة أن أبا حنيفة استدل على سبيل الحصر في أحكامه الفقهية بمائتين وثمانية وثمانين حديثاً ؛ ولكن أتباعه للقياس في معظم أحكامه وأدلتها ومخالفته لما نقل عن من قبله من التابعين والصحابة حتى لقد خالف ابن عباس نفسه في بعض الأحكام ؛ وقوة حجته وسطوع أدلته أثار ضده الكثير من معاصريه ولكن فقه أبي حنيفة ساد وانتشر واعتبر تلاميذه أقواله وكتبه وفتاواه وأحكامه مذهبا قائماً بذاته في مقابل أحكام من اختلف معهم فقد توفى أبو حنيفة عام 150هـ عن سبعين عاماً وخلفه تلميذاه محمد وأبو يوسف واستكملوا منهجه وأثبتوا أنه لم يكن مبتدعاً حين كان يفضل أن يفتي باجتهاده بدلاً من أن يعتمد على حديث لا يرى عين اليقين أنه حديث صحيح فقد فعل ذلك عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وهم من أعلام الصحابة العظام.

وكان الإمام مالك بن أنس (93/179هـ) إمام أهل المدينة قد بدأ أحكامه الفقهية حين شارف الأربعين ؛ وعاصر أبا حنيفة كفقيه سبعة عشر عاما وعاش بعد وفاته تسعة وعشرين عاماً ؛ وكان يعتمد في أدلته على الحديث ؛ وندر أن اعتمد على الرأي فكان المقابل الفكري لأبي حنيفة في مصادر الأدلة وقد جاء في الأثر أن مالكا طعن في أبي حنيفة دون أن يذكر حجة أو سببا لطعنة ؛ كما اتهم الإمام مالك بالتعاون مع السلطة والدخول في سلكها والإفتاء بما يرضي الحكام ؛ ولذلك كان الانتشار الأكبر لمذهبه في المغرب العربي والأندلس نظرا للهجوم الشديد الذي رد به الحنفية على طعنه في إمامهم وهذا أول تعصب مذهبي فقهي في الإسلام أدى إلى تقديس كل فئة لإمامها حتى جعلوهم أقرب إلى الآلهة وجعلوا أحكامهم وآراءهم الفقهية الاجتهادية وحيا لا تجوز مناقشته ولا يحل النظر فيه.

أما الإمام الشافعي فقد ولد في العام الذي توفى فيه أبو حنيفة 150هـ ومات 204هـ عن أربعة وخمسين عاماً ؛ وهو أول من وضع علم أصول الفقه تسجيلاً وهو الذي رتب أبوابه وميز أقسامه ؛ بعد أن كان ممارسة لا تدوينا ؛ وقد كان رحمه الله مثقفا موسوعيا شاملاً فهو عالم بعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم الفقه وعلوم العربية ، واتفق علماء كل هذه العلوم على ثقته وأمانته وعدالته وزهده وورعه ونزاهته وعفته حسن سيرته وعلو قدره وسخائه ؛ وقد ترك للفقه وسائر العلوم قرابة مائتي كتاب أشهرها " الأم " المشتمل على أحكام العبادات والفرائض والحدود والمعاملات والقضاء والعتق وغيرها ؛ وهو صاحب المقولة الشهيرة " قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ؛ ومن جاءنا بخير مما نقول أخذنا به " وهذه المقولة كانت دستورا لكل أئمة المذاهب الفقهية الكبرى ؛ ولكن تلاميذهم تعصبوا كل لإمامه تعصبا أغلق باب النظر والاجتهاد والتطوير وتنويع مناهج الاستدلال ؛ وجعلوا آراءهم دينا وكفروا وفسقوا من يخرج على ما قالوه أو يصحح حكما لهم في ضوء تغير الزمان والمكان وتقدم العلم واتساع مجال المعرفة ؛ مع أنهم جميعاً وبلا استثناء اختلفت أدلتهم وأحكامهم ورؤاهم الفقهية باختلاف الزمان والمكان وتطور علوم العصر فحين أفتى مالك بأن حمل المرأة قد يمتد إلى ثلاث سنوات وحتى سبع سنوات اختلف معه الحنيفة والشافعية ؛ ولكنهم لم يكفروا مالكا واعتبروا قوله هذا مرتبطا بعلوم ومعارف زمانه ومكانه وليست دينا ملزما بل رأى واجتهاد بشر لنا أن نرفضه في ضوء حقائق العلم ؛ وكذلك ينبغي أن يكون موقفنا من أحكام الفقه القديم أن نأخذ منها ما نتفق على صحة أدلته وسلامة أحكامه وملاءمتها للمجتمع الذي نعيش فيه وقيم وعلوم الزمان المعاصر في إطار من ثوابت العقيدة والعبادة والسلوك.

فما قال به الفقهاء فكر بشري قابل للنظر والتمحيص والنقد والنقض ؛ وليس وحيا منزلاً ؛ لا نقاش له ولا جدال فيه ؛ ولا يقدح في مكان ومكانة هؤلاء الأئمة العظماء أن نرفض بعض ما قالوا به أو نغيره فهم أبناء عصرهم بما حواه من علوم وأفكار وثقافة واستلزمه من ضرورات وأحكام ونحن أبناء عصر مختلف ولنا ضرورات غير التي كانت لهم ولدينا النص الديني الثابت الصحة ؛ وبالقطع سيختلف فهمنا لمقصوده عن فهمهم في ضوء متغيرات العلم والثقافة وضرورات الحياة الاجتماعية.

هيام فوزى محى الدين

كاتبة و صحفية وإعلامية مصرية

رئيسة تحرير جريدة شبكة أخبار المشاهد المصرى الإلكترونية
المصدر: أوكرانيا بالعربية



Поділитися публікацією:
Головні новини
Близький Схід
Число жертв геноциду Ізраїлю в секторі Газа досягло 44 056
Політика
МКС видав ордер на арешт Нетаньяху
Політика
Хезболла та Ліван схвалили проєкт угоди про припинення вогню з Ізраїлем
Шукайте нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.