أوكرانيا بالعربية | حــوار خـلـــف الأســـــوار... بقلم حسن زايد

22.03.2014 - 02:00 #حسن زايد
من الأمور التي تدعو للإستغراب أنك تجد كل منا قد بني لنفسه صومعة فكرية داخل سور محاط بالأشواك ، حتي لا يقتحم عليه أحد خلوته ، أو فلنقل عزلته الإختيارية ، فيعكر عليه صفو حياته ، ويشوش ما استطاع أن يتحصل عليه من أفكار من خلال مشاهدات لا يسعي حتي لتحقيقها أو تعريضها لشمس الفكر أو مراجعتها ، ويظل يجترها ظناً منه أنه يمتلك الحقيقة ، وأن ما تحصل عليه غيره هو الباطل والزيف ، ولا محل للنظر فيه ، أو الإطلاع عليه ، أو الإقتراب منه خشية أن
كييف/أوكرانيا بالعربية/من الأمور التي تدعو للإستغراب أنك تجد كل منا قد بني لنفسه صومعة فكرية داخل سور محاط بالأشواك ، حتي لا يقتحم عليه أحد خلوته ، أو فلنقل عزلته الإختيارية ، فيعكر عليه صفو حياته ، ويشوش ما استطاع أن يتحصل عليه من أفكار من خلال مشاهدات لا يسعي حتي لتحقيقها أو تعريضها لشمس الفكر أو مراجعتها ، ويظل يجترها ظناً منه أنه يمتلك الحقيقة ، وأن ما تحصل عليه غيره هو الباطل والزيف ، ولا محل للنظر فيه ، أو الإطلاع عليه ، أو الإقتراب منه خشية أن تصيبه العدوي من تلك الأفكار الملوثة . وحين تدفعنا الضرورة لممارسة الحوار علي مضض ، فلا محل للمواجهة والمكاشفة ، وإنما نمارس الحوار من خلف الأسوار التي شيدناها حول ذواتنا ، فيتحول الحوار إلي زعيق وصراخ وتراشق بالألفاظ ، وعنف لفظي مصحوب بالتوتر والإضطراب .
فلا نخرج من الحوار بالنتيجة المرجوة وهي الإتفاق علي أرضية مشتركة تجمع ولا تفرق . فالحوار من خلف الأسوار أقرب ما يكون شبهاً بحوار الطرشان ، الذي لا يترتب عليه سماع ولا فهم ولا إدراك ، وإن كانت لغة الإشارة قد أحالت هذا التعبير إلي متاحف التاريخ . هذا الحوار يمارسه المصريون بعد ثورة يونيه 2013 م . أي بعد سقوط حكم الإخوان . والمسألة المثارة وهي محل جدل بين المصريين سواء مارسوا هذا الجدل باللسان أو مارسوه بالإشارة أو مارسوه بالفعل . ومحور الجدل حول توصيف الأفعال والأقوال الصادرة عن كل طرف من أطراف الصراع ، وكل طرف يزعم أن ما يصدر من الطرف الآخر محض افتراء ، وافتئات علي الحقيقة . ومن الصعب علي المرء في ظل تلك الأجواء المشحونة بالتوتر والقلق والإضطراب أن يتقمص دور الحكيم الذي يمسك بميزان العدل والحكمة ليفصل بين الطرفين  فيما هم فيه مختلفون . وإنما يجد نفسه منحازاً لفئة دون أخري وفقاً لقناعاته وتوجهاته وخلفيته التاريخية عن كل طرف ، وإذا ما حاول المرء لعب هذا الدور ـ دور الحكيم ـ سيكتشف برودة موقفه وسماجته . والواقع أنه يصعب حتي رصد تفاصيل الأحداث علي كثرتها كي يمكن تقييم المواقف علي ضوئها ولعب هذا الدور . والواقع الذي لا مراء فيه ، ولا ينكره الإخوان ، أنهم أخطأوا في إدارة شئون البلاد علي نحو مقصود ، ظناً منهم أنهم سيفلتون بهذه الأخطاء بعدما دانت لهم البلاد ، وأن المزيد من هذه الأخطاء الكارثية كفيلة بتحقيق مآربهم التي تتخطي حدود مصر كمذبحة رفح ، ومذبحة بورسعيد ، وأحداث الإتحادية ، ومكتب الإرشاد بالمقطم ، ومن السفه التقول علي الجيش بأنه وراء تلك الأحداث لأن التاريخ العسكري المصري ينطق بخلاف ذلك ، بينما تاريخ الجماعة في الإغتيالات السياسية شاهد عليها .
هذا بخلاف ما تكشف للأجهزة السيادية من ممارسة الخيانة وفقاً للتسجيلات المرصودة ، وهي الآن منظورة أمام القضاء . ومع ذلك لو أن الجيش تحرك ضد مرسي بهذه الدوافع علي مشروعيتها كسبب منطقي للخروج عليه لأسمينا خروجه انقلاباً . إلا أن الجيش ما تحرك إلا بعد أن تحرك الشعب حماية لإرادته ، فقد خرج الشعب علي نظام الإخوان علي نحو غير مسبوق في تاريخ البشرية . سمي ذلك ما شئت إلا أن تسميه انقلاباً ، لأن تسميته انقلاباً فيه اهدار جسيم للإرادة الشعبية مصدر المشروعية . ولو تخلي الجيش عن مسئولياته لوقعت مصر فريسة لحرب أهلية ضروس بين قوتين غير متكافئتين في موازين القوي ، الشعب الأعزل بصدوره العارية في مواجهة جماعات مسلحة ومدربة ومتأهبة لمثل هذه المواجهات ، فلو انحاز الجيش لمرسي وجماعته من دون الشعب لما تبقي للثورة ونتائجها من ذكر ، وساد الحكم الفاشي لجماعة يقوم نظامها الأساسي علي مدار خمسة وثمانين عاماً علي السمع والطاعة وملازمة الجماعة ، ومن شذ عن السمع والطاعة شذ في النار  والعياذ بالله . وقد بانت هذه الوجهة في الحكم علي نحو مبكر ، وقد لاحت نذره في الأفق لكل ذي عينين ، الأمر الذي دفع الشعب للخروج عليه .  
ولذلك يصاب المرء بالإندهاش من ذهاب أنصار الديمقراطية وحقوق الإنسان إلي اعتبار ذلك انقلاباً يتعين مناهضته انتصاراً لأفكار معلبة قد جمدوها في عقولهم في أطرها النظرية بعيداً عن نبض الجماهير ، وإرادات الشعوب . أو انتصاراً لولاءات مسبقة لجماعة أو لقويً تتمحور مصلحتها حول هذا التوجه . ومع ذلك دعيت جماعة الإخوان إلي المشاركة في وضع خارطة طريق جديدة بدعوة حزب الحرية والعدالة ، إلا أنهم أبوا أن يصغوا إلي صوت العقل . وقرروا السير في الإتجاه المعاكس لإرادة الجماهير ، وأعلنوا النفير الخاص والعام في الداخل والخارج ، وأعلنوا مواجهة الدولة والشعب . والواقع أن تفاصيل الأحداث التالية تكشف علي نحو فاضح حقيقة الجماعة التي ظلت تواريها عن الأنظار علي مدار عمرها ، وهي أنها ليست جماعة دعوية تهدف إلي نشر الدعوة الإسلامية متوسلة بوسائل الإسلام في الدعوة إلي الله ، وأنها تسعي إلي السلطة والحكم في المقام الأول ، بأي وسيلة ، وبأي ثمن ، حتي ولو بالسلاح والإرهاب ، وسبيلها في ذلك الدين كمطية . فمن يريد للإسلام أن يحكم لا يشغله من يحكم . وهناك بالقطع من يقول بأن ما يقال عن الإخوان وعلاقتهم بالسلاح والإرهاب محض افتراء وتلفيق ، أيما كانت الدوافع التي حملته علي اعتناق هذا القول دون غيره ، إلا أن الواقع علي الأرض يشهد علي أنهم كذلك بالفعل ، لا قولاً ، ولا استنتاجاً ، ولا رأياً ، ولكنه واقع مشاهد ، وكما يقال : " ليس مع العين أين ؟ " .
فقد شاهدنا بأم أعيننا الأحداث الإرهابية التي وقعت في مصر ـ بطول البلاد وعرضها ـ وما يتعرض له أبناءها من قوات الجيش والشرطة من تقتيل علي أيدي هذه الجماعة ، وهو ليس من نوع القتل العشوائي الذي قد يمارسه الهواة ، وإنما قتل احترافي في مقاتل ، ومن وضع الحركة . بما يعني ببساطة أن هؤلاء القوم مدربون علي ذلك منذ زمن ليس بالقريب . هذا بخلاف تجهيز السيارات المفخخة ، وكميات الذخائر وأنواع الأسلحة ، وكميات المواد المستخدمة أو المعدة للإستخدام في التفجيرات التي تقع هنا أو هناك . أي أن الأمر لم يكن مصادفة ، ولم يكن وليد ما يُزعم بأنه انقلاب ، لأنهم لم يطلعوا علي الغيب ، ويعلموا بوقوعه قبل أن يقع . ولعل في تهديداتهم التي صاحبت الإنتخابات الرئاسية بإغراق مصر في بحر من الدماء ، وأفعالهم في فترة حكمهم ، وتهديداتهم في اعتصامي رابعة والنهضة بتفجير مصر ، وسحق المصريين ما ينبئك عن المخبوء في نفوسهم وواقع حياتهم ، وموقفهم من شعبهم ،واستعدادهم للمواجهة مع الشعب علي نحو مبكر للغاية .  ولقد بنت الجماعة داخل نفوس أعضائها أسواراً من الكراهية والحقد الأسود يعزل بينهم وبين مجتمعهم علي نحو يدفعهم إلي رفع السلاح في مواجهته . وهم بهذه الأسوار حبسوا أنفسهم بأنفسهم ليجلسوا داخل أقبية الظلام يجترون ماضيهم المظلم وهم يلعقون جراحهم المتقيئة .

حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية

Поділитися публікацією:
Головні новини
Близький Схід
Число жертв геноциду Ізраїлю в секторі Газа досягло 44 056
Політика
МКС видав ордер на арешт Нетаньяху
Політика
Хезболла та Ліван схвалили проєкт угоди про припинення вогню з Ізраїлем
Шукайте нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.