أوكرانيا بالعربية | أزمــة الإعـلانات الـرمـضـانـيـة... بقلم حسن زايد

بغض النظر عن كون الإعلان فن أو علم ، وبغض النظر عن تعريفاته اللغوية أو الإصطلاحية ، إلا أن المجمع عليه أنه رسالة بين المرسل والمرسل إليه . وقد أصبح المرسل وكالات إعلانية ضخمة تتولي عن المنتج التسويق والترويج لمنتجه ، سواء سلعة أو خدمة . ويتم ذلك عن طريق حملة مخططة ومقصودة وموجهة بشكل علمي دقيق ، والإستعانة في ذلك بالعلوم الأخري ، وبكافة وسائل العصر وتقنياته. والهدف النهائي لكل ذلك هو الوصول إلي المرسل إليه / المستهلك

كييف/أوكرانيا بالعربية/بغض النظر عن كون الإعلان فن أو علم ، وبغض النظر عن تعريفاته اللغوية أو الإصطلاحية ، إلا أن المجمع عليه أنه رسالة بين المرسل والمرسل إليه . وقد أصبح المرسل وكالات إعلانية ضخمة تتولي عن المنتج التسويق والترويج لمنتجه ، سواء سلعة أو خدمة . ويتم ذلك عن طريق حملة مخططة ومقصودة وموجهة بشكل علمي دقيق ، والإستعانة في ذلك بالعلوم الأخري ، وبكافة وسائل العصر وتقنياته.  والهدف النهائي لكل ذلك هو الوصول إلي المرسل إليه / المستهلك .

وهنا يعن لنا تساؤل ساذج عن العلة وراء الرغبة العارمة في الوصول إلي المستهلك / المستهدف ، إن كان الأمر هو مجرد الترويج والنشر والتعريف بوجود السلعة أو الخدمة ؟ . الظاهرأن هناك تكالب مبالغ فيه في هذا الأمر ، ولكن الحقيقة أن الهدف من الإعلان ، قد تجاوز الأهداف الكلاسيكية العادية ، فقد تجاوز تعريف دائرة المعارف الفرنسية التي عرفت الإعلان بقولها أنه : " مجموع الوسائل المستخدمة لتعريف الجمهور بمنشأة تجارية ، وإقناعه بامتياز منتجاتها ، والإيعاز إليه بطريقة ما ، بحاجته إليها " . كما تجاوز تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق التي عرفت الإعلان بأنه : " هو مختلف الأنشطة التى تؤدى إلى نشر أو إذاعة الرسائل الإعلانية المرئية أو المسموعة على الجمهور لغرض حثه على شراء سلع أو خدمات، أو من أجل التقبل الطيب لأفكار أشخاص أو منشآت معلن عنها " . إذ أن كلا التعريفين قد مس الأمر مساً خفيفاً ، لا يكاد يدرك . فقد استخدم التعريف الأول لفظين هما : إقناع ، وإيعاز . أما التعريف الثاني فقد استخدم هو الآخر لفظين هما : حث ، وتقبل .

وأصبح الإعلان اليوم ، يتم من خلال حملة إعلانية ؛ لغزو الأسواق ، ببرامج موجهة ، وفقاً لخطة مسبقة ، مستخدماً في ذلك ، الإذاعة المرئية والمسموعة ، وشبكات التواصل الإجتماعي ، إلي جانب الوسائل التقليدية الأخري . مستهدفاً في ذلك ليس مجرد الترويج والنشر ، أو مجرد الإقناع والإيعاز ، أو الحث والقبول ، وإنما يستهدف شخصية المستهلك / المرسل إليه ، والهيمنة الكاملة علي تلك الشخصية . فالتلفاز كوسيلة إعلانية ، وما يملكه من إمكانيات الجمع بين الصورة والحركة والصوت ، والألوان ، والمؤثرات المتعددة الأخري ، مستغلاً فنون الإخراج ، والسيناريو والحوار، يهيمن علي حاستي السمع والبصر ، من بين الحواس الخمسة للإدراك . وحين يتم السيطرة علي هاتين الحاستين يجري عزل الإنسان عما حوله ، وعمن حوله . إذ أن بقية الحواس تكون معطلة . وهنا تلعب الرسالة الإعلانية دورها في تحريك الرغبات والغرائز ، التي بدورها تخلق حاجات جديدة أو توسع دائرة الطلب علي حاجات قائمة . وتستثير في النفس الدوافع المحركة لطلب السلعة أو الخدمة ، والتي تدفع بالإنسان إلي إنفاق أمواله التي لولا الإعلان ما أنفقها . كل هذا يتم في إطار دراسات علمية معمقة للسوق محل الحملة ، من خلال ما يعرف ببحوث التسويق . ويتلاحظ أن الحملة الإعلانية وفقاً لذك تكون مراعية للتقاليد والقيم السائدة ، حتي  لا تكون عاملاً منفراً ، وطارداً للعميل المستهدف . هذا فيما أتصور أنه الإطار العلمي للعمل الإعلاني . فإذا نظرنا إلي منظومة العمل المصرية في مجال الإعلانات سنجد عجباً ، وأي عجب .

ومبعث العجب ، وداعي الإستغراب أنك حين تنظر في الإعلان ، ستلاحظ طغيان عناصر الإعلان علي السلعة أو الخدمة ، بالإضافة إلي وجود فصام بين الصورة والحركة والصوت والمعلن عنه . وستجد أن سيناريو الإعلان في جانب ، واستعراض خصائص السلعة أو الخدمة في جانب آخر . أو أن السلعة لا تمثل نقطة في طوفان الصخب المسيطر علي كافة عناصر الإعلان . والإعتماد علي الإيحاءات الجنسية ، أو صك مفردات ساخرة ، أو استغلال العنصر النسائي في جذب الإنتباه ، وإثارة الغرائز ، في تجاهل تام لمنظومة القيم الأخلاقية الحاكمة . كما أن تكثيف عرض الإعلانات بتكرار والحاح أثناء عرض المسلسلات أو الأفلام ، يدفع بالمشاهد إلي الإنصراف عنها أو التشاغل بغيرها ، مدفوعاً بأحاسيس الملل والضيق . وبالتالي تفشل الحملة الإعلانية في تحقيق أهدافها ، إلي حد يمكن معه اعتبار أن المسلسل هو الذي يمثل فواصل إعلانية ، وليست الإعلانات . أما عن علاقة الإعلانات بمنظومة القيم الأخلاقية فيبدو أنها ليست لها نصيب في الإعلانات المصرية , بل إنها تضرب منظومة القيم في مقتل ، وتسعي عن قصد ووعي إلي نحرها . فهي تدعو إلي التناحر الطبقي بين الطبقات ، حيث تثير الحقد والضغائن بينها . فبعد سقوط الطبقي الوسطي في قاع الطبقة الدنيا ، واتساع الشقة بين الطبقتين ـ الدنيا والعليا ـ إلي حد الإستعصاء علي الرتق ، أخذت الإعلانات في تعميق هذه الشقة .

حين تتحدث عن السفه الإستهلاكي والمالي لدي الطبقة العليا ، فيلات ومساكن بحمامات سباحة وحدائق معلقة ، وسيارات فارهة ، من كل صنف ولون ، في مقابل مبان بالطوب النيء ، أو بلا محارة ، وأقصي ما صنعته لهم التبرعات واقتصاد التسول هو حنفية مياه . الترف السفيه لحد التخمة من الأنواع الفاخرة من الأطعمة ، في مقابل أطفال يتنازعون فيما بينهم رغيف خبز حاف يسدون به فراغ معداتهم ، ويسكتون عويلها . أضف إلي ذلك قائمة التبرعات إلي حد الإستنزاف المدمي لجيوب الفقراء ، لعلاج الفقراء ، سواء من مرضي السرطان أو الكبد . وكأن هناك إصرار علي بقاء جيوب هذه الطبقة فارغة من أي قرش موجود أو محتمل . أضف إلي ذلك الفروق بين المستشفيات العامة والإستثمارية ، وبين المدارس العامة والمدارس الخاصة ، والجامعات العامة والجامعات الخاصة . والإعلانات التجارية علي بساطتها تروج لهذا النزيف القيمي المستمر، وتعمل علي تصحير النفوس ، بما يمثل خطراً وجب إيقافه بأي ثمن ، فهل نحن فاعلون ؟ .

حسن زايد

كاتب مصري ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية



Поділитися публікацією:
Головні новини
Близький Схід
Число жертв геноциду Ізраїлю в секторі Газа досягло 44 056
Політика
МКС видав ордер на арешт Нетаньяху
Політика
Хезболла та Ліван схвалили проєкт угоди про припинення вогню з Ізраїлем
Шукайте нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.