أوكرانيا بالعربية | أوكرانيا... أهي مصر أخرى؟... بقلم جوب هينينغ

بعد مرور أكثر من أسبوع على رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في قمة "الشراكة الشرقية" في فيلنيوس، ما زال المتظاهرون يتحدون حظر التظاهر في ساحة الاستقلال وسط كييف، وقد تضاعف عدد الحشود يوم الأحد ليتخطى المئة ألف، كذلك وجّهت رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة يوليا تيموشينكو رسالة عبر ابنتها دعت فيها يانوكوفيتش إلى الاستقالة

كييف/أوكرانيا بالعربية/بعد مرور أكثر من أسبوع على رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في قمة "الشراكة الشرقية" في فيلنيوس، ما زال المتظاهرون يتحدون حظر التظاهر في ساحة الاستقلال وسط كييف، وقد تضاعف عدد الحشود يوم الأحد ليتخطى مئات ألألوف، كذلك وجّهت رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة يوليا تيموشينكو رسالة عبر ابنتها دعت فيها يانوكوفيتش إلى الاستقالة.

صحيح أن يانوكوفيتش أظهر أنه يدرك كم سيكون رد الفعل تجاه قراره عدم توقيع الاتفاق مع أوروبا حادّاً، لكنه لا يستطيع فعل الكثير في الوقت الراهن، حتى لو أراد ذلك. فترزح أوكرانيا تحت عبء فواتير غاز ضخمة ودفعات دين تبلغ السبعة عشر مليار دولار، وقد رفض صندوق النقد الدولي إعادة هيكلة الدين، ونتيجة لذلك، صار مستقبل 45 مليون نسمة على شفير الهاوية.

فضلاً عن مستقبل البلاد، تهدد الأوضاع الراهنة رؤية ما بعد الحرب الباردة عن مجتمع أوسع عبر الأطلسي، ولا تقتصر هذه المسألة على خلاف سياسي محلي أو ثنائي، بل تعكس مدى هشاشة استراتيجية أمنية موالية لأوروبا نشأت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة؛ لذلك تحتاج إلى ردّ استراتيجي من المجتمع عبر الأطلسي.

في عام 1989، أدلى الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في ماينز بألمانيا بخطاب دقيق مدروس بعناية عن الفكرة الاستراتيجية "أوروبا الكاملة والحرة". حمل هذا الخطاب صدى تاريخيّا عميقاً لم يقف عند حدود الفئات العقائدية. تخطى هذا الخطاب فكرة الاحتواء وتناول مجازيّاً الدور المزدوج للمزارع والمواسم في مساعدة بذور الديمقراطية على النمو. فشكّل هذا الخطاب أساس السياسات الأميركية والأوروبية تجاه أوروبا الشرقية طوال الجزء الأكبر من العقدين التاليين.

لكن السياسات الأوروبية والأميركية تجاه أوروبا الشرقية افتقرت إلى التنسيق في بيئة حرب العراق الصعبة، مع التشديد على "ائتلاف الدول الراغبة" والحديث عن أوروبا "الجديدة" و"القديمة"، فبدأت أوروبا ترى بعجرفة أن نموذجها الجذاب قادر على استمالة دول أوروبا الشرقية إلى مدارها، كذلك سعت الولايات المتحدة باستمرار إلى خفض عدد قواتها في أوروبا وترك شؤون أوروبا للاتحاد الأوروبي.

تجلى هذا التفكك في الإجماع عبر الأطلسي بشأن أوروبا الشرقية بوضوح في قمة حلف شمال الأطلسي في بوخارست عام 2008، حين رفضت أوروبا دعم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن لجورجيا، وقد أدت الحسابات الخاطئة من الطرفين الجورجي والروسي إلى حرب كان من الممكن تفاديها بسهولة.

ينطبق الأمر عينه على الأزمة في أوكرانيا اليوم، مع أن المخاطر قد تكون أكبر، فقد عمل الاتحاد الأوروبي هذه المرة على الترويج لاستراتيجية غير منطقية، سابقة لأوانها، وتقوم على ثقة مفرطة بالنفس، في حين أن الولايات المتحدة ما كانت تولي هذه المسألة أهمية كبرى.

لطالما سعى يانوكوفيتش إلى التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والانضمام في الوقت عينه إلى الاتحاد الجمركي الذي ترعاه روسيا، ولا تُعتبر هذه المناورة مفاجئة نظراً إلى موقع أوكرانيا الجغرافي وتركيبتها السكانية، لكن الاتحاد الأوروبي أصرّ أن على أوكرانيا أن تقبل بإحدى هاتين الأجندتين فقط. وفي وجه هذا الاختبار الصعب، لم يتخلَّ يانوكوفيتش فجأة عن خطط توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في فيلنيوس، بل اتضح قبل وقت طويل أنه لا ينوي توقيعه.

وكيف كان سيتمكن من ذلك؟ فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية عام 2015 وترؤسه اقتصاداً يعتمد بشكل كبير على السوق الروسية والغاز الروسي ويفتقر إلى التجهيزات اللازمة ليستفيد من التجارة الأوروبية وليدعم الإصلاحات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، كانت هذه الخطوة ستشكّل انتحاراً سياسيّاً، ولكن لا داعي أن نتعاطف مع يانوكوفيتش (سياسي غير نزيه يسيطر على اقتصاد تديره أقلية) لأنه وضع أمام خيار صعب مماثل.

صحيح أن البعض ينتقدون يانوكوفيتش لأنه لم يبذل جهداً كافياً، إلا أن التقصير الواضح جاء من جهة الاتحاد الأوروبي، فما كان يانوكوفيتش يتصرف بمكر بل بعقلانية (مع أن سلوكه لا يخلو بالتأكيد من المكر إلى حد ما)، حين رفض رزمة مساعدة مالية غير ملائمة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 800 مليون دولار. يُعتبر بناء هندسة أمنية مستقرة عملاً تنافسيّاً، ففي قانون دعم الحرية، استثمرت الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 3 مليارات دولار وقدمتها كمساعدة لجمهورية جورجيا، بلد تساوي مساحته 1/9 من مساحة أوكرانيا، وخلال اجتماعات يانوكوفيتش مع الرئيس كسي جينبينغ في الصين أخيراً، فازت أوكرانيا بمشروع لتنمية المرفأ بقيمة 3 مليارات دولار. إذاً، تتطلب هذه اللعبة مبالغ ضخمة.

لكن كثيرين في أوروبا يعتبرون أنه في ظل الأوضاع الراهنة، ما كانت أي مساعدات، مهما بلغ حجمها، أو محاولات لتنسيق العلاقات ستنجح في تحسين الظروف في أوكرانيا على نحو ملحوظ، ولكن إذا كان الثمن باهظاً أو "الموسم" غير مؤاتٍ لعقد صفقة، فما كان يجب أن يحاول الاتحاد الأوروبي من الأساس، لأن الدول قد توجه رسائل محيرة، ما يُفاقم خطر الوقوع في فخ الحسابات الخاطئة.

تواجه أوكرانيا اليوم خطر أن تطيح التظاهرات بحكومة يانوكوفيتش لتكتشف بعد ذلك أن كل مَن سيخلفه سيعاني العقبات والصعاب ذاتها، وقد يؤدي هذا الواقع إلى انعدام مطوّل للثقة بالديمقراطية ويولّد دولة أوكرانية أكثر ضعفاً يستطيع بوتين بكل سهولة السيطرة عليها.

لا بد من الإشارة أيضاً إلى خطر أن تسيء مولدوفا وجورجيا فهم تصميم الغرب على دعم مسيرتهما نحو نيل عضوية الاتحاد الأوروبية وحلف شمال الأطلسي، فتحاولان خوض مواجهات عنيفة مع مناطقهما الانفصالية، التي تتحلى بدعم موسكو.

تهدد خاتمة قمة فيلنيوس على أعلى المستويات بترك نقطة ضعف استراتيجية ومصدر عدم استقرار دائم (قد يستمران طويلاً بعد انتهاء عهد بوتين) على الحدود الغربية لأوراسيا في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة للاعتماد على حلفاء مستقرين يشاركونها وجهات نظرها في تلك المنطقة كي تتمكن من زيادة تركيزها على المحيط الهادئ.

لذلك على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يراجعا دورهما "كمزارعين حريصين دومًا" وتركيزهما على رؤية "أوروبا الكاملة والحرة"، ولا شك أن تفويت وزير الخارجية الأميركي جون كيري الاجتماع الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الذي عُقد في كييف الأسبوع الماضي، خطأ فادح، فلن يفلح الاسترخاء والانتظار إلى أن تفهم أوكرانيا ما يدور من حولها بمفردها أو تتفاعل مع انجذابها الطبيعي نحو نمط الحياة الأوروبي.

في المقابل، يُعتبر اقتراح أن الوسيلة الفضلى للمضي قدماً تقوم على تشكيل أوكرانيا حكومة مؤقتة غير عملي وغير مسؤول، فقد برهن يانوكوفيتش أنه لن يتخلى عن الحكم سلميّاً، كذلك لا يملك أي سياسي الشعبية الكافية ليحقق ذلك سياسيّاً، تماماً كما أظهر إخفاق التصويت لحجب الثقة.

سواء كانت هذه الاقتراحات متعمَّدة أو لا، تُعتبر في أوكرانيا دعماً لتغيير غير دستوري آخر في الحكومة، لكن هذه الرسالة خاطئة، فقد حظيت هذه المنطقة بما يكفي من الثورات الملوّنة وتحتاج إلى تركيز أكبر على عمليات حكم طبيعية، وإلا فستواجه خطر السير في الدرب ذاته الذي سبقتها إليه مصر، فتصبح بذلك أسيرة سلسلة من الثورات الشعبية التي تمنع أي قيادة من السعي بفاعلية لمعالجة مشاكل البلد الملحة.

على العكس، يجب أن تقيّم أوروبا والولايات المتحدة ما تقدّمه روسيا (والآن الصين ربما) وتقررا ما إذا كانتا تستطيعان مضاهاته، وإذا تمكنتا من ذلك، فقد يكون من الأفضل التعامل مع القيادة الحالية في كييف، كذلك يجب ألا تصبا كل تركيزهما على المسائل الشائكة الطويلة الأمد المرتبطة بالتجارة، بل على الفوائد القصيرة الأمد المتعلقة باتفاقات الإنتاج المشترك، الاستثمار بالأسهم، وضمانات الاستثمار، والإقراض الثنائي.

إذا قررت الولايات المتحدة وأوروبا الرهان على أوكرانيا، فعلى المجتمع عبر الأطلسي أيضاً أن يعيد تنشيط أجندته الأمنية. فيجب ألا يبقى مَن يطمحون للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في حالة انتظار لا نهاية لها، بل على هذا الحلف أن يساهم في تأمين إطار مستقر للنضوج الديمقراطي والاقتصادي في المنطقة.

في الوقت عينه، يجب أن تشمل أي رزمة مساعدة أميركية-أوروبية وأي محاولة للتعاون مجدداً مع أوكرانيا عنصراً قويّاً يرتكز على المجتمع المدني، إلا أنه لا يقوّض مباشرة سلطة يانوكوفيتش أو يدعمها، فسيساعد هذا العنصر أوكرانيا على تنمية الثقافة والمؤسسات السياسية الضرورية لترسم مستقبلها السياسي بيدها.

أما إذا لم تقرر أوروبا والولايات المتحدة المراهنة على أوكرانيا، فيجب أن تنتقلا إلى لعبة أطول وتحرصا على التشديد على أن كل الأطراف معنية بها، فلا يخدم الغموض الاستراتيجي محاولة بناء قارة أوروبية كاملة وحرة.


المصدر: الجريدة


Поділитися публікацією:
Головні новини
Близький Схід
Число жертв геноциду Ізраїлю в секторі Газа досягло 44 056
Політика
МКС видав ордер на арешт Нетаньяху
Політика
Хезболла та Ліван схвалили проєкт угоди про припинення вогню з Ізраїлем
Шукайте нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.