أوكرانيا بالعربية | الثورة والإخوان واستراتيجية الكذب... بقلم حسن زايد

عندما يعكف الإنسان علي تأمل العلاقة الجدلية بين الثورة والإخوان واستراتيجية الكذب يجد عجباً . وهذا العجب مصدره ألا علاقة بحسب المنطق بين الثورة والإخوان ، والإخوان والكذب . فأما من حيث ألا علاقة بين الإخوان والثورة ، فذلك من حيث الأصل ، يقول حسن البنا المؤسس الأول للجماعة في رسالته " في الطريق إلي دعوتنا " : " من أهم معالم هذه الدعوة رفضها للثورة كمنهج في الدعوة والتغيير " . فمن أين أتي الإخوان بزعم أنهم أصحاب الثورة ؟ .

كييف/أوكرانيا بالعربية/عندما يعكف الإنسان علي تأمل العلاقة الجدلية بين الثورة والإخوان واستراتيجية الكذب يجد عجباً . وهذا العجب مصدره ألا علاقة بحسب المنطق بين الثورة والإخوان ، والإخوان والكذب . فأما من حيث ألا علاقة بين الإخوان والثورة ، فذلك من حيث الأصل ، يقول حسن البنا المؤسس الأول للجماعة في رسالته " في الطريق إلي دعوتنا " : " من أهم معالم هذه الدعوة رفضها للثورة كمنهج في الدعوة والتغيير " . فمن أين أتي الإخوان بزعم أنهم أصحاب الثورة ؟ . 

ربما تصوروا أن اتصالهم بالأمريكان ، وتنسيقهم معهم ، واختراقهم للحركات الفاعلة في الساحة الثورية ، وتدريب الشباب علي أعمال التغيير اللاعنفي في مواجهة الأجهزة القمعية ، وإنفاقهم الأموال ـ قل أو كثر ـ علي هذه الأنشطة هي من باب الأعمال الثورية . وهو تصور خاطيء لأن الأعمال التي تمارس بالتعاون مع جهات أجنبية لا تصنف باعتبارها أعمال ثورية حتي ولو كانت ضد أعتي ديكتاتور مستبد ، وإنما هي أعمال تآمرية تنطوي علي خيانة للوطن تخلو من أي قيمة أخلاقية . وقد يفسر هذا الموقف الرسمي للإخوان قبيل اندلاع الثورة حين أعلنوا " لن نشارك في دعوات النزول للشارع " ضد مبارك ونظامه ، ويفسر كذلك ما أشيع حول امتناعهم عن المشاركة الفعلية في فعاليات الثورة إلا في اليوم الرابع من بدء اشتعالها بناءًا علي نصيحة أمريكية . أما ما حدث بعد ذلك فهو سرقة للثورة وامتطاء لها ، وتوجيهها الوجهة التي تتوافق مع توجهات الجماعة التي لاتتفق بالضرورة مع الأهداف التي تفجرت الثورة من أجل تحقيقها . ثم ادعاء انها ثورتها . إذن فلا علاقة بين الثورة والإخوان . وأما من حيث ألا علاقة بين الإخوان والكذب ، فذلك من حيث الأصل ، فالأصل في المسلم أنه ليس كذاباً .

والمفارقة تأتي من هذه الزاوية ، أن تعتمد الجماعة باعتبارها جماعة دعوية ـ تحمل لواء إعادة الناس إلي جادة الشريعة ـ الكذب كاستراتيجية عمل ، وهذا ليس مستحدثاً في الجماعة أو طاريء عليها ، إذ الجماعة قد اعتبرت نفسها جماعة المسلمين دون غيرها ، وغيرها يعد من الأعداء الذين يجوز الكذب عليهم . وإلا فما الداعي إلي هذا التشكيل السري الغامض العامل خارج إطار القانون في مجتمع مسلم يعد القماشة التي يتم العمل عليها ؟ . ولما هذا الغموض الذي يلف مصادر التمويل ورفض الخضوع للمراقبة والمراجعة والمحاسبة وبيان أوجه الإنفاق والصرف ؟ . والسرية في هذه النشاطات تعني ببساطة الكذب في مواجهة أجهزة الدولة ، بل وفي مواجهة من يسعي للمعرفة من أعضاء الجماعة . وهذا ليس من باب التجني علي الجماعة أو رميها بالباطل . وحتي لا يكون الكلام كلاماً مرسلاً لابد من رصد حالات الكذب التي مارستها الجماعة علي مدار ثلاثة أعوام من عمر الثورة المصرية . فمنذ اللحظة الأولي مارست الجماعة أبشع صور الكذب علي المصريين حتي تحتال علي إرادتهم  ، فقبل رحيل النظام اجتمع الإخوان مع الراحل عمر سليمان بقصد الإتفاق معه علي الإعتراف بشرعية الجماعة ، والإعتراف لها بحزب سياسي مقابل الإنسحاب من الميدان من خلف ظهر شباب الثورة والقوي السياسية الأخري . كما تمثل ذلك في الإستفتاء علي الدستور حين صوروا لبسطاء الناس أنه استفتاء علي الشريعة ، مع أن الأمر لا يتعلق بالشريعة من قريب أو بعيد . وفكرة الإستفتاء علي الدستور في حد ذاتها لا محل لها من الإعراب في الثورات التي تهدم أول ما تهدم الدستور القائم وتقضي علي شرعيته . ثم يصاغ دستور جديد للبلاد يؤسس لشرعية جديدة ، إلا أن تمسكهم بالدستور كان لغرض آخر . وقد ترشح أعضاء الجماعة وفروعها لعضوية البرلمان تحت لواء الشريعة لعلمهم أن ذلك يصدر للناس الصورة المرغوبة لهم وهي أنهم الأقرب إلي الله ، وبالتالي فهم الأقل فساداً . هذا المجلس الذي وقف أعضائه يصرخون تحت قبة البرلمان متهمين شباب الثورة بأقذع الألفاظ وأحط الأوصاف وأبشع التهم ، وزعموا أن مصر تعيش عرساً ديمقراطياً ووجهوا التحية للمجلس العسكري، وزادوا علي ذلك أن الثورة قد اكتملت ولا نزول للشارع إلا للإحتفال أو التخريب ، وأن الدعوة للإضراب خيانة للوطن ، وهدم لعجلة الانتاج مع أن هذه الأدوات هي ذاتها التي لجأوا إليها في مواجهة نظام مبارك وقد كانت محل مدح لا محل قدح . وشباب الثورة الذين  هم ذاتهم رفقاء الأمس وحلفاء الغد دفعوا شبابهم للإصطفاف في مواجهتهم أمام البرلمان ، وهم الذين كلفوا احد شيوخهم وهو السرجاني للآجتماع بشباب الجماعة الذي فزعوا من تخاذل الجماعة وتآمرها علي شباب الثورة لكي يخرج لهم صمت الجماعة حيال ما حدث في محمد محمود من الناحية الشرعية ، وأنه يكفيهم أن يمروا عليهم مرددين قول النبي المصطفي حين مر علي آل ياسر وهم يعذبون  : " صبراًآل محمد محمود " . وهم الذين زعموا أن الشرعية للبرلمان لا للميدان حين كانوا يحتاجون ذلك ، ثم عادت الشرعية للميدان حين دفعتهم الحاجة إلي ذلك . ثم ـ وترويجاً لفكرة غير حقيقية عن عدم تكالبهم علي السلطة  علي خلاف الحقيقة ـ أعلنوا عدم التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية ، وفور فتح باب الترشيح تقدموا بعدد من المرشحين علي رأسهم خيرت الشاطر مع علمهم بعدم صلاحيته للترشح قانوناً ، وأنه مستبعد لا محالة لاتهامه جنائياً وعدم حصوله علي رد اعتبار. وإمعاناً في التكالب ، ولعلمهم برفض قبول ترشح الشاطر ، تقدموا بالمرشح الإحتياطي الذي لو جري رفضه لأقاموا الأرض ولم يقعدوها ، لأن الأمر سيبدوا أنه متعمداً ، ويجري التسويق لذلك علي المستويين المحلي والدولي ، ويسهل وضع السلطة الإنتقالية في موقف حرج وضعيف بما يسهل الإنقضاض عليها ، والحلول محلها ، ولعل هذا يفسر قبول أوراق مرسي دون صحيفة الحالة الجنائية ودون الشهادة الصحية التي تُطلب عند تعيين موظف في أدني درجات السلم الوظيفي في الحكومة المصرية . وبدأت الحملة الإنتخابية مصحوبة بحملة دعائية غير مسبوقة في أي دولة نامية ، ونوعاً من البذخ في الإنفاق يتناقض مع القصد في الإنفاق المقرر شرعاً دون البسط وفوق القبض ، وإفراط في الوعود الإنتخابية علي نحو لا يستقيم وإمكانيات الدولة القائمة ، وتردد علي ألسنة الإخوان بمن فيهم مرسي والقرضاوي حديثاً عن مبلغ 200 مليار دولار ستتدفق علي مصر فور فوز مرسي بالرئاسة ، هذا بخلاف أنهار الدولارت التي ستصب علي مصر صباً فور تنصيبه . وإذا بهذه الوعود تتبخر، وإذا بطائر النهضة الإخواني الذي يحمل الخير لمصر يختلس لقب الإسطورة من طائر الرخ جاعلاً إياه حقيقة تاريخية ثابتة .

وبدلاً من الخير الموعود تفاجأنا بالنهب المقصود ، وأصبح الإخوان من وعودهم كالتي تنقض غزلها . ومع بدء الجولة الإنتخابية الأولي بدأت الخلايا النائمة في التحرك علي نحو حثيث للتعبد بتزوير الإنتخابات لصالح مرسي حتي تسني له خوض جولة الإعادة ضد الفريق أحمد شفيق . ومع جولة الإعادة خدع الإخوان الشعب كدأبهم فانخدع لهم الشعب . ومع بدء حملة عاصري الليمون ـ ويقصد عصر الليمون علي الطعام الذي تعافه النفس كي يستساغ بلعه ـ انعقد مؤتمر للإصطفاف الوطني في مواجهة الفريق شفيق والمجلس العسكري لمصلحة مرسي ، الذي أطلق سلسلة من الوعود التخديرية التي جري لعقها فيما بعد دفعة واحدة ، بالإضافة إلي الرسائل التهديدية بالنزول إلي الشارع ، بل وحرق مصر ، حال خسارة مرسي للإنتخابات الرئاسية . وقد جرت وقائع تزوير فاضحة تم تغافلها لأسباب لم يتم الكشف عنها ، منها تسويد البطاقات في المطابع الأميرية ، ومنع قري مسيحية من الخروج للتصويت ، والبطاقة الدوارة ، والطفل الدوار ، والمزاحمة في اللجان ، بخلاف الأمور التقليدية المعتادة من الإخوان والتي احترفوها في الإنتخابات النقابية .

ومع ذلك أعلنوا نتيجة الإنتخابات قبل موعد إعلانها من اللجنة العامة المخولة بذلك مخاطبين واشنطن والغرب بها ، بغض النظر عما كان يمكن أن يترتب علي ذلك من نتائج علي الشعب المصري وزيادة حدة الإستقطاب الديني . وفاز مرسي وتربع علي عرش مصر، وكان من المنتظر أن يستقيم لمصر كي تستقيم له ، فإذا به يتبرم من حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا ، وأداه أمامها علي مضض ، ثم ذهب ليحلف أمام اهله وعشيرته في ميدان التحرير ، ثم عاد وأقسم في جامعة القاهرة . وَيْ كأنه يقسم قسم من ليس في نيته البر بالقسم . وهذا ما حدث بالفعل حين أصدر قراراً جمهورياً بإعادة مجلس الشعب المنحل بموجب حكم من المحكمة الدستورية العليا ضارباً عرض الحائط بقسمه عن احترام القانون والدستور، وكأن صيام الثلاثة أيام يجبر حنثه بهذا اليمين . ثم أصدر إعلاناً لا دستورياً أعطاه صلاحيات شبه إلاهية بغض النظر عن قسمه باحترام الدستور . وقد نسي في غمرة الإنتشاء بإغواءات السلطة وإغراءاتها أنه وعد بأن يغادر الرئاسة لو تظاهر ضده عشرة مواطنين ، فلما تظاهر الالاف أمام قصر الإتحادية أغري بهم ميلشياته تحت سمعه وبصره ومباركته ، فأوسعوهم تعذيباً وتقتيلاً ، وباشروا صلاحيات سلطات القبض والضبط وتحرير المحاضر لبعضهم دون وازع من ضمير أو رادع من دين . وخرج كبيرهم في التلفزيون ليمارس الكذب العلني المفضوح والموثق ، فزعم مرسي ما زعمه قبل صدور قرار الإفراج عن المتظاهرين من النيابة علي اعتبار أنهم مجني عليهم لا جناة . وزعم محمد بديع مرشد الجماعة أن القتلي من الإخوان في حين نفي أهالي الضحايا ذلك ، محمد بديع صاحب مقولة : " وما ذنب النباتات " . وبالطبع نسي مرسي أن يعيد النظر في اللجنة الدستورية ، ونسي مراجعة مواد الدستور الخلافية كما نسي أنه رئيس لمصر ، وليس ممثلاً لمكتب الإرشاد في قصر الإتحادية . واستمراراً في استراتيجية الكذب التي تتبعها الجماعة نجد وصفها لفض اعتصامي رابعة والنهضة علي اعتبار أنه مذبحة راح ضحيتها الآلاف التي تزايدت أعدادها علي طريقة المزادات العلنية من المتظاهريين السلميين . وفي النهاية هل يمكن أن يتخلص الإخوان من آفة الكذب ؟ بالطبع لا . لأن الرجل يكذب ويتحري الكذب حتي يُكتب عند الله كذاباً . فلا محل هنا للمراجعة إلا لمن غرر به من الشباب وكان يُكذب عليه دون أن يكذب .هؤلاء يمكن إعادة لملمة شعث فكرهم وسلوكهم وعقيدتهم وصياغة شخصياتهم من جديد . أما الذين أشربوا في قلوبهم الكذب فلا أمل فيهم ولا جدوي من الكلام معهم أو مراجعتهم . 

حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية

Поділитися публікацією:
Головні новини
Близький Схід
Число жертв геноциду Ізраїлю в секторі Газа досягло 44 056
Політика
МКС видав ордер на арешт Нетаньяху
Політика
Хезболла та Ліван схвалили проєкт угоди про припинення вогню з Ізраїлем
Шукайте нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.