أوكرانيا بالعربية | الـتــفـكــير فــي فــكـــر الـتكـــفــير... بقلم حسن زايد

بدأت فتاوي التكفير تنهمر فوق الرؤوس ، لتنال من تنال من المسلمين ، فتحرق بيت هذا أو سيارة هذا ، أو تقتل هذا أو تغتال ابن هذا . ورغم أن التكفير له ضوابطه وشروطه الشرعية التي يعرفها أهل الإختصاص الذين يسميهم القرآن أهل الذكر ، ولسنا أهلاً للخوض في غماره ، إلا من زاوية واحدة فقط وهي مدي شرعية الفتاوي التي تُتَّخذ كغطاء شرعي تدليسي يَتَغَشَّي إرادة الشباب فيندفع إلي الإنتحار بدعوي الإستشهاد ، أو يندفع إلي القتل بدعوي الجهاد . ويزعم أصحاب الفتاوي أن فتاويهم لا يعوزها المنطلق الشرعي ، ونحن نزعم أن فتاويهم في هذا الصدد منطلقها سياسي ، أي توظيف الدين في خدمة التوجه السياسي ، وهذا أمر مستقبح بلا

كييف/أوكرانيا بالعربية/بدأت فتاوي التكفير تنهمر فوق الرؤوس ، لتنال من تنال من المسلمين ، فتحرق بيت هذا أو سيارة هذا ، أو تقتل هذا أو تغتال ابن هذا . ورغم أن التكفير له ضوابطه وشروطه الشرعية التي يعرفها أهل الإختصاص الذين يسميهم القرآن أهل الذكر ، ولسنا أهلاً للخوض في غماره ، إلا من زاوية واحدة فقط وهي مدي شرعية الفتاوي التي تُتَّخذ كغطاء شرعي تدليسي يَتَغَشَّي إرادة الشباب فيندفع إلي الإنتحار بدعوي الإستشهاد ، أو يندفع إلي القتل بدعوي الجهاد . ويزعم أصحاب الفتاوي أن فتاويهم لا يعوزها المنطلق الشرعي ، ونحن نزعم أن فتاويهم في هذا الصدد منطلقها سياسي ، أي توظيف الدين في خدمة التوجه السياسي ، وهذا أمر مستقبح بلا ريب ، لأن الأراء الدينية أصبحت محلاً للتجارة السياسية التي تتلاعب بعقول البسطاء الذين لا ذنب لهم سوي الثقة التي وضعوها في بعض علماء الدين باعتبار أن أرائهم هي الدين ، إلا أن هؤلاء العلماء لم يكونوا محلاً لتلك الثقة ولا أهلاً لها .

وأنا لا أدري ماهية السند الشرعي في تشكيل جماعات ترتدي أردية الدين في مجتمع مسلم ؟ . ماهي الغاية من تشكيل تلك الجماعة في الجماعة المسلمة إبتداءًا ؟ . ولو كان هناك سند شرعي لإحداها ، فما السند لوجود غيرها ؟ . ولو كان ما تقوله هذه الجماعة في الإسلام هو الحق الذي ينبغي حمل الناس عليه ، فلما لم تجتمع بقية الجماعات عليه ؟ . فإن لم يكن ما تقوله هذه الجماعات هو الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإن كلامهم في الإسلام نسبي يحتمل الخلاف حوله وفيه ، خروجاً من مأزق تفرقهم فيه ، فلما يقاتلون الناس عليه ، ويقتلونهم به ؟ . إن هذا لأمر عجاب . لأنه موضع الخلل وبيت الداء ، فقد ركبت هذه الجماعات أول ما ركبت علي مشاكل المسلمين في مجتمعاتهم ، وأسباب تخلفهم ، وتأخرهم في الركب الحضاري الإنساني ، وأرجعوا ذلك إلي الإبتعاد عن الدين وعدم تحكيم شريعة الله فيهم ، وكأن الذين تقدموا في الركب الحضاري الإنساني قد أسلموا وحكَّموا شرع الله فيهم ، فربطوا دون وعي أو بوعي بين تخلف المسلمين وابتعادهم عن الدين ، مع أنه لا رابط موضوعي بينهما ، فمن بين المسلمين أقوام لا تخلوا الأمة منهم ، نحسبهم علي خير ، ومع ذلك متخلفين عن الركب الحضاري الإنساني . إذن فركوب أسباب التخلف الحضاري بدعوي الإبتعاد عن الله كي يكون تكئة للولوج لتشكيل جماعة دينية تكتسب مرجعية شرعية في ارتقاءاتها في السلم الإجتماعي وصولاً إلي اقتناص السلطة السياسية هو الغاية . والغاية في ذاتها ليست مذمومة ولا محرمة ولا محظورة علي أحد ، ولكن أن يتخذ الدين سلماً لها ، والمتاجرة به سبيلاً للوصولً إليها ، فهذا هو المحظور الذي لا يخلو من مذمة ولا حرمة .

ومن المعروف تاريخياً أن قضية الحاكمية هي المنطلق الذي ركبته الجماعات المتطرفة لتجهيل المجتمع وتكفيره ، وقضية الحاكمية لها أصل في التاريخ الإسلامي ، فقد ارتبطت هذه القضية بالخوارج الذين هم أول من رفعوا شعار : " لا حكم إلا لله " في قضية التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ، فقد جري تحكيم أبو موسي الأشعري وعمرو بن العاص رصي الله عنهما فيما نشب بينهما من نزاع بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه . وهنا رفع الخوارج الشعار المشار إليه آنفاً ، وقد فهم البعض موقف الخوارج علي أن الحاكمية هي السبيل لنفي إرادة البشر في تسيير أمورهم السياسية والدنيوية ، بينما فهمه البعض الآخر علي أنه مجرد رفض لما انتهت إليه نتيجة التحكيم وليس نفي لإرادة البشر في تسيير أمورهم الدنيوية ، إذ لا ينبغي من وجهة نظرهم العدول عن حكم بينه الله في القرآن وهو الموقف الشرعي من الطائفة الممتنعة عن طاعة الإمام إلي حكم الرجال " أبو موسي وعمرو بن العاص رضي الله عنهما " ، وقد قبل علي رضي الله عنه التحكيم لفهم له لكتاب الله وسنة رسول الله ، ولذا فقد أقرهم علي المبدأ حين قال في مواجهتهم " كلمة حق " ، وأنكر عليهم النتائج حين قال : " يراد بها باطل " . ولذا لما وقع الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة والماتريدية لم يكن خلافاً حول المبدأ ، مبدأ أن الحاكمية لله تعالي باعتبار أنه سبحانه وتعالي مصدر الأحكام ، وإنما وقع الخلاف في كيفية إدراك حكم الله في غيبة النص الشرعي ، أي في المساحة التي يمكن فيها للعقل البشري أن يستقل عن النص الشرعي في تقدير الحسن أو القبح في الأفعال أو يستقل فيها النص الشرعي عن العقل . وهذه النقطة هي محل خلاف بين علماء الأمة . وقد تلقفت الحركات الإسلامية مفهوم الحاكمية بمدلوله في نفي إرادة البشر في تسيير أمورهم السياسية والدنيوية ، وأنزلته علي واقع المجتمع الإسلامي بحالته المتردية الفاقدة لشروط التقدم في ركب الحضارة الإنسانية المعاصرة . وقد تحول مفهوم الحاكمية ابتداءًا من مقولات المفكر الهندي أبو الأعلي المودودي التي يوضح فيها مقولته في الحاكمية لله وحده ، وانتهاءًا بسيد قطب إلي منطلق ومنظور متكامل لفهم وتفسير الدين ، والنظر من خلال ذلك إلي واقع المجتمعات وتاريخها ، وطرح خطة العمل الشاملة لحل الأزمة التي تحياها هذه المجتمعات . ولا شك أن خطة العمل سيكون لها أثرها علي أسلوب العمل ذاته فكراً وحركة ، نظرية وتطبيقاً .

فضلاً عن أثره في بناء الفرد الذي هو نواة التنظيم ، الذي يهدف إلي تحقيق الهدف أو الغاية ، فتصطبغ الجماعة بصبغة الفكرة الأولي ، فلو كانت الفكرة الأولي قد انطلقت دون الأخذ في الإعتبار للأفكار الأخري وفقاً لأوزانها النسبية لوقر في ذهن الفرد / النواة ، وبالتالي الجماعة ، أن هذه الفكرة هي الحقيقة الكلية المطلقة ، وما عداها باطل وقبض الريح . وعلي هدي هذه الفكرة يجري فهم وتفسير الدين ، ثم إعادة تفسير الواقع علي ضوء هذا الفهم ، ثم العمل علي تفكيك هذا الواقع وإعادة بناءه وفقاً لهذا الفهم والتفسير ، وتتحول الحقيقة من واقعها الجزئي المؤقت إلي واقع مطلق دائم يخلق أذهاناً لا يسهل عليها الخروج من هذا الصندوق . ومن هنا يصبح المجتمع مجتمعاً جاهلياً كافراً طالما أنه لم يحكم بما أنزل الله .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية

Поділитися публікацією:
Головні новини
Близький Схід
Число жертв геноциду Ізраїлю в секторі Газа досягло 44 056
Політика
МКС видав ордер на арешт Нетаньяху
Політика
Хезболла та Ліван схвалили проєкт угоди про припинення вогню з Ізраїлем
Шукайте нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.