أوكرانيا بالعربية | المثقف وإمكانية التغيير... بقلم د. عادل عامر

أن الثقافة العراقية ظلت مشروعاً يسارياً، شيوعياً بامتياز على مدى عقود من الزمن، فقد باءت محاولات حزب البعث -على قساوتها- في تغيير مسارها طوال مدة حكمه، وحين عمل السياسيون العراقيون الجدد على تشكيل الحكومة سعت الكتل الدينية يعاونها شارع متعطش مشحون بعواطف جاهزة، سهل الانقياد لتتزعم المشهد كله، حينئذ كانت توجهات اليسار المدعوم بكل التوجهات الوطنية خالصة للثقافة، في طموح وردي يقول بان مشاريع التغيير إنما تبدأ من الثقافة، وهكذا كانت وزارة مفيد الجزائري من انجح الوزارات باعتراف الجميع، ففي الوقت الذي تناهب (الهؤلاء) خزائن العراقيين قديمها وحديثها ظلت وزارة الثقافة الأنقى، الأكثر يقظة والأوسع أحلاماً. ولأن مشاريع الاستحواذ قائمة في فكر الإسلام السياسي العراقي الجديد،

كييف/أوكرانيا بالعربية/أن الثقافة العراقية ظلت مشروعاً يسارياً، شيوعياً بامتياز على مدى عقود من الزمن، فقد باءت محاولات حزب البعث -على قساوتها- في تغيير مسارها طوال مدة حكمه، وحين عمل السياسيون العراقيون الجدد على تشكيل الحكومة سعت الكتل الدينية يعاونها شارع متعطش مشحون بعواطف جاهزة، سهل الانقياد لتتزعم المشهد كله، حينئذ كانت توجهات اليسار المدعوم بكل التوجهات الوطنية خالصة للثقافة، في طموح وردي يقول بان مشاريع التغيير إنما تبدأ من الثقافة، وهكذا كانت وزارة مفيد الجزائري من انجح الوزارات باعتراف الجميع، ففي الوقت الذي تناهب (الهؤلاء) خزائن العراقيين قديمها وحديثها ظلت وزارة الثقافة الأنقى، الأكثر يقظة والأوسع أحلاماً. ولأن مشاريع الاستحواذ قائمة في فكر الإسلام السياسي العراقي الجديد، بما انعكس سلباً على المشروع العراقي برمته، وبما أفقد الآخرين (اليسار) وحاضنته الوطنية مقدرتهم على البقاء والمقارعة، لذا نجد أن محاولات اختراق الثقافة الوطنية ظلت قائمة، منذ تولي هؤلاء مقاليد الحكم حتى اللحظة هذه، وبسبب من المحاصصة الطائفية فقد سعى الجميع سعي المجتهدين لتهميش الثقافة، فأهملوا كل شأن له علاقة بالفنون والمسرح والسينما وأشاعوا ثقافة التحريم والتسليح والرعب والخوف والقتل فقتلوا كامل شياع، واخمدوا كل صوت وطني يتظاهر مطالباً بفرصة الحرية حتى عاد الوطن إلى سابق عهده طارداً، نافياً لا يصلح للعيش الأمن، للحياة بمعانيها الإنسانية الحديثة. ما لا يمكن تصوره اليوم هو تأصل فكرة الهجرة لدى النخب المثقفة ولا نقصد التي عادت من المنافي ثم هاجرت ثانية بل في أذهان من لم يغادر العراق مطلقاً، العراق الذي يريده حكام الصدف والاستحواذ مملكة جائرة، مملكة محكومة بالقتل والنفي والطرد، لا يسكنها إلا من كان على دينهم وطائفتهم ومذهبهم. المثقف بهذا المعنى عضو من الكل الاجتماعي الذي يحتويه مع أعضاء آخرين منهم الفاعل وغير الفاعل. عضو يملك من الدور وشروط الانتماء للمجتمع ما يؤهله للتأثير وفقاً لآلية اشتراطيه وهي مساهمة الأعضاء الآخرين في عملية التغيير والتنمية. إن الفئات المثقفة في مجتمعنا تجد نفسها في مواقف حرجة عند محاولتها تغيير الواقع الذي تتفاعل معه أو محاولتها إبراز الهوية والخطاب الثقافيين. أن يرفعوا المجتمع إلى مستواهم، والثاني أن ينزلوا هم إلى المستوى الفكري والاجتماعي للبيئات التي يعيشون فيها، وهنا تقع الإشكالية حول طريقين أحلاهما مرّ.

الطريق الأول: ثقافي بحت يبحث عن النضوج الفكري دون الاصطدام بالمجتمع، وربما أدت هذه الطريقة بالمثقفين إلى الاعتزال لابتكار مفاهيمهم الخاصة التي تحتاج إلى شروحات وفقا لطقوسية سمجة لا تلائم إلا أزمنة القرون الوسطى، حيث يُخبأ المفهوم العلمي– الثقافي– الديني في طيات الكتب للنخب العارفة ويحاط بشعائر التفسير وتفسير التفسير والعمل بالنهاية كلام في كلام كما يقول زكي نجيب محمود. وعموما فإن طريق التصوف الثقافي هذا شائك جدا بالنسبة لعملية إدخال المفاهيم إلى العقلية الشعبية بسبب عزوف المثقف عن مجتمعه ويمكن عده من هذه الناحية فاعلا سلبيا.

أما الطريق الثاني: فهو ثقافي اجتماعي حيث يتنازل السيد المثقف ليمشي في الشارع والسوق ويتحدث إلى الشريف والوضيع ليشارك العوام في حياتهم ويتفهم معيشتهم بالملاحظة المباشرة أو ما أطلق عليه الأنثروبولوجيون بالتعايش أو المعايشة، وهنا على المثقف أن يتحمل عبئين: الأول: انه سيتعايش مع القيم والأعراف والعادات غير الملائمة التي تحتاج إليه كي يستأصلها؛ والثاني: سيكون في موقف المجابهة مع المجتمع الذي ينتقد مكوناته التي دأب عليها. والمجتمع العراقي وخاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا بأمس الحاجة إلى مثل هذا المثقف الملتزم بقضية (فاعل إيجابي) رافضا إحاطة نفسه بنسيج من نظريات ومصطلحات هشة يحوكها له الآخرون ويرددها كالببغاء. ويبتعد عن الخوض في جدليات عقيمة قد تضر ولا تنفع. وتواجه هذه الفئات صعوبات تنشا بين المجددين والمجترين– الحداثيين والمقلدين- مما يحدث فجوة أو مسافة نفسية بين الطرفين يسهم في أزمة التحاور أو التخاطب، واصل هذه المشكلة هو النزعة التغييرية لدى الفئات المثقفة تقابلها النزعة المحافظة ضمن الفئة نفسها أو من شرائح اجتماعية أخرى. أما الأمثلة للمثقف المغير والمؤثر في المجتمع، فأعتقد أن التاريخ يزخر بنماذج حية، ومنقوشة في الذاكرة الإنسانية سواء المغربية أو المغاربية، أو العربية، أو العالمية. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، نذكر فاطمة الفهرية، عبد الله بن ياسين، الأمير عبد القادر الجزائري، عبد الكريم الخطابي، ابن خلدون، محمد الفاتح، طارق بن زياد، صلاح الدين الأيوبي، نور الدين زنكي، عبد الحميد بن باديس، محمد عبده، ابن رشد، مالك بن نبي، إلى آخره؛ ومن الجيل القرآني الفريد: ابن عباس، أسامة بن زيد، حنظلة، عمر بن عبد العزيز؛ ومن الغرب: مارتن لوثر، وأديسون، وأينشتاين، وجان جاك روسو. واللائحة طويلة.

وهؤلاء كلهم، وغيرهم كثر، أسهموا في التغيير؛ كل في تخصص، أو جانب معين، أو مجال معين. ومن هنا نفهم أن التغيير الذي نتحدث عنه ليس بمعناه العمودي، أو الثوري ولا حتى الرادكالي؛ بل إن التغيير معناه أن تضيف شيئا جميلا وحسنا إلى "الآخر". أن تغير معناه أن تكون وسيلة بناء لا معول هدم. إن التغيير معناه أن تسهم في تنمية نفسك، أسرتك، محيطك، قريتك، مؤسستك، وطنك، أمتك. أن تغير معناه أن تضع بصمتك في الحياة، وتترك أثرا طيبا تذكر به وأنت غائب غيابا حكميا أو حقيقيا بعد الموت. أن تغير معناه أن تخلص في عملك، تجارتك، حرفتك، وظيفتك ومكتبك. والتغيير بهذا المعنى، يتحقق بفضل الأسرة المسئولة، والمجتمع المدني النظيف، والمدرسة المواطنة، والحزب السياسي الشريف، والنقابة النزيهة. إذا تحقق كل هذا نكون فد أعددنا المثقف المؤهل القادر على التغيير والتنمية. وفي غياب هذا البعد تتحول التنظيمات "الهوامش/حسب الشكل" إلى معاول هدم تنخر جسم المثقف، وتضعف قواه، وتجهض أفكاره، وتبتلغ كل طموحاته ومشاريعه الثقافية الطموحة. لايخفى على احد ان الثورات العربية احدثت هزة عميقة في المجتمعات العربية وولدت ارهاصات غير محسوبة. فكان على المثقف العربي ان يواكب ما حصل وبطبيعة الثورات افرزت نمط معين من الاحتساب الثقافي. ما بين المحسوبين على السلطة السابقة والتي تلتها.. انه معيار اوجد تطلعات للمثقف لنسميه المتواري في الخوض في تفاصيل لم تتح لغيره. وأصبحت مساح الحرية واسعة وفضفاضة لايمكن التحكم بها بيسر. لان الارض ما زالت رخوة تحت اقدام التغيير الذي حصل. لان التطبع على الاذعان امتد لعقود. لايمكن انحساره لمجرد حدوث هبة ادت الى الثورة. انه التغيير الذي يفرض اشكاله ومتغيراته بحسابات متشنجة ومتشظية وأحيانا غير متوازنة. كل هذا الغير متجانس فرض رؤى لم تتوأم احيانا مع الثورات العربية وتمدد قوى سياسية على حساب ثوابت وطنية كثيرة وبروز ما يصطلح عليه الاقليات وحضورها الفاعل لتحقيق اهدافها المعلنة وغير المعلنة في مايسمى حق تقرير المصير او انشاء فدراليات ليصبح تفتيت النسيج الوطني سمة بارزة في ما بعد الثورات العربية. هنا يبرز دور المثقف.

ويطرح السؤال الاتي ايهما الاجدر في القيادة السياسي ام المثقف؟ وهذا السؤال الاجابة عنه ليست بالهينة لافتراضاته المتعددة وإمكانية السياسي في البعد الاخر هو السلطة. وهذا يعني القوة. اذا ما يطلبه المثقف العربي هو ان يأخذ دوره الحقيقي في التعبير عن حرية الكلمة والتخطيط لمستقبل واعد .


د. عادل عامر

دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام

 رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية

 عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية

 والسياسية بجامعة الدول العربية


المصدر: أوكرانيا بالعربية

Поділитися публікацією:
Головні новини
Близький Схід
Число жертв геноциду Ізраїлю в секторі Газа досягло 44 056
Політика
МКС видав ордер на арешт Нетаньяху
Політика
Хезболла та Ліван схвалили проєкт угоди про припинення вогню з Ізраїлем
Шукайте нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.