رأي: البنتاغون ضد أوكرانيا؟ ما الأسباب الحقيقة وراء تعليق واشنطن شحنات الأسلحة؟

صحيفة: مساعدة أوكرانيا هي أفضل سبيل للحفاظ على الأمن القومي الأمريكي والاستقرار العالمي
كييف/ أوكرانيا بالعربية/ "سنرى إن كان ذلك ممكنًا"، هكذا ردّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سؤالٍ عاطفيٍّ من صحفيٍّة أوكرانيٍّة حول استعداده لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي إضافية من طراز باتريوت.
بعد أقل من أسبوعٍ على قمة الناتو، التي طُرح فيها هذا السؤال، لم تكتفِ الولايات المتحدة بإيقاف تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي إضافية، بل علّقت أيضًا توريد القذائف التي تعاقدت عليها خلال رئاسة جو بايدن.
يُثير قرار واشنطن غير المتوقع مجددًا السؤال التالي: ما الذي يمكن أن تتوقعه أوكرانيا من إدارة ترامب، وليس فقط في سياق الدعم لمواجهة العدوان الروسي الشامل؟ وما مدى استعداد أوروبا لتولي دور المساهم الرئيسي في المساعدات الأمنية لأوكرانيا بدلًا من الولايات المتحدة؟
ولكن في الوقت نفسه، يكشف هذا القرار أيضًا عن مشاكل مزمنة في العلاقات بين كييف والسلطة الحالية في الولايات المتحدة.
من السذاجة الادعاء بأن التوقف الحالي للمساعدات العسكرية ما كان ليحدث لو أن أوكرانيا تصرفت وفقًا لتوقعات ترامب منذ البداية، وتجنبت الأزمات الدبلوماسية كالخلاف في المكتب البيضاوي. فحتى العلاقات الشخصية الجيدة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي لم تنقذ الأول من انتقادات ترامب خلال العملية الأخيرة ضد إيران.
ولكن هل وجود قنوات اتصال موثوقة ودائمة مع السلطات الأمريكية على جميع المستويات يُقلل من احتمالية التجاوزات؟ يمكننا القول بحذر إنه كذلك.
بالإضافة إلى ذلك، من الخطأ افتراض أن تعليق إمدادات الأسلحة خطوة واعية من إدارة ترامب لصالح روسيا، أو على العكس، على حساب أوكرانيا، حيث الوضع أكثر تعقيدًا بعض الشيء.
مفاجأة من البنتاغون
يمكن الجزم بأن تعليق إمدادات المساعدات العسكرية لأوكرانيا كان مفاجئًا، ليس فقط لكييف، بل أيضًا للكثيرين في واشنطن، حيث أعرب أعضاء الكونغرس الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ومسؤولون في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، في محادثات خاصة، وليس فقط، عن عدم فهمهم وخيبة أملهم.
ولم تتمكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس، في إحاطة إعلامية عُقدت في 2 تموز/ يوليو، من التعليق على الوضع، واكتفت بالاقتباس من تصريحات البيت الأبيض والبنتاغون.
حدث كل شيء بسرعة كبيرة لدرجة أن بعض صواريخ الاعتراض الخاصة بنظام الدفاع الجوي باتريوت، وأنظمة الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، وقذائف أخرى، كانت عالقة في بولندا.
وفي الوقت الحالي، لا يمكن للمرء إلا أن يفترض سبب هذا التسرع.
ولكن من المعروف أن البنتاغون كان محور قرار تعليق تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وبالتحديد، رئيسه بيت هيغسيث ونائبه للشؤون السياسية إلبريدج كولبي.
إذا كان موقف هيغسيث المتشكك تجاه المساعدات المقدمة لأوكرانيا ومن حيث المبدأ لحلفاء الولايات المتحدة معروفًا جيدًا بعد تصريحاته العلنية وقراراته السابقة بتعليقها، فإن كولبي مسؤول غير معروف للعامة، لكن دوره في البنتاغون أصبح الآن بالغ الأهمية.
أولًا، لديه خبرة في العمل مع إدارة ترامب الأولى، ويفهم تمامًا الإجراءات البيروقراطية في البيت الأبيض عمومًا، وفي وزارة الدفاع خصوصًا.
وهذه ميزة لا يمكن إنكارها في ظل استمرار الفوضى الإدارية الهادئة في وزارة هيغسيث.
ثانيًا، تتوافق آراء كولبي تمامًا مع مبدأ "أمريكا أولًا": رفض التدخل الأجنبي وإعادة توجيه القوة العسكرية الأمريكية لمواجهة الصين.
في هذا الإطار الفكري الواقعي، ينبغي تقليص المساعدات العسكرية لأوكرانيا وتقديمها فقط بالقدر الذي لا يصرف الانتباه عن مواجهة النفوذ الصيني.
وهنا لا بد من التأكيد على أن كولبي لا يعتقد أن أن روسيا يجب أن تسيطر على أوكرانيا، بل على العكس من ذلك تمامًا. وببساطة، وكما يعتقد العديد من أنصار شعار "أميركا أولاً"، فإن هذا ما ينبغي لأوروبا أن تفعله بالدرجة الأولى(وسوف نناقش لاحقا موقفها من الوضع الحالي).
تتوافق التصريحات العلنية القليلة الصادرة عن البنتاغون بشأن تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا تمامًا مع منطق إلبريدج كولبي (وهيغسيث): من الضروري الحفاظ على مخزونات الأسلحة الأمريكية تحسبًا لأي عمليات أمريكية، ومن الواضح أن دعم أوكرانيا ليس أولوية هنا.
إشارات متناقضة من ترامب
جاء تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك صواريخ الاعتراض للدفاع الجوي، بعد أيام قليلة فقط من وعد دونالد ترامب بالسعي للحصول على أنظمة باتريوت لأوكرانيا.
قد يبدو هذا مفارقة مريرة، لكن الأرجح أن توقف إمدادات الأسلحة لم يكن موجهًا تحديدًا ضد أوكرانيا.
أولًا، وكما هو معلوم، اتُخذ القرار الأولي في أوائل حزيران/ يونيو الماضي، ولعلّ تعليق المساعدات الآن هو نتيجة لإتمام البنتاغون تدقيقًا داخليًا لمخزونات أنواع معينة من الأسلحة الأمريكية - بما في ذلك تلك المُقدمة لأوكرانيا.
ثانيًا، تفاقم الوضع بسبب التصعيد في الشرق الأوسط.
وتطلب ذلك نقل قوات أمريكية إضافية إلى المنطقة واستخدام أصول دفاع جوي نادرة لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية.
ثالثًا، أصبح من المعروف أيضًا أن مراجعة إمدادات الأسلحة الأمريكية لا تخص أوكرانيا فحسب، بل دولًا أخرى أيضًا.
رابعًا، في الأيام والأسابيع الأخيرة، بذل البيت الأبيض جهودًا استثنائية لإقرار مشروع قانون ترامب الرئيسي للميزانية (One Big Beautiful Bill)، وعندها غاب اهتمام الإدارة بأوكرانيا.
هنا، يُمكننا إضافة عامل خامس، يُشبه التآمر إلى حد ما. ربما كان من المفترض أن يُمهّد تعليق إمدادات الأسلحة إلى كييف (الذي أسعد الكرملين كثيرًا) الطريق لمكالمة ترامب الهاتفية مع فلاديمير بوتين - السادسة خلال الأشهر الخمسة الماضية.
قد يرى مؤيدو هذه الرواية دلالة خفية في خيبة أمل الرئيس الأمريكي الصريحة، الذي اشتكى من عدم إحراز تقدم نحو تحقيق السلام.
علاوة على ذلك، مرّ شهر على الاجتماع الأخير، الثاني، فيما يُسمى بصيغة إسطنبول، ولم يُعلن حتى الآن عن أي استعدادات لجولة ثالثة، والتي من المفترض أن تتناول مسألة وقف إطلاق النار.
وليس من المُستغرب أنه: من المستحيل مبدئيًا الاتفاق على مواقف الأطراف عندما يطالب أحدها (روسيا) باستسلام أوكرانيا بأي صيغة.
ومهما سعى البيت الأبيض إلى اعتبار هذا مسارًا للسلام، فإن تصعيد روسيا لقصفها لأوكرانيا يُشير إلى عكس ذلك تمامًا.
وسوف نجيب لاحقا على السؤال عما إذا كانت هذه خطوة تكتيكية من جانب البيت الأبيض في سياق "عملية السلام" أو مجرد مصادفة عرضية ومؤسفة للغاية بالنسبة لأوكرانيا.
أولًا، هل ستوقف المساعدات العسكرية لكييف لمدة طويلة، أم سيتم استئنافها خلال أيام قليلة، كما حدث في مناسبات سابقة؟
أوروبا تُسارع إلى تقديم المساعدة
كما فوجئت أوكرانيا بقرار الولايات المتحدة بشأن المساعدات العسكرية، تفاجأت أوروبا واضطرت إلى اتخاذ خطوات ارتجالية.
وكما كان متوقعًا، أعرب أقرب حلفاء كييف وأكبر مانحيها العسكريين - وفي مقدمتهم ألمانيا وبولندا - عن قلقهم إزاء تصرفات البيت الأبيض، ودعوا إلى الاستئناف الفوري لإمدادات الأسلحة.
ودعا الأمين العام لحلف الناتو مارك روته إلى ذلك، ووصفت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن، التي استضافت فولوديمير زيلينسكي يوم الخميس بمناسبة بدء الرئاسة الدنماركية لمجلس الاتحاد الأوروبي، القرار الأمريكي بأنه "تراجع خطير".
ولكن وراء هذه التصريحات، تبرز حقيقة أخرى: حتى بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بدء رئاسة دونالد ترامب الثانية، لا يزال حلفاء أوكرانيا الأوروبيون غير مستعدين لتحمل المسؤولية الرئيسية عن المساعدات العسكرية.
ولهذه القضية، بالطبع، جانب موضوعي، فليس كل ما تنتجه الولايات المتحدة - بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي نفسها - له نظائر أوروبية ويمكن استبداله بسرعة وكفاءة.
ومن ناحية أخرى، فإن الاعتماد الاستراتيجي لأوكرانيا على المساعدات العسكرية الأمريكية على المدى الطويل (ما لم تقرر روسيا فجأة وقف عدوانها) لا يخدم مصالح أوكرانيا ولا أوروبا.
وحتى ذلك الحين، ستتمتع إدارة ترامب برافعة مؤثرة على السياسة الأوروبية سواءً من خلال زيادة الإنفاق الدفاعي أو المفاوضات التجارية، وسيُجبر الحلفاء الأوروبيون على اتخاذ خطوات تجاه واشنطن للحفاظ على ود الإدارة الأمريكية وضمان استمرار تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بالإضافة إلى أمنهم داخل حلف الناتو.
ويترتب على ذلك أنه في حال طال أمد تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية، ستتمكن أوكرانيا من الاعتماد على أوروبا بشكل أساسي كجسرٍ لإقامة حوار مع إدارة ترامب.
وهناك خيار بديل يتمثل في شراء الأوروبيين للأسلحة الأمريكية، وهو ما تقوم به بالفعل جهاتٌ نشطة، على سبيل المثال، ألمانيا، ولكنه ليس مُصممًا على المدى القصير.
إمكانية التوصل إلى تسوية
في حين أنه من المستحيل الجزم بكيفية تطور وضع المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، إلا أن هناك بعض المؤشرات العامة التي ستسمح لنا بتتبع مسار الأحداث.
ومع أن موضوع تعليق المساعدات لأوكرانيا لم يصبح موضوعًا رئيسيًا في الولايات المتحدة، إلا أن مؤيدي كييف في الكونغرس قد عبّروا عن موقفهم. ولم يُضف القصف الروسي المكثف الأخير للعاصمة الأوكرانية سوى المزيد من الحجج لهم للضغط على الإدارة والمطالبة بإجابات وحلول.
نقطة أخرى ذات دلالة: يوم الخميس، نشرت صحيفة "نيويورك بوست"، صحيفة ترامب المفضلة، ما يصل إلى ثلاثة مقالات تنتقد تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
إحداها مقالة افتتاحية جاء فيها: "الحفاظ على مستوى مناسب من مخزونات الأسلحة أمرٌ مهم، لكن مساعدة أوكرانيا هي أفضل سبيل للحفاظ على الأمن القومي الأمريكي والاستقرار العالمي".
ومن غير المرجح أن تُجادل أوكرانيا في هذه الحجة.
ثانيًا، يجدر مراقبة المفاوضات المُحتملة بشأن شراء الدول الأوروبية أسلحة أمريكية لأوكرانيا عن كثب، وهو ما نُشر أولًا في وسائل الإعلام ثم أُكّد علنًا في برلين.
للوهلة الأولى، يبدو هذا المخطط مفيدًا لجميع الأطراف.
بالنسبة لأوكرانيا، النجاح سيكون بعودة إمدادات الأسلحة الحيوية. أما بالنسبة لترامب، فهي فرصة للولايات المتحدة لكسب المال في ظل التزامات أوروبا بزيادة الإنفاق الدفاعي.
ولذلك، لم يُرفض خيار بيع الأسلحة الأمريكية علنًا من قِبل ترامب نفسه أو المتحدثين باسم حركة "أمريكا أولًا".
ثالثًا، أظهرت هذه الأزمة، كسابقاتها، ليس فقط أهمية التواصل العملي عالي الجودة بين كييف وواشنطن، وهو أمرٌ لا يكلّ الخبراء والمحللون من الحديث عنه، وأنّ انقطاع الاتصالات رفيعة المستوى بين الجانبين الأوكراني والأمريكي لأكثر من يومين بعد تعليق المساعدات، حتى المحادثة بين زيلينسكي وترامب، يُعدّ بحد ذاته دلالةً واضحة.
ولعلّ الوضع الحالي يُحفّز تغييرات إيجابية في هذا الاتجاه من السياسة الخارجية لأوكرانيا.
بقلم: أوليغ بافليوك، صحيفة “يفروبيسكا برافدا”
المصدر: أوكرانيا بالعربية