أوكرانيا يالعربية | العلاقات العربية - الأوكرانية بحد ذاتها فرصة إستثمارية.. بقلم د. خليل عزيمة
كييف/أوكرانيا بالعربية/لم تكن الدول العربية تبدي اهتماما بالسياسة الخارجية لأوكرانيا خلال سنوات استقلالها، وركزت القيادة السياسية في أوكرانيا على التكامل الأوروبي الأطلسي وتمتين العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. فيما حافظت أوكرانيا نتيجة الضغط الداخلي الأوكراني على علاقات الشراكة والصداقة والتعاون بين أوكرانيا والدول العربية ضمن نطاق البروتوكول، وبذل الجانبين العربي والأوكراني جهودا كبيرة لتعزيز التنمية الشاملة للعلاقات بشروط المنفعة المتبادلة.
وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية في أوكرانيا فإن لديها الآن القدرة على ضبط سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط بأكثر واقعية وتركز على تحقيق نتائج إيجابية، وتمكنت في وقت قصير تحقيق الاستقرار في العلاقة مع العالم العربي. فيما لم يكن للدول العربية الرؤية السياسية الحقيقية، وبالتالي، عقيدة واضحة للتعاون السياسي والاقتصادي مع دول ما بعد الاتحاد السوفيتي باستثناء روسيا. فالدول العربية كانت بعيدة عن أوكرانيا بالرغم من كون اوكرانيا حاولت من يوم الاستقلال الاول التوجه نحو الدول العربية وفتح سفارات وممثلياتها القنصلية في العديد من الدول العربية، لكن الدول العربية لم ترد سريعا على هذه الرسالة الدبلوماسية لإثبات حضورها ولعب دورا سياسيا واقتصاديا فاعلا في جمهورية يتبلور شكلها على الخارطة السياسية.
إن الاستثمار الدولي وتنمية الصادرات الأوكرانية هي المفاهيم الأساسية بالنسبة للاقتصاد الأوكراني الحالي، الذي يشهد أوقات صعبة. وتعتبر سوق الدول العربية في الشرق الأوسط واحدة من أكثر الاسواق واعدة بالنسبة لأوكرانيا. وتنتج أوكرانيا تقريباً جميع أنواع سيارات النقل والمركبات الفضائية. ويتم تصدير طائرات أنتونوف وشاحنات كراز لكثير من البلدان. وتسوق معظم الصادرات الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي.كما وتحافظ أوكرانيا منذ الاستقلال على وكالة الفضاء الخاصة بها، وكالة الفضاء الوطنية الأوكرانية، وتشارك بنشاط في استكشاف الفضاء والبعثات العلمية وبعثات الاستشعار عن بعد. فيما معظم واردات البلاد هي النفط والغاز الطبيعي. كما وتعد أوكرانيا من كبرى الدول الاوروبية الزراعية وتنتج كميات كبيرة من المنتجات الزراعية المختلفة إضافة للثروة الحيوانية.
تستهلك أسواق الدول العربية جزءا كبيرا من المنتجات الخام الأوكرانية، مما يجعلها من الشركاء الاقتصاديين لأوكرانيا. ويمكن أن تستفيد عدد من الدول العربية من الإمكانيات التقنية لأوكرانيا في صناعة الطاقة والصناعات العسكرية التقنية والفضاء والصواريخ وصناعة الطيران وهذا يفتح فرص تحسن كبير في هيكل الصادرات في منطقة الشرق الأوسط.
على سبيل المثال، قامت أوكرانيا في العام الماضي بتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع السعودية من خلال تنفيذ 7 اتفاقيات٬ تشمل منع الازدواج الضريبي٬ وحماية الاستثمارات٬ والتعاون التجاري٬ والاقتصادي٬ والعلمي٬ والفني٬ إضافة إلى متابعة التعاون في إنتاج الطائرات. فيما بلغ التبادل التجاري أكثر من مليار دولار٬ ويزيد سنوًيا٬ وتتركز الاستثمارات الأوكرانية في السعودية في تقنية المعلومات وإنتاج الطائرات.وبالفعل دشنت شركة أنتونوف الأوكرانية لصناعة الطائرات طائرة الشحن الجديدة "أن 132" التي تنتجها بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في السعودية.وقد وقعت شركة أنتونوف ثلاث اتفاقيات أخرى مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية من ضمنها تصنيع طائرة عمودية متعددة الأغراض من نوع بلاك هوك مع شركة سايكروسكي الأمريكية، وتصنيع الطائرات بدون طيار مع شركة إليت الصينية، وتصنيع هياكل للطائرات من المواد الكربونية والمعدنية. فيما تقدر الاستثمارات السعودية في أوكرانيا التي قيمتها بـ 100 مليون دولار، وتحتل السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع أوكرانيا، بحجم يتجاوز مليار دولار سنويا، حيث تستورد أوكرانيا منتجات البتروكيماويات السعودية.
كما وشهدت حركة التبادل التجاري بين مصر وأوكرانيا نموا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية وحققت مصر نحو 47% زيادة في صادراتها لأوكرانيا بعد ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية التى أدت إلى تراجع حجم التبادل التجارى خلال تلك الفترة. وتتمثل البنود الرئيسة للصادرات المصرية إلى أوكرانيا في الموالح والأرز والأدوية والفراولة والنباتات الطبية والعطرية والتوابل، بينما تتمثل أهم الصادرات الأوكرانية إلى مصر في منتجات الحديد والصلب وزيت عباد الشمس والقمح والذرة.وهناك تعاون وثيق بين المسؤولين في مصر وأوكرانيا لزيادة معدلات التجارة البينية والاستثمارات المشتركة، ويجري حاليا التنسيق والتعاون بين غرفة التجارة الدولية المصرية، ونظيرتها الأوكرانية لتبادل المعلومات والفرص المتاحة، لعرضها علي القطاع الخاص في البلدين، الامر الذي يسهم في إقامة العديد من المشروعات المشتركة.
وازدادت مؤخرا صادرات أوكرانيا من اللحوم والدواجن والبيض والحبوب إلى دول عربية كثيرة، وذلك بسبب توافر المنتجات الأوكرانية الرخيصة وضبط الجودة هذه المنتجات وفق معايير دولية، كما ولا ننسى المجالات الأخرى للتعاون مثل التعليم والطب والسياحة.
إن وضع خطط طويلة الأجل للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني بين أوكرانيا والدول العربية هي عملية ضرورية نظرا لتزايد التنافس على الأسواق بين الدول الاقتصادية الرائدة في العالم، وذلك للحفاظ على تعزيز أوكرانيا لمركزها الاقتصادي في المنطقة العربية. أوكرانيا تحتاج طبعا إلى تغيير هيكلية الصادرات من السلع والخدمات، والتوجه إلى تصدير منتجات ذات جودة عالية ومنتجات التكنولوجيا الفائقة، والخدمات الهندسية العلمية والتقنية.
اليوم الدول العربية بأشد الحاجة إلى سوق الاستثمار الأوكراني ويجب العمل على زرع الثقة في مجال التعاون الاقتصادي سواء على المستوى الحكومي بين الدول العربية وأوكرانيا، وكذلك على مستوى رجال الاعمال العرب والسوق الأوكراني من خلال الاستثمار ومشاريع التنمية المشتركة. وأمام رجال الأعمال العرب فرصة فريدة لمعرفة إمكانية الاستيراد من أوكرانيا والتصدير إليها. وهذا السوق يتزايد باستمرار وهناك رغبة للاستثمار في العديد من المشاريع. وفقا لذلك، هناك طلب كبير ومستمر لمواد البناء والمعدات والتكنولوجيا والموارد الطبيعية والزراعية، التي تستوردها الدول العربية من بلدان مختلفة من العالم.
وتبقى أوكرانيا دولة خصبة للتعاون في شتى المجالات مع الدول العربية. إن من مصلحة الدول العربية التعاون مع أوكرانيا في جميع المجالات العسكرية والتقنية وصناعة الطائرات والمواد الخام والمواد الغذائية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أوكرانيا تملك قاعدة علمية صلبة وتكنولوجيا متطورة وأراضي زراعية خصبة وأخصائيين مهرة.
الدكتور خليل عزيمة
باحث وأكاديمي في أوكرانيا
المصدر: أوكرانيا بالعربية