أوكرانيا بالعربية | وقوف مرسي في القفص مرة اخرى والخوف من تأثيره على الاستفتاء وتصعيد المظاهرات "الضباب" الذي أجل محاكمته... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/تأجلت محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الى الاول من شباط (فبراير) المقبل بسبب الاحوال الجوية التي حالت دون نقله من سجنه في مدينة الاسكندرية لمقر المحكمة في اكاديمية الشرطة بالقاهرة.
الحكومة الانتقالية في مصر تعيش حالة من الارتباك انعكست بشكل مباشر على العديد من قراراتها ليس فيما يتعلق بالمحاكمة هذه وانما في امور اخرى كثيرة، فقد جرى تغيير مكان المحاكمة، واعطاء معلومات عنها للاعلام ليتم نفيها رسميا بعد ذلك.
قصة الضباب هذه استخدمها الرئيس الراحل محمد انور السادات عام 1972 لتبرير عدم اعلان الحرب على اسرائيل ومحاولة تهدئة المظاهرات الطلابية والشعبية الصاخبة المطالبة بالثأر لشهداء مصر والامة العربية الذين سقطوا في حرب حزيران (يونيو)، وتحولت هذه الذريعة الى مصدر للتندر واطلاق النكات. ولكن ثبت بعد ذلك ان هذه الذريعة الضبابية كانت خدعة عسكرية لتضليل العدو، وبعدها بعام فاجأت القوات المصرية نظيرتها الاسرائيلية باقتحام قناة السويس والحاق هزيمة كادت ان تغير مجرى التاريخ عسكريا، لو لم تجر توظيفها بشكل خاطيء ومتسرع للوصول الى اتفاقات سلام خدمت اسرائيل اكثر مما خدمت العرب وشقت الصف وكانت بداية الانهيار العربي.
***
لا نعتقد ان مصر تسير بخطوات واثقة نحو هذا الاستقرار، وربما يحدث العكس، لان رهان المؤسسة العسكرية على استخدام القبضة الحديدية لدفع الاخوان المسلمين الى الاستسلام الكامل رهان غير مضمون النجاح.
الفريق اول عبد الفتاح السيسي الحاكم الفعلي لمصر يقول ان العملية السياسية وبما تتضمنه من انتخابات رئاسية وبرلمانية ستكون مفتوحة للجميع، ولكن اقصاء الاخوان المسلمين يقول عكس ذلك تماما.
نحن امام مواجهة سياسية قد تتطور الى مواجهات عسكرية بسبب رجحان كفة العناصر المتشددة التي تطالب باللجوء الى السلاح، وعلى حساب القيادة التاريخية "الهرمة" التي تقبع خلف القضبان وكانت تؤكد دائما على سلمية الاحتجاجات.
تجربة الاخوان مع السلطة في مصر تذكرنا بتجربة طالبان في افغانستان، فبعد 12 عاما من الاحتلال الامريكي وسلطة كرزاي التي انبثقت من رحمه، واستخدام القبضة الحديدية، ها هي الولايات المتحدة تقرر الانسحاب مهزومة، ويقرر حميد كرزاي عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويتوقع جميع المراقبين عودة الطالبان الى الحكم مجددا في كابول.
مصر ليست افغانستان، وحركة الاخوان ليست طالبان، ولكننا نريد ان نقول بأن سياسة الاقصاء ليست دائما ناجحة حتى لو مورست من قبل القوة الاعظم في العالم (امريكا)، ونقر بأن هناك تأييدا للحكومة "الانتقالية"، ونعترف ان الفريق اول عبد الفتاح السيسي يحظى بشعبية تؤهله للفوز في انتخابات رئاسية في ظل المقاطعة وغياب شخصيات قوية منافسة، ولكن هل سينجح في تحقيق الاستقرار في ظل سياسات الاقصاء والقبضة الحديدية ضد حركة لها جذورها العميقة في الوعي الشعبي المصري. قد يعتقد البعض من مؤيديه انه يستطيع، وبالاعلام خاصة، ولكننا لنا شكوكنا ايضا.
ولماذا يحاكم مرسي ولا يحاكم من اقتحم ميدان رابعة العدوية، او اطلق النار على المتظاهرين امام مقر قيادة الحرس الجمهوري حيث سقط المئات من القتلى بالرصاص؟
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية