أوكرانيا بالعربية | نكبة إبن رشد.. بقلم أحمد محمود
كييف/أوكرانيا بالعربية/ثمانمائة وخمسون عامًا مرت هذا الأسبوع على ذكرى ميلاد أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد الموافق 14 من إبريل عام 1126 ميلادية، وهو من أعظم فلاسفة العرب، وتعرض لنكبة بعد غضب الخليفة عليه ليتم نفي الفيلسوف والطبيب والفقيه والقاضي والفلكي والفيزيائي الأندلسي إلى مراكش.
نشأ ابن رشد في أسرة ميسورة الحال في الأندلس ودرس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري.
دافع عن الفلسفة ضد هجمات المتشددين كما انتقد العديد من العلماء والفلاسفة السابقين عليه كابن سينا والفارابي في فهمهم لبعض نظريات أفلاطون وأرسطو.
قدمه الفيلسوف ابن طفيل للخليفة أبو يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيبًا له ثم قاضيًا في قرطبة، ثم تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب.
أهم كتبه هي "تهافت التهافت" وفيه رد رد على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة، ثم جوامع سياسة أفلاطون، أرسطو، شرح أرجوزة ابن سينا، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة.
آمن ابن رشد أنّ الفلسفة هي الطريق للوصول إلى الله، وفضّل الحقيقة العقلية على الحقيقة النقلية، ودافع عن الفلاسفة، ورأى أنّ بإمكان المرأة القيام بالأدوار التي يقوم بها الرجل، مثل السياسة وغيرها، وأن المجتمع يظلمها، وبظلمها حُرم المجتمع فضل تفكيرها. وكان رأيه في الدين انه أحكام شرعية لا مذاهب نظرية.
من أقواله:
الحَسَن ما حَسَّنه العقل، والقبيح ما قبَّحَه العقل.
الله لايمكن أن يعطينا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها.
مِنَ العدل أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه.
إنّ الحكمة هي صاحبة الشّريعة، والأخت الرّضيعة لها، وهما المصطحبتان بالطّبع، المتحابّتان بالجوهر والغريزة.
انحصر اهتمام ابن رشد في الطب بعلم التشريح، وآلية الدورة الدموية عند الإنسان، وتشخيص بعض الأمراض، ووصف بعض الأدوية لها. كما ذكر ابن رشد في عدة أماكن من مؤلَّفاته أن الجدري لا يصيب الإنسان أكثر من مرة واحدة؛ وهذا ما توصل إليه الطب الحديث. كما فهم فهمًا جيدًا وظيفة شبكية العين. وهناك قول مأثور عن ابن رشد: "مَن اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانًا بالله".
تعرض ابن رشد في أواخر حياته لنكبة شديدة إذ اتهم بالزندقة وحوكم وقضى القاضي بحرق كتبه، على خلفية اتهام عدد من علماء الدين والمعارضين له في الأندلس بالكفر والإلحاد، وأصدر الخليفة المنصور قرارًا بنفيه لمراكش ليقضى فيها بقية حياته إلى أن توفي هناك عام 1198 ميلادية. وفي هذا يروى الجابرى أن السبب في تلك المحنة سياسي، يتمثل في نشر ابن رشد لكتاب "جوامع سياسة أفلاطون"، حيث تطرق ابن رشد في كتاب سياسة أفلاطون إلى إشكال السياسة كإشكال علمي مجرد من الأقاويل الجدلية، ويقول الجابري إن هذا الكِتاب ألفّه ابن رشد بطلب من أبي يحيى المنصور، وأن تأليفه يرجع إلى السنوات القليلة التي سبقت نكبته؛ ما بين 586هـجرية إلى 589هـجرية. إذ ندد ابن رشد بمدينة "وحدانية التسلط" (الاستبداد)، والتبشير بإمكانية تشييد مدينة الفضيلة والعدالة مكانها.
بينما يورد محي الدين أبى محمد عبد الواحد المراكشي في كتابه "المُعجِب في تلخيص أخبار المغرب" رواية أخرى، يفسر فيها أسباب هذه المحنة، فيقول لها سببان: جليٌّ وخفيّ؛ فأما سببها الخفي وهو أكبر الأسباب، فيقول: "إن الحكيم أبا الوليد (ابن رشد) أخذ في شرح كتاب "الحيوان" لأرسطو طاليس صاحب كتاب "المنطق" فهذّبه وبَسط أغراضه وزاد فيه ما رآه لائقًا به، فقال في هذا الكتاب عند ذكره "الزرافة" وكيف تتولّد وبأيّ أرض تنشأ، "وقد رأيتها عند ملك البربر. ". جاريًا في ذلك على طريقة العلماء في الإخبار عن ملوك الأمم وأسماء الأقاليم، غير ملتفِت إلى ما يتعاطاه خَدمهُ الملوك ومتحيٍلو الكتَّاب من الإطراء والتقريظ وما جانَسَ هذه الطرق؛ فكان هذا مما أحنَقهم عليه غير أنّهم لم يظهروا ذلك.
ثمانمائة وثمانية عشر عاماَ مرت على رحيل ابن رشد عن عالمنا، وقد وترك لنا تراثأُ ضخمًا من الفكر وترك لنا أيضاَ عبرة عن السياسة لازال أثرها باقيأً وتجرى وقائعها حتى الآن.
المصدر: الأهرام