أوكرانيا بالعربية | مستقبل الشرق الأوسط والأكراد في ظل التغيرات المستقبلية... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/أنّ السّنوات العشر المقبلة سوف تشهد تحوّل الشّعوب من الخيال إلى الواقع عبر تحوّل الرأي العام العربي إلى عامل فاعل على السّاحة السياسيّة بعد الثورات، وهو ما من شأنه أن يوازن الصّورة قليلاً؛ إن ما يحدث في الوطن العربي من سعْيٍ لبلورة الرّأي العام العربي بأشكال وصياغات متعدّدة كرأي عام أو حركات، يمكن أن يقوم نتيجة له فضاءٌ مصري أو فضاء مصري-ليبي-سوداني-تونسي، وربما تنضمّ إليه اليمن.
و يدرك الأكراد جيدًا أن هناك تغييرًا حاصلاً في الخريطة الجيوسياسية لمنطقة تواجدهم. التغيير ربما بدأ فعليًا مع اندلاع ثورات الربيع العربي؛ حيث إن مناطق هذه الثورات تعتبر امتدادًا طبيعيًا للأكراد لعدة عوامل ثقافية وسياسية وبالتحديد في سوريا والعراق.
إن ضمان الحقوق المشروعة للشعب الكردي لا يتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي يقوم على أساس التوافق وقبول الآخر ،ويحكم على وفق ديمقراطية الأكثرية لا الأغلبية التي تتناسب مع النسيج غير المتجانس للشعب العراقي،وسيشكل هذا النظام ضمانة أكيدة لعدم عودة الحكم التسلطي إلى السلطة والذي عانى منه العراق كثيرا وفشلت معه جهود الأكراد في الحصول على حقوقهم المشروعة
وبالفعل أبدى الكرد استعدادهم لتبني المفهوم "الثوري" الجديد في المنطقة العربية؛ فانخرطوا في الثورة السورية بعد أحداث درعا في مارس/آذار 2011 مطالبين بإسقاط النظام وإقامة فيدرالية بسوريا القادمة، لكن الحماس الكردي وثوريته تم تجميدهما بعد عام حين سلَّم النظام المنطقة الكردية لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي فرض سلطته وقبضته على مفاصل المجتمع الكردي
إن التغييرات التي حدثت لاحقًا أدت إلى تشتت الاهتمام السوري العام بالقضية المركزية وهي إسقاط الأسد. وبفعل عدة عوامل، خارجية منها وداخلية، أصبحت أولويات المجموعات السورية المختلفة متضاربة.
أحد تلك العوامل كان ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي استهدف الأكراد ودخل في معارك ضارية معهم منذ بداية نشوئه، قبل أن ينتبه المجتمع الدولي لخطورة التنظيم على أمن المنطقة. أكراد الدول الأخرى تعاطفوا مع إخوتهم في سوريا، سواء ضد الأسد أو لاحقًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
من إيران حتى تركيا، بدأت التنظيمات السياسية الكردية بتعبئة جماهيرها لدعم الأكراد السوريين، لأنهم كانوا على دراية تامة بأن التغير الحاصل في سوريا سيكون له عواقب إيجابية على دفع الملف الكردي في الدول المجاورة إلى الأمام.
أحزاب عديدة، خصوصًا تلك التي لديها ارتباطات بحزب العمال الكردستاني، قامت -ولا تزال- بحشد الدعم المادي، والمعنوي، والبشري لأكراد سوريا.
لذلك نتوقع ثلاثة سيناريوهات متوقعة في الشرق الأوسط، بسبب الطبيعة المزدوجة لدوافع التغيير، واحتمالية وجود سيناريوهات مدمرة في حالة انتشار الصراع. ومن المتوقع حدوث أحد هذه السيناريوهات، التي تتنوع نظرتها بين التفاؤل والتشاؤم خلال العقد القادم، طبقاً للمستجدات المتوقع حدوثها على الساحة السياسية في المنطقة.
ويدعم الأكراد أحقيتهم في إقامة نظام ديمقراطي فيدرالي من الأوضاع التي قاسوها في ظل الحكومات السابقة،فضلاً عن دعم الولايات المتحدة وبعض القوى السياسية العراقية المتحالفة معهم ،وقدرتهم على إدارة منطقتهم بفعل الخبرة الواسعة التي تراكمت خلال السنوات السابقة واللاحقة للاحتلال ،ورغبتهم في المشاركة في حكم البلاد والفيدرالية التي ينشدها الأكراد هي تلك القائمة على الأساس الاثني والتي تتيح لهم الحفاظ على هويتهم الثقافية ،وتمنحهم اكبر قدر ممكن من صلاحيات صنع السياسية العامة في إقليمهم المصان دستورياً
وهي الصيغة التي ترفضها معظم القوى والأحزاب السياسية العراقية والتي ترى فيها مقدمة لانفصال الإقليم الكردي مستقبلاً ومن ثم تقسيم العراق وشرذمته،ويطرحون بدلاً من ذلك صيغة مغايرة هي الفيدرالية المناطقية أو ما يسمى فيدرالية المحافظات التي يرونها الأنسب لحكم العراق حيث تميل هذه الصيغة إلى إضعاف أي جماعة أثنية واحدة بإقامة حكومات إقليمية وتشجيع التعاون بين المكونات الاثنية ،وهي الصيغة التي يرفضها الأكراد معتبرين إياها تهديداً لوجودهم القومي .
ان صعوبة الحل تكمن حاليا في عدم توصل شركاء الوطن إلى صيغة توافقية اختيارية لنوع الفيدرالية المعتمدة التي تضمن حقوق الأكراد وتلبي في الوقت ذاته رغبة العرب في الحفاظ على وحدة البلاد في ضوء تمسك كل طرف بمقترحه السيناريو الأول: "تحول الزاوية"، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً، ويقوم على أساس احتمالية أن يشهد العقد القادم كسر إيران لعزلتها، وإعادة تقديمها إلى المجتمع الدولي، في إطار ديناميكية إقليمية جديدة، في حال توصلت محادثات مجموعة (5+1) إلى اتفاق دائم بشأن البرنامج النووي الإيراني. وربما تسمح التطورات على المدى الطويل بمزيد من التفاؤل، ولكنها ستكون أقل فائدة لصناع القرار الذين لا يريدون مجرد رؤية قاصرة بشأن اتجاه التطورات، ولكن أيضاً التأثير بشكل إيجابي لإحداث التغيير.
و إذا نجحت المفاوضات الدولية في الحد من تطوير البرنامج النووي الإيراني بشكل فعلي تحت إشراف دولي صارم، فإن الأوضاع في المنطقة ستتغير تماماً، وستتزايد قدرة إيران على التنافس في المنطقة بسبب قدراتها التكنولوجية، وارتفاع نسبة التعليم لديها، وانخفاض معدل المواليد.وتشير الدراسة إلى أن الوصول إلى اتفاقية مع طهران ربما يقلل من التوترات السنية - الشيعية، ويفتح الطريق إلى مزيد من التعاون الإقليمي، مشيراً إلى أن ذلك ليس احتمالاً بعيد المنال، ولكنه ليس مضموناً على الإطلاق.
مع ضرورة اللجوء إلى "العصا والجزرة" لمحاولة وقف الدعم الإيراني للجماعات الإرهابية الراديكالية. وفي حالة فشل محادثات مجموعة (5+1)، وإصرار إيران على مواصلة برنامجها النووي، فإن ذلك ربما يدفع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى القيام بعمل عسكري ضد طهران لمنع برنامجها النووي.
أن نجاح إيران في أن تصبح قوة نووية سيدفع ذلك القوى الأخرى، مثل السعودية، ومصر، وتركيا لتطوير ترسانة نووية، مما يشكل ضغوطاً كبيرة على واشنطن للدفاع عن شركائها في المنطقة ضد أي عدوان.
السيناريو الثاني: "انتشار الطائفية"، وهو السيناريو الأكثر خطورة. فالتوترات الطائفية الأخيرة في المنطقة، خاصة في العراق، وسوريا، ولبنان، تزيد من فرص قيام حرب شاملة بين القوى السنية والشيعية، وربما تقسم الشرق الأوسط الجديد إلى مجموعات ذات حكم ذاتي على أساس طائفي، مع احتمالية استمرار الصراع.وسيحرز الأكراد أكبر مكاسب من الصراع الطائفي في المنطقة، طبقاً لما ذكرته الدراسة.
إن ما يثيره الصراع المدني من عنف متزايد، واحتمالية استمرار هذه الصراعات من ست إلى تسع سنوات، وفقاً لما ذكره بعض المحللين. ويعد التوصل إلى حلول سياسية للصراعات المتزايدة شرطا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعد ذلك عكس النموذج المعتاد في المناطق الأخرى، حيث يؤدي النمو الاقتصادي إلى تغيرات سياسية إيجابية.
السيناريو الثالث والأخير: "السلطوية الجديدة"، إن تضاؤل دعم الطبقة الوسطى للحريات الجديدة بشكل كبير لمصلحة الاستقرار، مع تزايد التوترات الاجتماعية الدينية، وضعف مستوى التماسك الاجتماعي، مما يسهم بشكل كبير في دعم بقاء الأنظمة الحاكمة. وتلفت الدارسة إلى احتمالية ظهور هذا السيناريو في دول لا تشترك مباشرة في الصراع الطائفي مثل مصر.
ويجب ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية، وبناء أنظمة تعليمية أفضل لتعليم مهارات القرن الحادي والعشرين، وتهيئة البيئة لاستقبال المشاريع، وتقليل معدلات البطالة، وتنويع اقتصاديات دول الخليج بدلاً من الاعتماد على صادرات الطاقة فحسب. وأضافت أنه كلما استمرت الحروب الطائفية في الانتشار، فإن هذه الإصلاحات ضرورية للتغلب على عقود طويلة من فقدان القدرة التنافسية بدلاً من الانشغال بالعنف والصراعات.
و أنه من المُرجح حدوث السيناريوهات السلبية بشكل أكبر، بعدما أصبحت بعض دول المنطقة كملذات آمنة للجماعات الإرهابية مثل سوريا، والعراق، وامتداد الأوضاع في تلك البلدان حتماً إلى البلدان المجاورة، مما سيقوض الاقتصاد العالمي.
وبالتالي، فالتطورات في الشرق الأوسط لا تُشكَل من خلال الاتجاهات العالمية، ولكن من المرجح أن تُحدد المنطقة مستقبل بقية العالم. فأي سيناريو محتمل في الشرق الأوسط ستكون له تأثيرات كبيرة في بقية العالم. وما هو مؤكد أن مستقبل الشرق الأوسط ستكون له آثار عميقة على الصعيد العالمي، وسيستمر تأثير ذلك في البيئة السياسية، والاقتصادية، والأمنية العالمية.
أما أكراد تركيا، وبعد صراع دموي دام لأكثر من ثلاثة عقود مع الحكومات التركية المتعاقبة، فإنهم بدأوا تدريجيًا بالتنازل عن المطالبة بالاستقلال عن تركيا، فكانت الخطوة الأولى وقف القتال والدخول في مفاوضات سلام مع الحكومة. مطالبهم القومية الآن تتمحور حول الحصول على أكبر قدر ممكن من صلاحيات إدارية على الصعيد المحلي، بالإضافة إلى الاعتراف الرسمي من قبل الحكومة التركية باللغة الكردية وفتح مدارس عامة لتدريسها. ومن داخل قبة البرلمان التركي، يلعب حزب الشعوب الديمقراطية (HDP) الموالي للأكراد كوسيط بين العمال الكردستاني والحكومة التركية، خصوصًا فيما يتعلق بمفاوضات السلام مع عبد الله أوجلان والمضي قدمًا في مسألة إنهاء النزاع المسلح بشكل كليّ بين الأكراد والحكومة التركية. لكن وبسبب التغيرات في سوريا والموقف الضبابي للحكومة التركية من تنظيم الدولة الإسلامية، يهدد أكراد تركيا بنسف العملية السلمية ما لم تحسم أنقرة موقفها السلبي، حسبهم، تجاه أكراد سوريا الذي يجابهون تنظيم الدولة.
يبقى أكراد إيران وحدهم تحت رحمة أي تغيير يطرأ على النظام الإيراني بالرغم من وجود حراك مدني وسياسي قوي بينهم، إلا أن الانقسام الحزبي الحاصل -كحال أكراد سوريا- نتيجة سياسات أكراد تركيا والعراق تجاههم، يقلّل من فرص حصول الأكراد الإيرانيين على قرار سياسي مستقل بهم. لكن من خلال علاقاتهم الوثيقة مع المعارضة الإيرانية والأقليات الأخرى، يبقى أكراد إيران الأكثر تنظيمًا على المستوى الوطني مقارنة مع أكراد الدول الأخرى. وبالرغم من الضغوطات المحلية من قبل الحكومة الإيرانية بحقهم، يشارك المئات من الأكراد الإيرانيين في القتال إلى جانب إخوتهم في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
لقد بات من المؤكد أن الكرد، في سوريا والعراق على الأقل، سيلعبون دورًا مركزيًا في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. لقد أثبت المقاتلون الأكراد أنهم يستطيعون الوقوف في وجه تنظيم "الدولة" والحد من توسعه الجغرافي.
وبما أن الإدارة الأميركية أبدت رفضها إرسال قوات برية إلى المنطقة لمحاربة الجماعات الجهادية، فإن الأكراد قد يكونون حليفًا استراتيجيًا لواشنطن في مشروعها طويل الأمد ضد الحركات الجهادية في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، ربما يعمل الأميركيون مع حلفائهم الإقليميين على خلق بيئة في الدول التي يقطنها الأكراد حتى يتمكن الأكراد أنفسهم من التمتع بحقوقهم القومية والديمقراطية، بشرط ألا يؤثر ذلك على التوازن الإقليمي الحسّاس، لكن الانقسامات السياسية الكردية ستستمر في التأثير على وحدة الموقف الكردي من المجريات التي تحدث في المنطقة، وربما يكون ذلك عائقًا أمام حصول الأكراد على حقوقهم الكاملة في أوطانهم.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
المصدر: أوكرانيا بالعربية