أوكرانيا بالعربية | ما الخفي وراء تقارب حماس وايران ؟ وهل"غزل" ابو مرزوق بالدعم الايراني سيحل الأزمة؟... بقلم عبد الباري عطوان | مقالات عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/تعكس التصريحات التي وردت على لسان الدكتور موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في مقابلة مع تلفزيون "الاقصى"، واشاد فيها بشكل واضح بالدعم الايراني للمقاومة والقضية الفلسطينية، خيبة امل "حركة حماس" من "المعسكر السني" الذي راهنت عليه طوال السنوات الخمس الماضية كحاضن اساسي وبديل لها، وانتصار التيار المتشدد في داخلها على حساب هزيمة التيار “المعتدل” الذي يتزعمه السيد خالد مشعل المقيم حاليا في الدوحة، وصاحب القرار الابرز بخروج الحركة من دمشق، والانحياز كليا الى معسكر المعارضة السورية المسلحة في صراعها ضد النظام السوري.
الدكتور ابو مرزوق ذهب بعيدا، وعلى غير العادة، في الثناء على ايران، خاصة قوله "انها قدمت دعما للمقاومة والقضية الفلسطينية سواء على صعيد الامداد، او التدريب، او المال، لا يوازيه سقف آخر، ولا تستطيعه معظم الدول"، وتأكيده في غمز واضح في قناة الكثيرين "ان الدعم الايراني كان معلنا وفوق الطاولة".
حركة "حماس" تعرضت لخديعة كبرى من قبل بعض حلفائها في الخليج عندما صوروا لها ان سقوط النظام السوري بات حتميا، وان المسألة مسألة بضعة اشهر فقط، وجاء من يقدم لها النصح "بعدم تكرار خطيئة الرئيس الراحل ياسر عرفات في الكويت (في اشارة الى دعمه للرئيس صدام حسين)، والوقوف في خندق المهزوم، ويجب تقديم مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار".
والاخطر من كل هذا وذاك، ان الحركة ايدت دعوة الرئيس المصري محمد مرسي بإعلان الجهاد في سورية، واغلاق السفارة السورية في القاهرة، متماهية مع فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي والداعية السعودي محمد العريفي التي صدرت اثناء مشاركتهما، الى جانب علماء آخرين، في مؤتمر في القاهرة، تزعمه الرئيس مرسي في حزيران/يونيو عام 2013، وهو الموقف الذي اغضب، وما زال، القيادة السورية، وادى الى فتور في علاقتها مع ايران.
المملكة العربية السعودية، وفي ظل اعلانها الحرب على حركة "الاخوان المسلمين"، ووضع كل ثقلها خلف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، اغلقت ابوابها في وجه حركة "حماس" ومجيء الملك سلمان بن عبد العزيز خلفا للملك عبد الله، الذي وافته المنية قبل سنة وستة اشهر، لم تغير من هذا الواقع، ولم يثمر اللقاء الذي تم بين الملك سلمان وقيادة الحركة (حماس) في العام الماضي في مكة في حدوث اي انفراجة، رغم ان حركة "حماس" ايدت "عاصفة الحزم" في اليمن.
العارفون ببواطن الامور قالوا ان قيادة حركة "حماس" رفضت ايحاءات سعودية غير مباشرة، تطالب بإرسالها قوات للقتال الى جانب التحالف العربي الذي تتزعمه المملكة في اليمن، ولكن الحركة نفت نفيا قاطعا تقدم السعودية، بشكل مباشر او غير مباشر، بهذا الطلب.
الدكتور ابو مرزوق الذي تزعم رئاسة المكتب السياسي للحركة في بواكيرها الاولى، رجل معروف ببراغماتيته السياسية، ويتطلع للعودة الى الزعامة، ومن غير المستبعد ان يكون ادرك ان الفرصة باتت ملائمة في ظل اعلان السيد خالد مشعل عدم رغبته في الترشح للمنصب مرة اخرى، لان هناك معارضة قوية له داخل الحركة، وجناحها العسكري على وجه الخصوص، ووجود رغبة في الوقت نفسه بالدفع بقيادة جديدة تعيد "ترميم" العلاقات مع كل من ايران وسورية، لا تتحمل "ارث" القيادة السابقة بشكل عام، خاصة بعد الاطاحة بحكم حركة "الاخوان المسلمين" في مصر، وتخلي حركة "النهضة" في تونس عن انتمائها الاخواني، وتفاقم الازمات في وجه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وزعيمه رجب طيب اردوغان.
ما زال من غير المعروف ما اذا كانت القيادة الايرانية ستتجاوب مع هذا "الغزل" القوي من جانب الدكتور ابو مرزوق، ولكن الامر المؤكد، ان رحيل السيد مشعل من زعامة الحركة، وزيادة قوة الجناح المناهض له، وسياساته داخل الحركة، قد يساهم في عودة المياه الى معظم مجاريها السابقة، ان لم يكن كلها.
مصدر لبناني قريب من القيادة السورية اكد ان الرئيس السوري بشار الاسد شخصيا هو الذي كان يضع "فيتو" على اي تقارب جدي بين ايران وحركة "حماس"، طالما ان السيد مشعل هو رئيس مكتبها السياسي، ورفض، اي الرئيس الاسد، وساطات عديدة من قبل قيادة "حزب الله" لرفع هذا "الفيتو".
انتخابات المكتب السياسي الجديد لحركة "حماس" باتت وشيكة، وتصريحات الدكتور محمود الزهار بأن لوائح الحركة الداخلية تشدد على ان رئاسة المكتب السياسي لفترتين فقط، توفر مخرجا مشرفا للسيد مشعل الذي تولى هذا المنصب لاربع دورات متتالية، الامر الذي قد يفتح الباب على مصراعيه لعودة العلاقات الايرانية الحمساوية، وربما السورية الحمساوية ايضا، الى صورتها السابقة.
الجناح الذي يؤيد العلاقات مع ايران داخل حركة "حماس" يتحدث هذه الايام بمرارة عن "خذلان" المعسكر السني العربي والخليجي بالذات للحركة، وعدم تقديمه الاموال ناهيك عن السلاح لها، وفوز هذا الجناح في انتخاباتها الداخلية، وهذا الفوز شبه مؤكد، وقد يؤدي الى عودتها الى تشددها السابق، وتقديم "المقاومة" على كل الاعتبارات والسياسات "المعتدلة" الاخرى، وعلينا توقع مفاجآت عديدة في الاسابيع والاشهر المقبلة.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية