أوكرانيا بالعربية | لـوغاريـتـم الإنـتخـــابات الـرئـاســــية فـي مصـــــر... بقلم حسن زايد

بالعودة قليلاً إلي الوراء . إلي ما قبل قرنين من الزمان . وبإنعام النظر في صفحات التاريخ خلال هذه الفترة ، سنجد أن الشعب المصري لم يتمتع بحرية اختيار من يحكمه ، بل كانت الرئاسة تسقط فوق رأسه باختيار غيره أو باختيار نخبته دون إذن منه أو اختيار . والحاكم قدر لا فكاك منه لايملك الشعب حياله سوي أن يسلم له تسليماً . ورغم أن محمد علي باشا كان إختياراً شعبياً فرض وجوده علي سلطة الباب العالي في الآستانة عاصمة الخلافة العثمانية في اختيار ولاته ، إلا أنه يبقي اختياراً فوقياً نخبوياً طافياً علي

 كييف/أوكرانيا بالعربية/بالعودة قليلاً إلي الوراء . إلي ما قبل قرنين من الزمان  . وبإنعام النظر في صفحات التاريخ خلال هذه الفترة ، سنجد أن الشعب المصري لم يتمتع بحرية اختيار من يحكمه ، بل كانت الرئاسة تسقط  فوق رأسه باختيار غيره أو باختيار نخبته دون إذن منه أو اختيار . والحاكم قدر لا فكاك منه لايملك الشعب حياله سوي أن يسلم له تسليماً . ورغم أن محمد علي باشا كان إختياراً شعبياً فرض وجوده علي سلطة الباب العالي في الآستانة عاصمة الخلافة العثمانية في اختيار ولاته ، إلا أنه يبقي اختياراً فوقياً نخبوياً طافياً علي سطح المشهد السياسي المصري آنذاك . وفي حاجة إلي مباركة الباب العالي له ، وإصدار فرمان سلطاني به حتي يصبح اختياراً له آثاره علي الأرض . ورغم أن نظام محمد علي كان اختياراً شعبياً إلا أنه تحول إلي النظام الوراثي في الحكم  ، وقد كانت تلك من الثمار المرة لمعاهدة لندن التي قوضت من طموحات محمد علي وقلصت من قدرات وامكانيات القوة المصرية الصاعدة في حينه ، حيث أعطت هذه المعاهدة حكم مصر لمحمد علي وأولاده من بعده . ومن المفارقات أن يصدر هذا التصرف من الدول الأوروبية منبت النظام الديمقراطي وزعيمة العالم الحر . وما كان لهذا النظام الوراثي أن يتوقف وينقطع ــ رغم سقوط الخلافة العثمانية ــ إلا بقيام ثورة يوليه 1952 م . والثورة كانت انقلاباً علي الملك ، وانحاز لها الشعب باختياره ، فأصبح الإنقلاب ثورة . وقد كان من المباديء الستة للثورة إقامة حياة ديموقراطية سليمة . ورغم أن عبد الناصر قد حظي بحب ودعم وقبول وتأييد جماهيري لم يحظ به رئيس منتخب ، إلا أنه يبقي رئيساً فوقياً قد أتي من خلال انقلاب عسكري . جري التمديد له من خلال الإستفتاء عليه ، ومن المعروف أن الإستفتاء هو الإختيار بين الموجود والمجهول ، أو بين الوجود والعدم ، والإنسان في الغالب عدو ما يجهل . 

وهو نوع من الإختيار منعدم البدائل ، يجري في ظل سلطة قائمة تملك كل أوراق اللعبة من ألفها إلي يائها ، ومن ثم فالنتائج محسومة . ونحن هنا نتكلم عن الآليات لا عن الواقع ، لأن الواقع جري الإستفتاء عليه يوم وفاة عبدالناصر في نتيجة لمقدمة لا تتسق مع الآليات القائمة . وقد جري اختيار السادات إختياراً فوقياً كنائب أول للرئيس جري الإستفتاء عليه كذلك بذات الآليات ، والتمديد له حتي وافته المنية ، وخلفه مبارك كنائب للرئيس جري التمديد له بآلية الإستفتاء حتي انتخابات 2005 م . وقد جرت هذه الإنتخابات في ظل بدائل هزيلة وهزلية نبتت في أرضية سياسية مجرفة إلي أبعد مدي ، في ظل مناخ سلطوي تمرس ممارسة التزوير علي مدار عقود ، حتي أصبح مدرسة لا تباريها مدارس أخري في ذات الإتجاه . وقد كان من العبث التنبؤ بنتيجة بخلاف نتائج الإستفتاء المعروفة .  ولذلك ، وفي ظل التعديل الدستوري الخاص بالإنتخابات الرئاسية ، كان السعي حثيث لتدشين مشروع التوريث . وقد أتيحت فرصة تاريخية نادرة بفضل ثورة يناير 2011م للقواعد الشعبية لإعمال إرادتها لأول مرة ، في إختيار حاكمها بالتصعيد من أسفل إلي أعلي ، من بين عدد من المرشحين ، ممن تتوافر لهم فرص متكافئة للمنافسة . إلا أن حالة الإستقطاب الحاد علي أساس ديني قد انحرفت بالمسار عن مجراه الطبيعي ، لأنه أثر سلباً علي حرية الإختيار . فتصوير الأمر علي أنه اختيار علي أساس الديني واللاديني ، في مجتمع متدين ، تصوير خاطيء ابتداءًا في لعبة السياسة ، حيث يتم حسمها علي أساس غير سياسي . ولم تمض سنة حتي انكشف حجم الخديعة وتكشفت أبعادها اللادينية . 

وهبّ الشعب في ثورة عارمة لتصويب إختياره الخاطيء بإزاحة الرئيس الفاشل وجماعته الفاشية عن صدارة المشهد السياسي في مصر . وبرز دور الجيش في انحيازه لمصدر الشرعية في حماية اختياراته ، وصون مرادات إرادته الحرة ، كما فعلها في يناير 2011م . وتحددت خارطة طريق للمستقبل جديدة ، ودعيت إليها كافة القوي السياسية والرموز الدينية لطرحها والإلتفاف حول ما يتفق عليه منها  ، فحضر الجميع إلا الجماعة وملحقاتها  . وتكالبت كل قوي الشر علي مرادات الشعب واختياراته الحرة ، فتحالفت قوي الداخل فيما يسمي تحالف دعم الشرعية في زعمهم . وتحالفت قوي الخارج وعلي رأسها أمريكا وتوابعها في الإتحاد الأوروبي ، وأدواتها في المنطقة ابتداءًا بقطر ، ومروراً بإيران وانتهاءًا بتركيا وحماس ، ولا ننسي الدوائر الإخوانية التابعة للتنظيم الدولي للإخوان . ورغم المخططات التآمرية لهذه القوي وآثارها المدمرة علي أرض الواقع المصري جري إنجاز الدستور كأول استحقاق في خارطة الطريق . وخلال تلك الفترة بزغ نجم السيسي باعتباره مجسم حي للإرادة الشعبية الحرة في مواجهة تلك القوي مجتمعة . 

وبدأت الدعوات تنهال عليه بضرورة الترشح لمنصب الرئاسة لتكملة المشهد الثوري الناهض ، واستعادة الدور المصري في المنطقة بعد انتشالها من وهدتها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ، والتخلص من التبعية بكافة صورها الإنبطاحية المهينة .  وقد ارتسمت في وجدان الشعب المصري ثلاث صور للمشير السيسي : الصورة الأولي : صورة الشيطان : فهناك من شيطن المشير السيسي ونعته بما ليس فيه من نعوت وصفات ، واعتبر أن من طلب أو وقف أو ساند أو قبل أو علم وسكت أو دعم له هو شيطان رجيم يستوجب اللعن ، وما يستتبعه من مصير محتوم . الصورة الثانية : صورة الملاك : فهناك من سمت مشاعرهم وإدراكاتهم ووجداناتهم بالمشير السيسي إلي مصاف الملائكة أو في أقل تقدير مصاف الأنبياء والرسل المخلصين الذين يبتعثهم الله لتخليص البشر في اللحظات الفارقة من تاريخ البشرية . وبين هؤلاء وهؤلاء يقف الشعب المصري يحدوه الأمل في وجود هذا المخلص الذي يستنقذه من وهدته ويسمو به فوق الجراح . 

وقد انقسم هذا الفريق إلي فسطاطين : الفسطاط الأول : وهو الذي ذهب إلي أهمية بقاء المشير السيسي وزيراً للدفاع ، وقد انقسمت دوافعهم التي تقف وراء هذا المطلب إلي عدة دوافع :  فمنهم من رأي أن وجوده ضروري ــ ضرورة وجود ــ للقوات المسلحة للحفاظ علي تماسكها في مواجهة مؤامرات تستهدف القضاء عليها وتفتيتها باعتبارها آخر جيش متماسك ومحترف في المنطقة العربية في مواجهة الجيش الإسرائيلي . خاصة وهو يملك القدرة علي تحديث القوات المسلحة وتنويع مصادر تسليحها  والنهوض بتدريباتها بما يواكب علوم العصر . ومنهم من رأي أن بقاءه وزيراً للدفاع تصلح كغطاء لإبعاده عن الدخول في حلبة التنافس علي منصب الرئاسة ، لأن وجوده داخل الحلبة بشعبيته الجارفة تقضي علي أحلامهم الخاصة في المنافسة  ، وتجعلها غير متكافئة . ومنهم من رأي أن بقاءه وزيراً للدفاع سيقضي علي شبح وهاجس عودة القوات المسلحة للحكم  لأن في ذلك دعوة ولو من طرف خفي للإستبداد السياسي وخلق دكتاتورية جديدة بذات الإرث القديم الذي ثار عليه الشعب . ومنهم من رأي أن بقاءه وزيراً للدفاع فضلاً عن أهميته للقوات المسلحة ، فإنه سيبقي عليه بطلاً قومياً بعيداً عن المشاغبات التي سيتعرض لها رئيس الجمهورية القادم . الفسطاط الثاني : وهو الفسطاط الذي ذهب إلي ضرورة ترشح السيسي رئيساً للجمهورية . وقد انقسم هذا الفسطاط بحسب دوافعه إلي : فئة تري أن التحديات الداخلية والخارجية تستوجب ترشحه باعتباره مرشح ضرورة ، ولا يوجد في المشهد من يحتمل هذه المواجهة غيره ، وهو مجرب في انحيازاته الوطنية . وفئة تري أن في ترشحه للرئاسة إعادة مصر إلي دور الريادة في منطقتها الذي لعبته من قبل ، حيث استقلال الإرادة ووطنية القرار . وفئة تري أن في ترشح السيسي عودة الإعتبار للنظام الأسبق باعتبار أن ثورة يونيه 2013 م هي ثورة علي ثورة يناير 2011م . ونفي النفي إثبات . ومن ثم يعود النظام القديم إلي نفس المشهد بشخوصه وسياساته ومكتسباته . وفئة تري في ترشحه حائط الصد النموذج في مواجهة محاولات الإخوان للعودة للمشهد السياسي بذات الآليات القديمة وإن تبدلت الألوان وتعددت النوافذ . خاصة في ظل رغبة الأمريكان والغرب العارمة في الإبقاء علي الإخوان في المشهد السياسي دون أن تغرب لهم شمس ، لضمان الإبقاء علي مخططهم في تفتيت المنطقة ولو في غرفة الإنعاش إلي حين ، وضمان عدم ظهور شبح عبد الناصر إلي المنطقة من جديد حتي ولو اختلف الظرف التاريخي والدولي واختلفت المتغيرات . ولوغاريتم الإنتخابات الرئاسية في مصر يتمثل في عدم إعلان الفريق السيسي عن ترشحه لهذا المنصب بعد . ومصر تقف علي أطراف أصابعها في انتظار قراره ، فهل يملك السيسي ترف الإمتناع عن إعلان ترشحه ، واعتزال العمل العام كرجل سياسة ؟ . 

وهل يملك ترف الإستقالة من الجيش كرجل عسكري ، والخلود إلي الراحة في بيته كمواطن عادي ؟ . لا أظن . ومن هنا أحلم أن يجري إنتخابه رئيساً للجمهورية من بين مرشحين لديهم الفرصة المتكافئة للتنافس من جانب شعب يحلم بإعمال إرادته في إختيار حاكمه .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية

Поделиться публикацией:
Главные новости
Политика
МУС выдал ордер на арест Нетаньяху
Ближний восток
ЮНИСЕФ: Более 200 детей погибли в Ливане за последние два месяца
Разное
Иран отказался от закупок систем ПВО в России
Ищите нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.