أوكرانيا بالعربية | جريمة التأثير علي العدالة... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/تعتبر جرائم الاعتداء على سير عدالة القضاء من أشد الجرائم خطراً على الجهاز القضائي ، ووقوعها عادة ما تُحدِثُ أذىً كبيراً وضرراً بالغاً يتسع مداه ليتناول الأمة بأسرها . فهذه الطائفة من الجرائم ليست جريمة من فرد ضد فرد ولكنه في الواقع ضد العدالة على يد فرد أو مجموعة من الأفراد ولن هذه الجرائم مسلطة ضد الصالح العام ، ويمتد أثرها ليشمل كل من يلجأ إلى القضاء لحماية ماله أو عرضه أو دمه أو سائر حقوقه لذا فإن المشرع الجنائي قد وضع لها أشد العقوبات ليكفل بذلك حماية القضاء الذي يأوي إليه كل ضعيف ومظلوم طالباً العدل والإنصاف ذلك إن الأمة تطمئن إلى هذا الجهاز القضائي في حماية حقوقها وأعراضها ودمائها لذلك كان القضاء وما زال وسيظل أمراً عظيماً ومقدساً ومهمته جليلة في كل المجتمعات البشرية وفي مختلف الشرائع الإنسانية قديمها وحديثها وقد أحيط القضاء بسياج من الحماية الجنائية منذ وجدت المجتمعات المنظمة وحظيت الجرائم التي تخل بسير عدالة القضاء على وجه الخصوص باهتمام المشرع منذ أمد بعيد ولا يوجد على الإطلاق نظام قانوني أجَلَّ القضاء ووفر له الحماية الجنائية التي تكفل سير عدالته ليحقق العدل والإنصاف بين الناس كالنظام الإسلامي لذا نجد علماء المسلمين قد اهتموا بالقضاء مقدرين أهمية رسالته العظيمة التي هي إقامة العدل بين الناس لأنه لا حياة بدون أمن قائم على العدل والإنصاف . لا شك أن القاسم المشترك بين الإعلام والقضاء، هو العمل الحثيث من أجل محاربة الفساد، وكشف الاختلالات بكافة أشكالها، وهو هدف أسمى يتجاوز الحدود الضيقة التي قد تفصل بين مكونات المجتمع السياسي والمجتمع المدني، ويتطلب تظافر جهود الجميع مهما اختلفت المواقع، وتباينت الأدوار داخل مجال سياسي مفتوح قائم على مبادئ الانفتاح والشفافية ووضوح قواعد اللعبة الديمقراطية، ما يتطلب البحث عن صيغة أو أرضية لتصور العلاقة بين القضاء والإعلام بما يحقق التوازن المنشود بين أطراف المعادلة الشائكة في هذه العلاقة، والمتمثلة في رهان ضمان الحق في الوصول إلى المعلومة المنصوص عليه دستوريا، من جهة، ومن جهة أخرى ضمان مبدأ سرية البحث واحترام قرينة البراءة المنصوص عليها دستوريا أيضا. فحل هذه المعادلة هو بالتأكيد مساهمة في ضمان حصانة كل من القضاء والإعلام، وتقوية جبهتهما في أداء الأدوار المنوطة بهما من عوائق التطور أو الوقوع في براثين الفساد، بدلا من الوقوف سدا منيعا في مواجهته، فالقضاء والإعلام هما صمام أمان سيادة القانون في الدولة والمجتمع معا.
ولما كان حق الدولة في حماية الأمن والاستقرار وتوفير العدل في المجتمع أمرٌ لا مراء فيه ، فإن تدخلها بتحريم كافة النشاطات الماسة بسير العدالة هو واجب أساسي تلتزم به الدولة مثلما هو حق لها .ولا تقوم الدولة بممارسة حقها في حماية سير العدالة دون ضوابط تُبيِّن الحدود التي يجب على المشرع أن يلتزم بها في تحريم أنماط السلوك الذي يخل بسير العدالة ويضر بالمصالح الأساسية في المجتمع أن السلطة القضائية باعتبارها إحدى سلطات الدولة الثلاث ، لها احترامها وقدسيتها ، ولا نريد سوى احترام الشرعية واستقلال القضاء ، وشعبنا فى مصر يعرف قيمة قضاته وقدرهم ومن ثم لن يقبل أبدا أن يهان قاض واحد فى مصر لأن المساس بالقاضي والتأثير على استقلاله وحيدته هو مساس بالعدالة وجريمة تمس أمنه وأمانه بل تمس أمن الوطن وأمن الحاكم الذي واجبه الوحيد تحقيق العدل بين الشعب والحفاظ على سلامة أراضى هذا الوطن .وهناك مادة في قانون العقوبات يندر تداولها أمام المحاكم وهي جريمة التأثير علي العدالة والتي نص عليها في المادة187,. ونصت المادة المذكورة علي تجريم نشر أمور من شأنها التأثير علي القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوي مطروحة أمام أي جهة من جهات القضاء في البلاد وفي رجل القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق أو التأثير علي الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوي أو في ذلك التحقيق أو أمورا من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوي أو التحقيق أو ضده
إن هذا المسلك من شأنه التأثير في الرأي العام الذي يقع في حيرة من أمره إذا ما أصدرت المحكمة حكما لا يتفق مع ما انتهت إليه المحاكمة الإعلامية، وهي نتيجة تسيء إلى العدالة لأنها تزعزع ثقة الرأي العام فيها. والتأثير في مكافحة الجريمة وضبط الجناة وتعطيل العدالة: قد تعمد وسائل الإعلام عند نشر أخبار تحقيق الجريمة إلى تمكين بقية الجناة الذين لم يقعوا بعد في قبضة العدالة من الفرار، كما قد يؤدي إلى تعريض الشهود للخطر بسبب معرفتهم ومعرفة أقوالهم. وفي بعض الجرائم قد يؤدي النشر إلى إحداث الترويع الذي يهدف إليه الجناة، كما الحال في جرائم الإرهاب، فضلا عن أنه قد يؤدي إلى تعريض الأدلة التي تسعى جهات التحقيق إلى جمعها إلى خطر المساس بها أو ضياعها. لا أحد ينكر أن الإعلام يشكل رأياً ضاغطاً على الهيئات القضائية في حدود النظام، فكما أنه يستطيع بث الوعي، ونقل الرأي والرأي الآخر، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن النصوص النظامية التي تحكم العلاقة بين القضاء والإعلام واضحة، وتتسم بالمرونة والسعة، أخذا في الاعتبار «مبدأ علانية الجلسات» الذي يكفل للجميع الإطلاع على سير المرافعة، وهو ما يجيز التحدث عنها، وإلا كان النص الوارد بشأن العلانية لا معنى له. فمثل هذه الإجراءات تستطيع أن تكشف التجاوزات إن وجدت، ومن ثم تعزيز المساءلة والمحاسبة، وإثراء الثقافة العدلية لدى أفراد المجتمع.
ولذا فإن مقولة: «لا يجوز التناول الإعلامي في التعليق على الأحكام القضائية»، ليست على إطلاقها، وليس لها رصيد من المؤيد الموضوعي، أو التنظيمي.
فالأحكام القضائية ليست نصوصا قرآنية، والقضاة في نهاية المطاف هم بشر يصيبون ويخطئون. وطالما التزم الناقد بالآداب والقواعد التي يجب إتباعها، يكون التعليق على تلك الأحكام القضائية جائزا شرعاً ونظاماً، وبشكل عام ومطلق، دون تخصيص، أو تقيد، أو استثناء، ودون أي تطاول، أو تجريح لهيبة القضاء، أو قضاتها بالتجريح والسب في من صدر الحكم عنهم، فالأصل هو الإباحة.
القضاء في اتجاه آخر. وهو ما يعتبرونه إساءة إلى القضاء، والتشكيك في نزاهته. كما يعتبرونه وسيلة ضغط على القضاة، فيكون سببا في عدم تحقق العدالة، وقد يزعزع ثقة الرأي العام فيهم. وهذا في ظني صحيح إلى حد ما، إذا كان التناول الإعلامي فيه مبالغة، ويساء استخدامه، أو في القضايا التي لها خلفيات سياسية. أما إذا كان التناول الإعلامي لتلك القضايا متوازنا، لا ينتهك المحظورات، فإن حرية النشر في وسائل الإعلام، كفلها الدستور إذا كانت ضمن ضوابط النشر المعروفة. وهذا فيه تأكيد على ألا يشوب الأحكام القضائية سوء تطبيق يشوه صفاءها، ويظلم القيم الثابتة.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية