أوكرانيا بالعربية | جبهة النصرة عندما تتحول الى وسيط.. وصراع المهاجرين والانصار الذي بدأ.. والانظمة العربية التي انقلبت على مجاهديها... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/عندما تتحول "جبهة النصرة" التي اعلنت ولاءها لتنظيم "القاعدة" وانحاز اليها الدكتور ايمن الظواهري رئيس التنظيم، اثناء خلافها مع "داعش" واعتبرها فرعا للقاعدة في سورية الى وسيط لانهاء الحرب الدموية التي تشنها جماعات اسلامية (معتدلة) لاجتثاث الدولة الاسلامية في العراق والشام، وانهاء وجودها على الارض السورية، فان هذا اكثر التطورات لفتا للانظار في الازمة السورية علاوة على كونه الاكثر اهمية في الوقت نفسه.
السيد ابو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة لخص عناصر مبادرته بتشكيل لجنة شرعية من الفصائل "المعتبرة" وبمرجع مستقل، ووقف اطلاق النار، والقضاء في الدماء والاموال المغتصبة وتبادل الاسرى والمحتجزين، ووقوف الجماعات صفا واحدا، وبالقوة، امام كل من لا يلتزم بالقرارات الصادرة عن اللجنة الشرعية، بعد اقرارهم فيها حتى تفيء الى امر الله، على حد تعبيره.
فما حذر منه السيد الجولاني، اي "الصراع الجاهلي" بين المهاجرين والانصار، قد بدأ بالفعل وازداد شراسة، فكل مقاتل غير سوري بات مصيره القتل او الطرد او الاثنين، ونسبة كبيرة من مقاتلي "داعش" هم من جنسيات غير سورية اي من المهاجرين، وربما لهذا السبب جرى استهدافها اولا بعملية التصفية الحالية الجارية التي توحدت على ارضيتها الفصائل الفاعلة على الارض السورية، وتحظى بدعم امريكي سعودي تركي مثل الجبهة الاسلامية والجيش الحر وجيش المجاهدين بالدرجة الاولى.
لا نختلف مطلقا مع السيد الجولاني في اتهامه تنظيم "داعش" بارتكاب اخطاء، من بينها تنفيذ "احكام اعدام" في بعض المنتمين لفصائل اخرى من المذهب نفسه، ولكن لا بد من التنويه الى ان معظم الفصائل الاخرى، لم تكن معصومة، وارتكبت جرائم ايضا، من بينها الجيش الحر نفسه الذي يصنف على انه ليبرالي ديمقراطي وبعض المنتمين اليه على وجه الخصوص. والامثلة كثيرة، وبعضها موثق على "اليوتيوب".
لا يحتاج المرء لبذل اي جهد للوصول الى نتيجة مفادها ان هناك خطة مدروسة بعناية، ومتفق عليها بين القوى التي تعد لانعقاد مؤتمر جنيف، قمة اولوياتها تصفية جميع القوى الاسلامية المسلحة على الارض السورية، ولكن بالتقسيط غير المريح، لان هذه القوى في معظمها، حسب وجهة النظر الامريكية الروسية المشتركة لا تؤمن بالتعايش مع الآخر، وترى ان الحكم الديمقراطي القائم على صناديق الاقتراع ليس النموذج الذي تريد تطبيقه في سورية في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الاسد.
معظم التنظيمات الاسلامية المقاتلة على الارض السورية بما في ذلك تلك المرضي عنها عربيا وغربيا تلتقي على ارضية مشتركة بعنوانين اساسيين: الاول: اقامة دولة اسلامية تطبق الشريعة الاسلامية بكل حذافيرها، والثاني: اسقاط النظام السوري باعتباره نظاما طائفيا ارتكب جرائم في حق اهل السنة والجماعة.
علينا ان نتذكر دائما "العامل الاسرائيلي" ودوره في تشكيل السياسات والمواقف الغربية في منطقة الشرق الاوسط، فالفوضى المسلحة هي الخطر الاكبر على اسرائيل وامنها واستقرارها، ووجود كتائب اسلامية مسلحة في سورية، تحت مظلة هذه الفوضى في ظل بقاء النظام او زواله، يشكل كابوسا مرعبا للغرب واسرائيل معا.
وقوف الولايات المتحدة الامريكية بقوة الى جانب النظام العراقي الطائفي في المواجهات التي يخوضها ضد الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، ودون اخذ ضمانات منه بالتخلي عن ممارساته المذهبية الطائفية، واتباع مبدأ المشاركة ومن ثم التعايش مع اصحاب المذاهب الاخرى، هو دليل اضافي على ما نقول.
ريان كروكر السفير الامريكي الاسبق في العراق والدبلوماسي المخضرم قال قبل شهر في مقابلة مع "نيويورك تايمز" ان بقاء الرئيس الاسد في سورية هو اقل الخيارات سوءا وشدد على ضرورة "الاخذ بنظر الاعتبار مستقبلا لسورية يتضمن بقاءه" اي الاسد، لان البديل هو "دولة عربية مهمة في ايدي القاعدة وهو اسوأ من الاسد السيئ".
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية