أوكرانيا بالعربية | إنقاذ أوكرانيا... بقلم ولفغانغ إشينغر
كييف/أوكرانيا بالعربية/تواجه أوكرانيا تهديدين رئيسيين لمستقبلها فمن جانب تواجه خطر إطالة الصراع وتقسيم أراضيها وعلى الجانب الآخر يلوح في الأفق خطر الإفلاس والاضطرابات الاقتصادية كما تخيم على كلا التهديدين علاقة أوكرانيا مع روسيا.
إن التعامل مع التحديات التي تواجه أوكرانيا سوف يتطلب أن يعمل صناع السياسة في البلاد وخارجها معاً من أجل تحقيق الاستقرار لاقتصاد البلاد وحماية أراضيها وخلق مساحة للإصلاحات وتحسين التعاون مع جارتها الشرقية القوية.
إن إرسال رسالة عسكرية واضحة يبقى ضرورياً، لقد استجاب الناتو بحق لضم روسيا لشبه جزيرة القرم والدعم الحالي للانفصاليين في شرق أوكرانيا والهجمات الوهمية على الدول الغربية وذلك من خلال برنامج لإعادة الطمأنينة سياسياً وعسكرياً، وكما أظهر الحلف تضامنه مع ألمانيا الغربية إبان الحرب الباردة يتوجب عليه أن يعمل الشيء نفسه مع حلفائه الشرقيين، إن من الواجب تعزيز تلك الجهود وذلك بوقف التوجه لتخفيض الإنفاق العسكري من قبل العديد من أعضاء حلف الناتو. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يبدأ في وضع سياسة دفاعية تتمتع بمصداقية وكفاءة أكبر، لقد حان الوقت من أجل تحقيق مبدأ التكامل الدفاعي الأوروبي بشكل كامل.
إن عمل ذلك لن يقوي قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل فحسب ولكن أيضاً سوف يرسل إشارة تصميم قوية للكرملين وفي الوقت نفسه فإن على الاتحاد الأوروبي إحراز تقدم في اتحاد الطاقة الخاص به وتنويع وارداته من النفط والغاز وتخفيف اعتماده على روسيا وأخيراً ونظراً للتهديد الذي يشكله وجود بلد أعزل مثل أوكرانيا على الاستقرار الأوروبي فإن من الخطأ استبعاد توفير المساعدة العسكرية لذلك البلد.
بالإضافة إلى الرد العسكري فإن التدخل الاقتصادي سوف يكون ضرورياً.
إن أوكرانيا في حاجة ماسة للمساعدة المالية وهي نقطة كان جورج سورس من أوائل الذين اعترفوا بها. إن تقديم المساعدة لأوكرانيا هو أهم بكثير من معاقبة روسيا باستخدام العقوبات وكما عمل تصريح رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي بأن «البنك المركزي الأوروبي مستعد لعمل كل ما يلزم من أجل المحافظة على اليورو» على تهدئة الأسواق المالية فإن تصريحاً صادراً عن الاتحاد الأوروبي بأنه سوف يفعل كل ما يلزم من أجل دعم الانتعاش الاقتصادي في أوكرانيا سوف يكون له تأثير مماثل.
نظراً للجدل القائم حول اليونان فإن من المرجح أن صرف الأموال اللازمة لإنقاذ ذلك البلد من أزمته الاقتصادية سيكون مكلف سياسياً ولكن الثمن السياسي والعسكري والمالي للسماح لأوكرانيا بالانهيار سيكون مرتفعاً لدرجة أنه لا يمكن السماح بالفشل. إن وضع آلية مراقبة صارمة سوف يساعد على طمأنة الحكومات والناخبين ويسهل اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا.
يجب أن لا نهون من قوة القيم الأوروبية فالأوكرانيون الشباب والذين احتجوا في ساحة ميدان - ليس ضد روسيا ولكن ضد النخبة الفاسدة والتي كانت تسرق من بلادهم مستقبلها الأوروبي - يجب أن يتم دعمهم.
إن للاتحاد الأوروبي فرصة بأن يترك أثراً اجتماعياً كبيراً لو مضى قدماً في برنامج السفر من دون تأشيرة وتقديم منح أكثر للطلبة الأوكرانيين وزيادة الدعم للمنظمات غير الحكومية. لكن هذه الخطوات لوحدها لن تكون كافية، وحتى لو تحرك الاتحاد الأوروبي والناتو لدعم أوكرانيا فإنه يتوجب عليهما العمل للتعامل مع مخاوف روسيا. إن الاستراتيجية المركزية الخاصة بهما يجب أن تظهر انه بينما يبقى الغرب ملتزماً بالدفاع عن أوكرانيا فهو مستعد للعمل بشكل بناء مع روسيا لو أثبت الكرملين أنه راغب بتغيير مساره.
يجب الإبقاء على العقوبات طالما يصر الكرملين والانفصاليون الأوكرانيون على عدم تطبيق بروتوكول مينسك ولكن من الأهمية بمكان البدء في إخراج روسيا من عزلتها وفي البداية فإن النزاع المتعلق بإمكانية انضمام أوكرانيا للناتو يجب أن يتم تسويته بشكل نهائي علماً أن السؤال المتعلق بضم أوكرانيا إلى الناتو قد تمت الإجابة عليه سلباً في العديد من العواصم الأوروبية.
إن بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يعرض المزيد من المساعدات لأوكرانيا وفي الوقت نفسه أن يشجع أوكرانيا على إعادة تعريف نفسها كجسر بين الشرق والغرب وذلك كما فعلت فنلندا والنمسا وحتى سويسرا في الماضي.
في هذه الأثناء يجب اتخاذ خطوات للتغلب على إقصاء روسيا من مجموعة الثمانية العظام. إن إحدى المقاربات الممكنة هو تحويل صيغة 5+1 - والتي مكنت الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة وأميركا) بالإضافة إلى ألمانيا من إجراء مفاوضات مع إيران - إلى علاقة أشمل.
إن مثل هذا المنتدى يمكن أن يعالج جميع أنواع القضايا العالمية والإقليمية الممتدة من أوكرانيا إلى سوريا مع وجود ميزة إضافية تتمثل في زيادة الانخراط الأميركي في الجهود المبذولة لإدارة الأزمة في أوكرانيا.
يجب التركيز بشكل أكبر على منع الحسابات العسكرية الخاطئة والتصعيد غير المقصود وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار الزيادة الدراماتيكية في الاستفزازات. إن وجود حوار عسكري بين الناتو والقوات المسلحة الروسية يمكن أن يخفض بشكل كبير من هذه المخاطر.
إن مثل هذا التعاون يمكن أن يكون خطوة أولى ضمن الجهد الجماعي المبذول من قبل دول مهمة - بما في ذلك روسيا - لتقوية الهيكل الأمني لأوروبا. إن الحد من الأسلحة التقليدية والنووية يجب أن يرجع مرة أخرى على رأس الأجندة. إن الرؤية المتعلقة بالتعاون الاقتصادي الاستراتيجي تستحق الاهتمام كذلك. إن الإطار الشامل المتعدد الأطراف لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا يمكن أن يكون الأساس لإحراز تقدم.
لقد ثبت وحتى أثناء الحرب الباردة أنه من الممكن إحراز تقدم دبلوماسي وسياسي ويجب منح روسيا الفرصة لإحياء مثل ذلك الجهد.
لكن الهدف في نهاية المطاف يجب أن يتم توضيحه بشكل لا لبس فيه وهو أنه يجب عدم السماح للصراع في أوكرانيا والحوار مع روسيا بتقويض مبادئ هلسنكي أو ميثاق باريس الذي تم الاتفاق عليه في نهاية الحرب الباردة.
إن الهدف لروسيا والغرب يجب أن يكون العمل معاً لإعادة التأكيد على مبادئ الأمن الأوروبي وتعزيزها وفي حالة الضرورة الإضافة عليها. يتعين على روسيا أن تدرك أنها موضع ترحيب للانضمام لذلك الجهد أو المخاطرة بمزيد من العزلة.
ولفغانغ إشينغر
يعمل حالياً رئيساً لمؤتمر أمن ميونيخ
المصدر: البيان