أوكرانيا بالعربية | هــات من الآخــــر!!.. بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/ويبقي السؤال معلقاً فوق الرؤوس، متبوعاً بعلامة تعجب ضخمة . ولا ريب لدينا جميعاً أن المفتاح المناسب لكل المغالق هو في إجابة هذا السؤال . فما السؤال إذن ؟ . السؤال هو : ماهي القوة الجاذبة لدي تنظيم داعش ، ليست موجودة لدينا ؟ . وما هي القوة الطاردة لدينا وليست موجودة عند داعش ؟ .
هاتان القوتان هما الأصل في انتقال الشباب من الجانب المعتدل ، إلي الجانب المتطرف . من التيار العام الغالب ، إلي التيار الراديكالي الجارف . من جانب السماحة والرحمة واليسر ، إلي جانب القساوة والغلظة والفجور . من جانب الحياة والتعمير ، إلي جانب القتل والتدمير .
ذهب البعض في محاولة للإجابة عن هذا السؤال ، وتفسير هذه الظاهرة ، إلي القول بقضية الفقر ، فظهر أعضاء في خلايا إرهابية ، يعانون من الترف والرفاهية . وذهب البعض الآخر في إجابته وتفسيره إلي القول بضآلة ومحدودية مستوي التعليم ، فظهر من بينهم من هو حاصل علي الدكتوراه ، وبلغ درجة الأستاذية في مجاله . بل وفي مجال العلوم الإسلامية . وذهب بعض ثالث إلي القول بالإحساس بالقهر والإضطهاد والتسلط الذي تعرضت له البلدان الإسلامية ، علي أيدي الدول الإستعمارية ، والحروب الصليبية الظاهرة والخفية ، الخشنة والناعمة التي تقع في مواجهة الإسلام . فإذا ببعض هذه الجماعات تتوجه بنشاطها التخريبي الإرهابي إلي الدول الإسلامية بدلاً من التوجه إلي الدول ، مصدر الخطر علي الإسلام والمسلمين ، إن كان ذلك مفهومهم . وذهب بعض رابع إلي القول بأن جذور الفكر الإرهابي موجودة في التراث الإسلامي ، وفي طيات الكتب القديمة ، وفي سطورها ، وبين سطورها . إلا أن هذا البعض لم يستطع أن يفسر لنا كيف يجمع الكتاب المقدس للمسلمين بين آيات التفجير والعدوانية والإرهاب ، وآيات الرحمة والسلام .
ربما يكون كل مذهب من هذه المذاهب في الإجابة ، ومحاولة التفسير ، له طرف ، أو نمنمة ـ ظاهرة أو خفية ـ في تركيبة شخصية المتطرف الإرهابي . وقد تمثل في مجموعها أثراً بالغاً في تكوين الشخصية ، إلا أنها ليست الرافد الرئيس لهذا التكوين . وقد يمثل علاجها أو علاج بعضها حلاً مؤقتاً ، أقرب إلي علاج المسكنات الذي قد يخفف العرض إلا أنه لا يعالج المرض .
أعلم أن هناك من قال في محاولة الإجابة ، أو التفسير بنظرية المؤامرة . المؤامرة الأورو/ أمريكية علي المنطقة لأسباب ودواعي شتي ، منه ما نعلمه ، وما خفي منه أعظم . وأنا لست ضد نظرية المؤامرة بالمطلق ، ولا معها بالطلق . وإشكالية نظرية المؤامرة عندي في تساؤل مؤداه : هل المؤامرة سبب أم نتيجة ؟ . والأمر هنا قد يختلط فيه السبب بالنتيجة علي نحو يتعذر معه التدخل الجراحي للفصل بينهما . وفي الحالتين تكون نقطة البداية لدينا في السبب والنتيجة . ولابد أن نعترف بأن الغرب يجيد استخدام الظاهرة لخدمة أغراضه ، سواء اختلقها أو استغلها .
ويبقي السؤال الأهم : ماهي العوامل الطاردة لدينا ، والجاذبة لديهم ، والتي تدفع الشباب إلي مغادرتنا ، والذهاب إليهم ؟ .
الجميع يلقي باللوم علي الشباب ، وينسي نفسه ، مع أن الشباب تفاعل مع قناعاته التي آمن بها وصدقها ، وطبيعي أن ينجذب إلي ما يخدم هذه القناعات . فهل استطعنا نحن الوقوف علي هذه القناعات ، والتفاعل معها ، وترشيدها ، دون أن نترك في نفوس الشباب انطباعات الوصاية والرقابة .
الخلل الحقيقي لدينا نحن ، فنحن من فشل في اللحاق بركاب العصر ، وفشلنا في التواصل مع الشباب الذي يعيش عصره ، وينفعل به ، ويتفاعل معه ، منسلخاً عن حالة الجذب إلي الخلف التي نمثلها له ، فانفلت من العقال ، عقال العادات والتقاليد والأخلاق التي فشلنا في تقديمها له مبررة مقنعة ، فأصبحت من وجهة نظره لا شيء . فشلنا في نقل الدين من بطون أمهات الكتب إلي سلوكنا ومنهجنا المعاصر في الحياة ، ولم نحافظ منه إلا علي المظاهر والقشور .
وفي الجانب الآخر ، نجد من قدم للشباب نماذج محددة واضحة قاطعة للسلوك . وبمنطقهم المحكوم بقاعدة " هات من الآخر " ، قدموا للشباب صورة الإسلام ، وصورة المسلم . نماذج سلوكية غير مترددة ، تتسم بالوضوح والصراحة والصرامة . بغض النظر عن مدي صحتها ، أو مطابقتها للشرع الحنيف . إلا أنها انتقلت من مستوي الكلام المسطور ، إلي مستوي السلوك المنظور .
إذن المطلوب أن نفتش علي الإجابة والتفسير في حجورنا نحن دون مواربة ، أو لف ودوران .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية