أوكرانيا بالعربية | "هايد بارك جنيف" كسر الحصار على الاسد.. وبانتظار "جنيف 3"... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/تحول مؤتمر جنيف الثاني الذي افتتح اعماله صباح اليوم الى مهرجان خطابي، او اشبه بـ"ركن هايد باراك" الشهير في لندن، الذي ينصب فيه المتكلمون خيامهم كل يوم احد في احد اركان هذه الحديقة اللندنية الشهيرة، وربما اريد له ذلك منذ البداية، وحصره في يوم واحد، قد يؤدي الغرض فيما يبدو.
كان لافتا ان خطابي السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية وخصمه المعارض السيد احمد الجربا موجهين الى الغرب بالدرجة الاولى، ومحاولة التأثير عليه، وكسبه من خلال التركيز على قضايا اساسية مثل الارهاب ومواجهته كل حسب منظوره، فبينما ركز الاول على الجماعات الجهادية التي جاء اعضاؤها من مختلف انحاء العالم عبر الاراضي الاردنية والتركية، وتنظيم "القاعدة" على وجه الخصوص، حرص السيد الجربا على التأكيد على محاربة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام باعتبارها منظمة "ارهابية"، مقدما اوراق اعتماده كقائد لقوات "صحوات سورية".
السيد المعلم تبنى استراتيجية "ذكية" في خطابه، ترتكز على عدة عناصر اساسية، ابرزها محاولة تخوين المعارضة السورية السياسية والمسلحة وربطها بالخارج، وشن هجوم شرس على الدول الداعمة لها مثل السعودية وتركيا وقطر ووصف قادة هذه الدول (السعودية وقطر) بالتخلف واعطاء دروس في الديمقراطية والتطور والتقدم وهم لا يعرفونها، واستعملوا ملياراتهم لشراء الاسلحة، وتجنيد المرتزقة، واغراق الفضاء الاعلامي بكذبهم، وقال ان هناك 83 جنسية تقاتل من اجل زعزعة استقرار سورية، وكذلك تقديم النظام السوري على انه النظام العلماني الذي يقيم دولة مدنية تحقق التعايش والحماية للاقليات، والمسيحية منها خاصة، في مواجهة الجماعات "التكفيرية" التي تخطف الراهبات وتدمر الكنائس، وتحرق المتاحف وتنبش القبور.
الامير الفيصل خدم النظام السوري دون ان يقصد عندما طالب بخروج جميع القوات الاجنبية من سورية مشيرا الى قوات حزب الله والحرس الثوري الايراني، وهي المطالب نفسها التي كان وما زال يطالب بها النظام قبل دخول قوات حزب الله الى سورية، ويقول انها تمول وتسلح ويسهل مرورها من قبل المثلث السعودي القطري التركي.
كل حسب دوره، وجرى تقسيم المقاتلين على الارض السورية الى سوريين و"غرباء" او انصار ومهاجرين، وجرى توظيف وجود اعداد كبيرة من "الغرباء" في تنظيم الدولة الاسلامية كمبرر لتصفيتها من قبل الجماعات الاسلامية الاخرى المدعومة خليجيا وتركيا.
فعندما يقول السيد الجربا وداعموه ان لا مكان للرئيس الاسد في الحكومة الانتقالية، ويصر السيد المعلم بأن رئيسه ونظامه هما خط احمر، فان الحل السياسي يبدو بعيدا جدا.
مؤتمر جنيف كان حرب علاقات عامة سياسية، ومباراة في البلاغة ونظم الكلام استغلها النظام السوري جيدا، وحقق فيها فوزا كبيرا، ولكن هذا لا يعني ان الحال قد يكون كذلك في الميادين الاخرى، ولكنه فوز مهم في معركة مهمة في اطار حرب ستطول حتما، لا يمكن، بل لا يجب تجاهله عندما يكون هناك من يريد التقويم بطريقة موضوعية مهنية، وليس حسب التمنيات والعواطف والموقف السياسي المنحاز.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية