أوكرانيا بالعربية | فــتـوي الــقـرضاوي بـين الــديـن .. و .. الســـياســـة... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/ترجع خطورة الفتوي في الإسلام إلي كون المفتي حين يصدر فتواه إنما يوقع هذه الفتوي عن الله سبحانه وتعالي . فهو يصدر الحكم عن الله بمقتضي ما منّ الله به عليه من علم بكون هذا الأمر حلالاً أو حراماً أو مكروهاً كراهة تنزيهية أو كراهة تحريمية أو مندوباً وينزله علي الأمر المستفتي فيه . ويأخذ المستفتي الفتوي باعتبارها هي المراد من رب العباد .
وقد عنون ابن القيم أحد كتبه بعنوان : " اعلام الموقعين عن رب العالمين " للدلالة علي أن الفتوي هي توقيع عن الله سبحانه وتعالي . وقد تتعلق الفتوي بموضوعات أو أمور ذات أبعاد سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية أو دينية شائكة يختلف حولها الناس لغياب الجواب الواضح والصريح فيها . والشيخ القرضاوي منذ ثورة يناير وحتي تاريخه وهو يمطرنا بفتاويه في مسائل السياسة علي نحو افقد الفتوي منه مكانتها الواجبة من ناحية التوقيع عن الله فيها أو مكانتها من جانب المستفتي باعتبارها المراد من رب العباد . إلي حد يمكن معه التجرؤ عليه في الرد بالقول : أنك تطوع الدين لخدمة السياسة . ويتغير لديك الحكم الشرعي بتغير موقعك السياسي الذي تقف فيه . فكل ما يؤيد موقفك السياسي فهو حلال ، وكل ما يعارضه فهو حرام حتي لو تبدل هذا الموقف وتغير موقعه . فعندما كان التصويت في صناديق الإقتراع يخدم غرضك السياسي ، ويخدم مشروعك الفكري الإخواني ، أفتيت بما يخدم ذلك ، وسقت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علي وجوب النزول للتصويت ففي خطبة الجمعة في جامع عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة بتاريخ 18 / 11 / 2011 م أفتي القرضاوي بقوله : "نرى نحن علماء الإسلام أن الانتخاب ليس شيئا هينا أو مستحبا، بل هو واجب، هو فريضة وضرورة؛ إذا نظرنا إليه بحكم الدين قلنا فريضة، وإذا نظرنا إليه بحكم الدنيا قلنا ضرورة؛ فهو فريضة شرعية وضرورة حياتية ". ثم يستطرد مخاطبا المواطن المصري "لابد أن تذهب للانتخاب، وتقف في الصف وتصبر حتى تؤدي صوتك، هذا أمر ضروري في الإسلام، ومن لم يدلِ بصوته فقد ارتكب حراما".
ثم يسوق الأدلة الشرعية التي توجب آداء فريضة التصويت بقوله : "العملية الانتخابية في نظر الإسلام تعد شهادة فهي إما شهادة حق وإما شهادة زور" قال تعالي في محكم التنزيل :{... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (الحـج: من الآية 30)، فيما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن شهادة الزور؛ حيث في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الشرك بالله، ثم عقوق الوالدين) وكان متكئا فجلس، ثم قال: (ألا وقول الزور، ألا وقول الزور)، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت". أما عن حرمة الإمتناع عن التصويت فقال : "احذر أن تضيع صوتك يقول الله تعالى: {...وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (البقرة: من الآية 283)، ويقول جل جلاله: {...وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: من الآية 140)". ويقول :{...وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ... } (البقرة: من الآية 282)". وأنا لا اعتراض لدي علي ما ذهب إليه في هذه الفتوي التي حولت التصويت إلي فريضة اسلامية ، مع أن التصويت حق شخصي في الممارسة السياسية أحد صوره الإمتناع عن التصويت ، ولا علاقة له بالتحليل أو التحريم .
وبالقطع فإن الشيخ لن يترك الفتوي مجردة من الغرض السياسي لأن أساسها ومنطلقها وغايتها سياسية .فإذا به يكشف عن الوجه السياسي للفتوي بقوله : "ستأتيكم صناديق تشهدون فيها، اشهدوا بالحق، اشهدوا لأهل الخير، اشهدوا لأهل الصدق، اشهدوا لمن يعترف بالإسلام، اشهدوا لمن يعترف بالدين، اشهدوا لمن يعترف بالحقيقة، لا تشهدوا لعلماني ولا لاديني ولا لإنسان لا يرضى بالله رباً والإسلام دينا وبالقرآن إماماً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ". وأعتقد أنه يقصد الإخوان دون غيرهم بحسب مفهوم حسن البنا عن الإسلام والمسلمين . صدق الناس الشيخ ، وصدقوا الإخوان باعتبارهم أهل الله وخاصته ، ثم انكشفت الحقيقة ، وسقطت الأقنعة ، وبدا للناس ما كان قد خفي عنهم من فاشية هذه الجماعة وعنصريتها وفشلها وتدني آداءها إلي حد الإنحطاط ، حيث الآداء الهزلي لمجلس الشعب ومجلس الشوري ولجنة وضع الدستور .. الخ . فبدأت الجماهير تجأر بتوكيل السيسي بالتدخل للخلاص ، وأثناء ذلك بدأت حركة تمرد في جمع توقيعات تستهدف تعرية الجماعة من ورقة التوت التي تتدثر بها وتتمترس خلفها المسماة بشرعية الصندوق . فلما شعرت الجماعة بمقدم الطوفان البشري المائج أخذت تزمجر كاشفة عن أنيابها في مواجهة الشعب ، وكان الموعد يوم الثلاثين من يونيه ، وحدث ما هو معروف . فخرج علينا الشيخ بفتواه يوم 6/ 6 / 2013 م ، وقد جاء فيها : "وخلاصة فتواي التي يشاركني فيها كثير من علماء الأزهر في مصر، وعلماء العالم العربي والإسلامي، وعلماء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أتشرف برئاسته:إن المصريين عاشوا ثلاثين سنة - إن لم نقل ستين سنة - محرومين من انتخاب رئيس لهم، يسلمون له حكمهم باختيارهم، حتى هيأ الله لهم، لأول مرة رئيساً اختاروه بأنفسهم وبمحض إرادتهم، وهو الرئيس محمد مرسي، وقد أعطوه مواثيقهم وعهودهم على السمع والطاعة في العسر واليسر، وفيما أحبوا وما كرهوا، وسلمت له كل الفئات من مدنيين وعسكريين، وحكام ومحكومين، ومنهم الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي كان وزير الدفاع والإنتاج الحربي في وزارة هشام قنديل، وقد أقسم وبايع أمام أعيننا على السمع والطاعة، للرئيس مرسي، واستمر في ذلك السمع والطاعة، حتى رأيناه تغير فجأة، ونقل نفسه من مجرد وزير إلى صاحب سلطه عليا، علل بها أن يعزل رئيسه الشرعي، ونقض بيعته له، وانضم إلى طرف من المواطنين، ضد الطرف الآخر، بزعم انه مع الطرف الأكثر عددا " . وقد خلط الشيخ هنا بين أحكام البيعة ومقتضيات الإنتخاب وشتان بين الأمرين ، ولا أدري أي سمع وطاعة في ظل نظام ديمقراطي يقوم الحكم فيه علي جناحين هما حكومة ومعارضة. أما عن القسم الذي أقسمه الفريق أول السيسي فهو قسم لمصر وليس لمرسي ، ثم إن مرسي نفسه حنث بقسمه في أحترام الدستور والقانون أما الطرف والطرف الآخر فقائمة علي قسمة ضيزي لأن الصحيح أن يقال جماعة وشعب . ثم ذهب الشيخ إلي تخطئة السيسي ومن وافقه دستورياً وشرعياً ، دعنا من التخطئة الدستورية ولننظر في التخطئة الشرعية يقول القرضاوي : " وأما من الناحية الشرعية، فإن الشرع الإسلامي الذي رضيه أهل مصر مرجعا لهم في دولة مدنية، لا دولة دينية ثيوقراطية، يوجب على كل من آمن به ورجع إليه؛ طاعة الرئيس المنتخب شرعا، وتنفيذ أوامره، والاستجابة لتوجيهاته، في كل شؤون الحياة " بشرطين : الأول : ألا يأمر بمعصية . الثاني : أن نري منه كفراً بواحاً . ويبدو أن الشيخ لم ير الحنث باليمين ، ولا إصدار الإعلان اللادستوري الذي جعله لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ، ولا التخابر مع دول أجنبية ، ولا التفريط في السيادة الوطنية ، ولا الأمر بقتل المتظاهرين من موجبات عزله ومحاكمته حتي ولو كان كما ذهب الشيخ : " بل هو رجل صوامٌ قوامٌ، حريص على طاعة الله تعالى " فصومه وقيامه لنفسه وليس للأمة .
ثم جعل يهاجم شيخ الأزهر والبابا وجبهة الإنقاذ والبرادعي ، وختم بالشعب كله حين قال : "حرام على مصر أن تفعل هذا، وان تفرط في دستورها، وفي رئيسها المنتخب، وفي شريعة ربها، فليس وراء ذلك إلا مقت الله ونكاله، (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)". ثم ذهب الشيخ إلي نقض ما غزله في الفتوي الأولي بشأن الإنتخاب والتصويت ، حيث أصدر فتوي بوجوب مقاطعة الإستفتاء علي الدستور مؤرخة بـ : 7 / 1 / 2014 م . جاء فيها : " أنا أرى المشاركة في الاستفتاء على الدستور والمساهمة في أى عمل من شأنه أن يقوى هذه السلطة الانقلابية، أو يمنحها الشرعية، أو يطيل أمد وجودها، أو يقوى شوكتها يعد من التعاون على الإثم والعدوان، وهو عمل مُحَّرمٌ شرعًا، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2).وقوله عز وجل: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس:32) وقوله سبحانه: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) (هود: 113). وذلك بعد أن عدّد ما تميز به مرسي ، واستعرض سجل إنجازاته الوهمية من وجهة نظره التي يُختلف حولها بالضرورة ، ثم عدّد عيوب السلطة الجديدة ومثالبها وما اقترفته في حق الشعب من مجازر وذلك أيضاً من وجهة نظره التي يُختلف حولها كذلك . ثم أبدي رأيه السياسي في الدستور الجديد وبني علي ذلك حكمه الشرعي المتقدم . فحتي النزول والتصويت بـ : " لا "وفقاً لهذه الفتوي غير جائز. وهكذا تبدو واضحة روائح السياسة في الفتوي الشرعية حيث خلط الرجل بين حكم الشرع ورأيه الشخصي علي نحو فاضح .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية