أوكرانيا بالعربية | في الذكرى 57 لتأسيس منظمة الوحدة الافريقية.. مانديلا ودور السودان المنسي في دعم الحركات التحررية.. بقلم السفير مبارك محجوب

عندما ذهبت شركة إعلامية أمريكية ذات مرة، لأجراء حوار تلفزيونى مع الزعيم الافريقى الراحل نيلسون مانديلا بعد فترة وجيزة من حدث إطلاق سراحه الشهير والذي كان مصب إهتمام واحتفال العالم قاطبة في العام 1991 ، بغرض عرض وتوثيق ابرز محطات ومعالم نضاله الطويل، ضد نظام الفصل العنصري في بلاده ، سوى في جنوب إفريقيا، إثيوبيا ، موزمبيق أو في أي بقعة اخري من العالم ، فاجأ الزعيم مانديلا محاوريه – بما لم يكن ربما في حسبانهم – وذلك بان عليهم ان يبدأوا فيلمهم التوثيقى هذا في السودان حيث – والحديث لمانديلا- بدأ فصل نضاله الحقيقي ضد نظام الفصل العنصري والذي كان بطابع الكفاح المسلح

كييف/ أوكرانيا بالعربية/ عندما ذهبت شركة إعلامية أمريكية ذات مرة، لأجراء حوار تلفزيونى مع الزعيم الافريقى الراحل نيلسون مانديلا بعد فترة وجيزة من حدث إطلاق سراحه الشهير والذي كان مصب إهتمام واحتفال العالم قاطبة في العام 1991 ، بغرض عرض وتوثيق ابرز محطات ومعالم نضاله الطويل، ضد نظام الفصل العنصري في بلاده ، سوى في جنوب إفريقيا، إثيوبيا ، موزمبيق أو في أي بقعة اخري من العالم ، فاجأ الزعيم مانديلا محاوريه – بما لم يكن ربما في حسبانهم – وذلك  بان عليهم ان يبدأوا فيلمهم التوثيقى هذا في السودان حيث – والحديث لمانديلا- بدأ فصل نضاله الحقيقي ضد نظام الفصل العنصري والذي كان بطابع الكفاح المسلح.

من الواضح أن اختيار  نيلسون مانديلا للسودان لم ينبع من فراغ ، بل كان في حقيقة الامر اعتراف وتقدير منه، لإسهامات كبيرة ظل يقدمها السودان - دون كلل او ملل - لقضية الكفاح والنضال في بلاده،  وربما جال في بال الزعيم الراحل وخاطره وهو يجري ذاك الحوار التلفزيوني الكثير والكثير من قصص البطولة والملاحم التى ظل يقدمها السودان، والتى ورغم كونها  تستحق ان تروى للاجيال الجديدة ، الا انها للاسف غيبت عنهم بنحو او باخر.

بطبيعة الحال لم تغب عن خاطرة الزعيم مانديلا،  كيف انه وعندما اشتد حصار ومراقبة نظام الفصل العنصري على كل  رفاقه من مناضلي الحرية ، وعندما  كان هو بنفسه في حالة هروب من تلكم السلطات والتي حرمته من حقه في امتلاك جواز سفر، كان السودان في الموعد، ولم يتردد في اصدار جواز سفر دبلوماسى سودانى له ، عقب وصوله للخرطوم في رحلته السرية (الفارقة) في التاسع والعشرين من يونيو للعام 1962 قادما من اديس ابابا.

تكمن اهمية تلكم الوثيقة السودانية في انها مكنت القائد مانديلا من السفر لاحقا عبر افريقيا والعالم، لا سيما دول الشمال الأفريقي مصر وتونس والجزائر، في اطار حملته لحشد التأييد الدولى للنضال المسلح الذي كان المؤتمر الوطنى الافريقى قد أعلن تبنيه في ذات العالم وفي هذا الإطار تأتى أهمية ورمزية زيارته للخرطوم، باعتبارها تدشين عملي لمرحلة جديدة من النضال،  بالتحول من النضال السلمي الى النضال المسلح ضد نظام الفصل العنصري في بريتوريا .

في ذلك اليوم بالخرطوم أجرى مانديلا ورفاقه محادثات موسعة مع كبار المسؤولين السودانيين  بقيادة رئيس الجمهورية آنذاك الفريق إبراهيم عبود.  ويعلق مانديلا عن ما دار في تلك المباحثات في كتابه  "مسيرة النضال الطويلة نحو الحرية" ويعلق قائلاً "لقد تحدثنا إلى الجنرال عبود كما لو كنا نتحدث إلى أحد كبار القادة في المؤتمر الوطني الأفريقي وان المساعدة المالية التي قدمها لنا ( الفريق عبود) ، كانت الأولى من نوعها التي يحصل عليها  من بلد أفريقي على ألإطلاق"

ليس هنالك أدنى شك في أن المبادرات الشجاعة،  كانت هى ابرز ما ميز مواقف السودان تجاه حركات التحرر الإفريقية آنذاك. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وتفاعلا مع الدعوة التي أطلقتها منظمة الوحدة الأفريقية لاعضائها حينها،  لتوسيع المقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا،  لتشمل مناصريه وداعميه في شتى دول العالم ، كان السودان سباقاً في الامتثال والتقاعل مع الدعوة، معلنها داوية في خضم مداولات القمة الافريقية في أديس ابابا في العام 1964، إغلاق مجاله الجوي وموانئه البحرية، امام حركتي الملاحة الجوية والبحرية من والى دولة الفصل العنصري واتبع السودان القول بالعمل، بإعلانه منع طائرات الخطوط الجوية البريطانية من التحليق، الهبوط او التزود بالوقود في مطار الخرطوم .

في مناسبة أخرى وعندما قرر نظام الأقلية البيضاء إخضاع روديسيا لحكمها، لم يكتف السودان بالاعلان عن  دعمه المباشر لمنظمة (سوابو) بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الناميبي، بل ذهب أبعد من ذلك، بالإعلان عن فتح ابوابه مشروعه لأعضاء المنظمة، لتلقى التدريب العسكري من ناحية  ومنحهم منح دراسية بجامعة الخرطوم ومؤسسات التعليم العالي  السودانية الأخرى، كما عرض في هذا الإطار، تمليكهم وثائق سفر سودانية وتوفير تذاكر سفر لنقلهم من دار السلام الى العاصمة السودانية الخرطوم، والتى شكلت  بدورها آنذاك نقطة لإنطلاق مهة امام ثوار سوابوا لطرح واستقطاب الدعم لقضيتهم العادلة امام العالم الخارجى.

كما اسلفنا فقد اتخذ الدعم السوداني جوانب شتى، كان ابرزه استضافة المئات من مقاتلي الحرية في مختلف الدول الأفريقية شرقا وغربا وجنوبا بغية إعدادهم عسكرياً للمهام الوطنية التي تنتظرهم في أوطانهم الام . ولعله ولهذا السبب، لم يكن من المستغرب على الإطلاق، أن تتحول الخرطوم في حقبة  الستينيات والسبعينات من القرن الماضي إلى قبلة للعديد من الشباب الإفريقي والذين صاروا  فيما بعد، وبعد بزوغ فجر الحرية والتحرير، ارقاماً ورموزاً للنضال يشار لها بالبنان في بلدانهم والعالم قاطبة. ونركز هنا على سبيل المثال لا الحصر هاستينغز كامورو باندا، روبرت موغابى، كينيث كاوندا، توم موبويا، ميلتون أبوتى وجوليس نايريري. مع ضرورة الاشارة هنا ان هذه الزيارات كانت تتم برعاية وتنسيق كامل بين الأجهزة الحكومية السودانية في الخرطوم .

الرئيس الأنغولي الراحل اوغستينو نيتو والذي قاد الحركة الشعبية لتحرير انغولا في حربها من اجل الاستقلال من الاحتلال البرتغالي ، ربما كان واحداً من اهم الشخصيات التى ابرزت بوضوح ذلك الدور السودانى المشهود الذي اشرنا اليه اعلاه.

ففي خطابه امام القمة الافريقية التى عقدت بالخرطوم في العام 1978، ومستعرضاً دور السودان في نضالهم الطويل قال الرئسي الانجلولى " لست بحاجة إلى التفصيل كثيرا عن مساعدة السودان لمقاتلي حركة التحرير في أنغولا وغيرها من الدول الأفريقية، يكفينى فقط أن اذكر بحقيقة أن جميع أفراد الجيش الذين يحكمون في أنغولا الآن ، قد تلقوا تدريبهم العسكري في الكلية الحربية السودانية "

لابد من  الإشارة – وفي ذات الاطار- الى ان مارسيلينو دوس سانتوس الأب الروحي لحركات التحرير الموزمبيقية ، كان قد سجل عدة زيارات  للسودان خلال الفترة بين  1968-1971 ، لتنسيق المساعدات السودانية لحركتهم الثورية ، والتي شملت التدريب اللوجستي والمادي والعسكري. وتبعه في ذلك خليفته، الزعيم جواكيم ألبرتو تشيسانو، السياسي الذي شغل منصب الرئيس الثاني لموزمبيق في الفترة من  1986  حتى العام  2005 ، والذي بدوره قام بارسال برقية إلى حكومة السودان عبر سفارتها في دار السلام في يوليو 1907 ، معربًا فيها عن امتنان بلاده للدعم الذي تلقته حركته من السودان في شكل إمدادات وبزات عسكرية.

  ومن جانبه لم يتأخر ، الرئيس النيجيري آنذاك ، الجنرال ياكوبو جاون ( 1966-1975)، عن الإعراب عن  امتنانه لحكومة وشعب السودان، لتزويدها بلاده بطائرتين مقاتلين لمساعدة الحكومة النيجيرية في التصدي للانفصاليين في منطقة بيافرا، وبهدف المحافظة على الوحدة والسيادة الاقليمية لدولة نيجيريا.

جدير بالذكر انه - وفي ثنايا القمة الافريقية في الجزائر في يوليو 1967  - تقدم السودان ببعض المقترحات العملية لتعزيز الكفاح المسلح في أفريقيا، وكان من أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، الدعوة لارسال خبراء عسكريين من الدول الافريقية المستقلة،  إلى المناطق المحررة  والتي وقعت بالفعل تحت سيطرة حركات التحرر الافريقية لتعزيز مكاسبهم العسكرية. وكما كان الحال دائماً،  اتبع السودان الاقوال بالأفعال، حيث ما تزال متاحة الى الان،  نسخ الوثائق التي تثبت مساهمة السودان المالية وشحنات الأسلحة والذخيرة والتى كان يتم شحنها في العادة  عبر دار السلام في تنزانيا، ومن ثم إلى مقاتلي المؤتمر الوطنى الافريقى والثوار الاخرين  في أنغولا، موزمبيق ، زيمبابوي وجنوب غرب إفريقيا.

ولعله من المواقف اللطيفة أنه وفي إطار الدعم العسكري السوداني لمقاتلي الحرية في انجولا وبناء على رغبتهم ، وافق السودان على تزويدهم بعدد من الحمير للمساعدة في عمليات نقل المؤن، الإمدادات العسكرية والذخيرة داخل انجولا، وقد ابى الاطباء البيطريين السودانيين الا ان يضعوا بصماتهم في هذا النضال، فقاموا بدورهم بأجراء عمليات جراحية لهذه الحيوانات بازالة حبالها الصوتية، خشية من تفسد بأصواتها – دون سابق إنذار- لسرية هذه العمليات النضالية.

خاص لـ"أوكرانيا بالعربية" بقلم:

سعادة السفير د. مبارك محجوب موسى

الدبلوماسي السابق لدى أوكرانيا

Поделиться публикацией:
Главные новости
Разное
В Баку открылась конференция ООН по изменению климата
Ближний восток
Ливан заявляет о по меньшей мере 40 погибших за день в результате израильских ударов
Разное
"Мемориал": в Чечне задерживают мужчин для отправки их на войну против Украины
Ищите нас на Twitter

© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.