أوكرانيا بالعربية | دروس من الثورة البرتقالية لانتفاضة الثلج... بقلم أندرس آسلوند
كييف/أوكرانيا بالعربية/الآن، يحذر نظام فلاديمير بوتين الشعب الروسي من أن ''ثورة الثلج'' الوليدة سوف تكون بمثابة خطأ لا يقل جسامة عن ثورة أوكرانيا البرتقالية في عام 2004. ولكن على الرغم من أوجه التشابه الواضحة بين هاتين الحركتين الشعبيتين، فإن الاختلافات بينهما جوهرية، وبالتالي فإن المقارنة بينهما قد تساعد المعارضة الروسية في تجنب بعض الأخطاء.
فمثل ثورة الثلج، كانت الثورة البرتقالية بمثابة ردة فعل شارك فيها قطاع عريض من أبناء الطبقة المتوسطة ضد الفساد وغياب سيادة القانون. وعلى النقيض من الربيع العربي، كانت الثورة البرتقالية سلمية تماما، كما كانت حال ثورة الثلج، ولم تندلع أي منهما لأسباب اقتصادية أو اجتماعية. ففي عام 2004 سجل الاقتصاد الأوكراني نمواً أسرع من أي وقت مضى، فبلغ 12 في المائة، وفي العام الماضي ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بنسبة محترمة بلغت 4.3 في المائة.
ولكن هناك أيضاً اختلافات كبيرة. فأوكرانيا تعاني انقساما عرقيا كبيرا بين الناطقين باللغة الروسية والناطقين باللغة الأوكرانية. وكانت المعارضة الأوكرانية راسخة في البرلمان وأجهزة الإعلام، الأمر الذي جعلها جزءاً من النظام القديم.
كان الإنجاز البارز الذي حققته الثورة البرتقالية اكتساب الحرية السياسية والمدنية. ولكن الخلل الأساسي الذي عابها كان الجمود السياسي الكامل تقريبا، والذي أدى إلى قدر أعظم من الفساد والاستبداد. وبحكم وجودي في أوكرانيا أثناء وبعد الثورة البرتقالية، وبحكم الوقت الذي أمضيته في موسكو، فأنا أرى بوضوح بعض العثرات التي تواجه ثورة الثلج.
والواقع أن الثورة البرتقالية كانت سلمية لأن أعداداً كبيرة بما فيه الكفاية من الناس نزلت إلى الشوارع. ولقد استوعبت المعارضة الروسية هذه الحقيقة بالفعل، وهو ما من شأنه أن يقلص من خطر اندلاع أعمال العنف.
ولكن ربما كان من الخطأ في عام 2004 أن يحتل الثوار مركز مدينة كييف وأن يواصلوا المظاهرات المستمرة التي أرغمت كل الأطراف على تبني حل سريع للأزمة، لأن هذا كان سبباً في التعجيل بالتوصل إلى حل وسط معيب مع النظام القديم. فكان التحرر المفاجئ سبباً في نشوء حالة خطيرة من الحبور والنشوة ثم الغطرسة بين أبناء الثورة البرتقالية.
ولهذا السبب، فربما كان من المعقول أن تنظم المعارضة الروسية مظاهرات ضخمة من حين إلى آخر، لإظهار قوتها للنظام ولكن من دون فرض حل فوري. الواقع أن الحل المفاجئ للثورة البرتقالية أدى إلى تبني دستور مختل يحتوي على تقسيم محير وغير عملي للسلطة. وبدا الأمر وكأنه فخ نصبه رموز النظام القديم. كان الخطأ السياسي الأكبر الذي ارتكبته الثورة البرتقالية يتلخص في تركيزها المبكر على ''إعادة الخصخصة'' ــــ إعادة تأميم وبيع المؤسسات التي تم تخصيصها من قبل بأسعار متدنية للغاية. فقد أنفقت حكومة الثورة البرتقالية أول نصف عام لها في السلطة في مناقشة أي المؤسسات يجب أن تدرج في برنامج الخصخصة وكيف. وفي الوقت نفسه تباطأ الإنتاج بمرور كل شهر بعد أن تسبب عدم اليقين إزاء حقوق الملكية في ترويع رجال الأعمال. وفي نهاية المطاف أعيدت خصخصة مشروع واحد من مشاريع التعدين الضخمة (كريفوريشتال)؛ وبحلول ذلك الوقت كان الائتلاف البرتقالي قد انهار بالفعل.
في نظر الساسة الروس، تشكل إعادة الخصخصة إغراءً سياسياً عظيما. بل إن كل الأحزاب المعارضة الثلاثة في البرلمان تدعو إلى عملية إعادة تأميم واسعة النطاق، رغم أن هذا سيكون مدمراً على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وبدلاً من هذا، يمكن لحكومة ديمقراطية جديدة أن تدعو إلى فرض ضرائب أعلى على الممتلكات ومقاضاة المسؤولين الفاسدين. ومقارنة بأوكرانيا فإن روسيا لديها تشريعات لائقة إلى حد كبير، وتتمتع محاكمها الاقتصادية ببعض الاحترام.
ينبغي لروسيا أن تستخلص أربعة دروس رئيسية من الثورة البرتقالية مع تقدم ثورة الثلج.. الأول أن الديمقراطيين الجدد لا بد أن يتجنبوا الوقوع في فخ الموافقة على حلول وسط مختلة مع النظام القديم. وثانيا، يمثل الزعماء أهمية حاسمة لتحقيق تقدم ديمقراطي مستدام، وسيكون اختيار هؤلاء الزعماء على قدر عظيم من الأهمية بقدر صعوبته. وثالثا، تحتاج روسيا إلى تطهير المسؤولين الفاسدين، ويتعين عليها أن تستفيد من ثروتها من المواهب الشابة الحسنة التدريب. وأخيرا، إعادة الخصخصة ''سم في العسل''، ولا بد من تجنبها.
لم تكن الثورة البرتقالية بمثابة خطأ، ولكن القضايا العادلة لا تضمن الانتصار دوما. ويتعين على ثوار الثلج في روسيا أن يدركوا أن المعركة الناجحة هي أيضاً معركة ذكية.
أندرس آسلوند
باحث علمي في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي
متخصص بالاقتصاد في روسيا وأوكرانيا وأوروبا الشرقية
المصدر: الاقتصادية