أوكرانيا بالعربية | دور مراكز الأبحاث في مصر... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/إن مؤسسات الفكر والرأي هي مؤسسات مستقلة، تم إنشاؤها بهدف إجراء الأبحاث المتصلة بالسياسة. وهي تسد فراغاً في غاية الأهمية بين العالم الأكاديمي من جهة، وعالم الحكم من جهة أخرى.
ومع بروز الولايات المتحدة كدولة عظمى في العالم، ظهرت هذه المؤسسات كجزء من حركة تستهدف الاحتراف في العمل الحكومي. وكانت رسالتها المعلنة غير سياسية، فهي تهدف إلى تزويد المسئولين بالنصائح السياسية غير المنحازة ويبدو أن الربيع العربي والذي فاجأ الغرب والأنظمة العربية قد عدل قليلاً من دور الصوفية في هذه المرحلة، فبعد أن كان الرهان على التصوف كبديل للحركات الإسلامية عند الغرب
وجد الغرب نفسه أمام أمر واقع بوصول الإسلاميين لسدة الحكم، فقرر بواقعية وعقلانية التعامل معهم وعدم تضييع الوقت بخلاف الأنظمة العربية، فتم عقد مؤتمر لمؤسسة كارنيغي في واشنطن بتاريخ (5/ 4/ 2012) والذي جمع ممثلي الإخوان المسلمين من مصر وتونس وليبيا والأردن مع الساسة الأمريكان، وهذا لا يعني عدم مواصلة دعم ورعاية التصوف ليكون له موضع مستقبلا في الساحة السياسية
عاشت مصر في زمن التطبيع (1979-2011) مسارين متصارعين : مسار التطبيع برجاله وشركاته وسماسرته ، ومسار المقاومة للتطبيع والذي امتد من إعلام شريف مقاوم إلى ساسة ونقابات وأحزاب وصولاً إلى المقاومة المسلحة التي كان أبرز رجالها سعد إدريس حلاوة – سليمان خاطر – محمود نور الدين – أيمن حسن !! * التطبيع الديني مع العدو الصهيوني كان أبرز رجالاته شيخ الأزهر الأسبق محمد سيد طنطاوي ووكيله الزفزاف ، والذين التقوا بالصهاينة داخل حرم الأزهر، وأفتوا ضد العمليات الاستشهادية وفى مقابلهم كان أغلبية العلماء والمؤسسات الدينية تقاوم وتقف حجر عثرة في مواجهة التطبيع !!
أليس هناك فارق بين الغرب وبين إسرائيل في مسألة الاحتلال العقلي هذه؟ وهنا تقدم المعلومات قديمها وحديثها في مجال التعاون العلمي الصلة الوثيقة بين إسرائيل وأمريكا وهناك عشرات الأدلمبارك،لك وطالما نحن نتحدث في هذه الدراسة عن السنوات الأولى للتطبيع بين مصر وإسرائيل فإننا سنذكر نموذج لما يؤكد تلك العلاقة الوثيقة والخطر المشترك بين أمريكا وإسرائيل ها هي دراسة هامة لـ"كولن نورمان" منشورة في مجلة Sience الأمريكية بالعدد 215 في 5 فبراير 1982 ص639
إن الدور التاريخي الذي تلعبه وكالة التنمية الأمريكية منذ بداية التطبيع بين مصر وإسرائيل في مجال الربط والدعم المادي بين علماء مصر وإسرائيل في مجال الزراعة والبحث العلمي بـ 15 مليون دولار من خلال ثالثة مشاريع كبرى. والطريف في الأمر أن الدكتور/ يوسف والي كان هو المسئول عن الطرف المصري في الاتفاق وكان وقتها أستاذاً بكلية الزراعة جامعة القاهرة ومستشاراً لوزير الزراعة ، ثم أضحى بعدها - بعد أن تم اختبار ولاءه وصداقته للأمريكيين والصهاينة - وزيراً للزراعة لأكثر من عشرين عاماً تم فيها تخريب الزراعة واختراقها بالأسمدة والمبيدات الإسرائيلية والعلاقات الدافئة مع الكيان الصهيوني. وكان يعد أكبر مسئول سياسي مصري قام بعقد اتفاقات تطبيعية في قطاع الزراعة مع العدو الصهيوني خلال فترة حكم حسنى مبارك ، وإذا كان نشاط "المركز الثقافي البريطاني" في بلادنا مكشوفاً مثل نار على علم، فإن معهد شملان الذي كان يمارس دوراً سرياً رهيباً في تعبئة وتثقيف الناس، وإعادة قولبة عقولهم تحت لافتة العلم والمعرفة لا يقل عن ذلك إن لم يكن أكثر، فهو الذي خرّج الآلاف من العرب والأجانب منذ تأسيسه
وحتى إغلاق أبوابه في أواخر التسعينات، وكلهم أصحاب عقول وكفاءات ثقافية وعلمية متميزة، درست لغتنا كما "درست" أوضاعنا، وتدربت على الغوص في أعماقنا، وبنت علاقات مع مثقفينا ونخبنا الرسمية والأهلية، ومع بعض قيادات أحزابنا من شتى الاتجاهات وحركاتنا العمالية والطالبية. وكان لخريجي هذا المعهد نصيب وافر في المواقع الرسمية والدبلوماسية والمخابراتية المؤثرة داخل بلدانهم وخارجها، فتصوروا أي دور قاموا به انطلاقا من التربة التي تشبعوا منها!
والحال نفسه ينطبق أيضا على معهد "غوته" الألماني، الذي قد لا يعلم القارئ أنه بدأ بممارسة مهامه في السودان أواسط القرن الماضي بهدف تعليم السودانيين اللغة الألمانية، مع أن ألمانيا نفسها لم تكن قد خرجت بعد من ويلات الحرب العالمية الثانية، ودون السؤال عن هذا الحرص الألماني على تعليم لغتهم في مناطق تعتمد الإنجليزية إلى جانب العربية، وليس لأهلها اهتمامات ملحوظة باللغات الأخرى الأقل حيوية، نقول أن الأيام قد كشفت عن السبب وأجابت على السؤال حين ألقي القبض في عهد الجنرال إبراهيم عبود على أحد مسئولي المعهد، ويدعى شتاينر وهو يجوب مناطق الجنوب السوداني، يوزع "المساعدات"، وينظم الجمعيات، ويمد بعضها بالسلاح!
حصل ذلك قبل نصف قرن من الآن تقريبا، وتحديدا بين العامين 1959 – 1964م، ولما جرى توجيه تهمة التجسس لشتاينر، وقدم للقضاء بناء عليها، صدر الحكم بإعدامه بعد اعترافه بما وجه إليه من اتهامات، لكن سيلاً من الضغوط والوساطات انهالت يومها على حكومة عبود، أدت في النهاية إلى العفو عنه وإطلاق سراحه!
غير أن الدور الذي اضطلعت به المراكز البحثية في الوطن العربيّ، مختلفٌ عمّا هو عليه الأمر في الغرب؛ وذلك بسبب المعيقات والمصاعب والتحديات التي تواجهها، ولأنّها لم تتبوّأ مكانها الحقيقي، ولم تمارس دورها الحيوي في المشاركة في صنع القرار أو في تقديم ما يلزم من مشورة ومن دراسات رصينة. وبدا دور معظمها "باهتا" وغير فاعل في عملية التنمية المجتمعية بكافة أبعادها، ليس بسبب عجزها عن أداء هذا الدور؛ بل بسبب المعوّقات الكثيرة التي تحيط بها، وعدم تكليفها بهذه المهام بحكم طبيعة الحياة السياسية العربية وطبيعة أنظمتها وبُعدها عن العمل المؤسَّسي المعمول به في الولايات المتّحدة والغرب.
ويتضح أن مراكز الأبحاث والدراسات تكتسب أهميتها وضرورة وجودها من الحاجة لها، ومن مقتضيات الضرورات السياسية والاقتصادية والإعلامية والأكاديمية والاجتماعية والتنمويّة؛ وذلك "باعتبارها الطريقة الأمثل لإيصال المعرفة المتخصصة، من خلال ما تقدمه من إصدارات علمية وندوات متخصصة، من شأنها أن تضاعف مستوى الوعي لدى صانع القرار والمؤسسات والأفراد، وتساعدهم على الربط بين الوقائع الميدانية وإطارها العلمي النظري".
إن لمراكز الأبحاث دورا رياديا في توجيه عالم اليوم؛ بحكم أنّها أداة مهمة لإنتاج العديد من المشاريع الحيوية التي تتصل بالدولة والمجتمع والفرد، ووسيلة لدراسة كل ما يتصل بتلك المشاريع وفق منهج علمي معرفي. كما تُعدّ مراكز الأبحاث من القضايا الوطنية الهامة والحيوية، التي تعكس اهتمام الشعوب بالعلم والمعرفة والتقدم الحضاري واستشراف آفاق المستقبل. وفي هذا السياق،
. وهي تكتسب أهميتها، من كونها تسلط الضوء على ضرورة من ضرورات المشهد العربي الراهن؛ مما يفرض على الدول العربية تفكيرا معمّقا في خصوصيات هذا المشهد وعولمته وآفاقه وتحدياته الجسيمة، وفي طرق امتلاك مفاتيح المعرفة والتقدم والحضارة التي لن يتسنّى الحصول عليها دون بحث علمي جاد ومهني تكون أدواته مراكز الأبحاث والدراسات.
أن بعض من مراكز الأبحاث احدي منظمات المجتمع المدني التي تفترش أرض هذا العالم الإسلامي ليست مستقلة وإن ادعت ذلك، ولا تملك مقومات وجودها من مداخيل شعبية محلية كما تردد، وهي ليست أكثر من واجهات لفظية، لا يعنيها إن تعرض الوطن للاعتداء، أو سقط تحت قبضة الاحتلال، وإن عبثت فيه الفتن الطائفية، طالما أنها مطلقة اليدين في عملية صنع عقل مسلم جديد بتوليفه لا علاقة لها بالأساس
تهدف إلى انتشاله من تربته الأصلية وزرعه في تربة أخرى مناقضة وحتى معادية. ولا يغير من هذه الحقيقة المرة احتمال وجود بضع منظمات تغرد بصوت مبحوح خارج هذا السرب المربوط بالخارج، حتى لا نكاد نسمعها.
وإلا، أين هي المنظمات الإنسانية والحقوقية، العربية والأجنبية، من جرائم قتل الإنسان المسلم وهدر كرامته ومصادرة حريته وسرقة مقدساته، التي نشاهد صورها اليومية في فلسطين والعراق وغيرهما؟أين منظمة "فافو" النرويجية التي "رق" قلبها على الشعب الفلسطيني فقامت بعمليات بحث دقيقة لكل جوانب حياته، وجيشت عددا كبيرا من أصحاب الكفاءات الفلسطينية لهذا الغرض، ثم اتضح لاحقا أنهم كانوا اللبنة الأساسية في مباحثات مدريد، والمباحثات المتعددة الأطراف؟أين معهد "واشنطن" القلق باستمرار على مسيرة الاستسلام "الشاملة"، الذي اتضح أيضاً أنه هو الذي شكل صيغة مدريد وأعد مسودة أوراقها التي قدمت للمفاوضين الفلسطينيين، طالما أن المفاوضين الصهاينة هم جزء أساسي في هيكلية معهد واشنطن نفسه، وهم الذين وضعوا خطوطها العريضة والرفيعة معاً؟!
نعم إن من أهم أدوار مراكز الدراسات الإستراتيجية هو تحويل الدراسات والبحوث والرؤى إلى أطر قابلة للتطبيق والتنفيذ تتسم بالاتساق والتكامل لأن ذلك يساهم في تعظيم دور الدولة والمواطن في عملية التنمية مع أخذ الدروس من الوضع الحالي الذي تعتمد فيه التنمية على قوة العمل الوافدة مع معاناة عدد كبير من شباب الوطن من البطالة وقلة فرص العمل.
لذلك يجب
إعادة النظر في: ارتباطها الإداري والتنظيمي، ودورها في التنمية، وتحليل السياسات، ومستوى مساهمتها في معالجة قضايا المجتمع، ومواكبة التغيرات المتلاحقة التي يعيشها العالم في مجالات اختصاصها.
- تبني آليات عمل أكثر مرونةً وتفاعلاً مع المشاكل والقضايا الملحة.
- وضع إستراتيجيات يكون فيها لمراكز الأبحاث الدور الفاعل في تحديد المشاكل والمواضيع التي تتطلب اتخاذ القرارات.
- استعادة دورها كأداة فعالة لإنتاج المشاريع الإستراتيجية وخلايا التفكير لتعمل على: إنضاج المشاريع العلمية، وبلورة الإشكالات القائمة، ودراستها وَفق تكامل منهجي علمي انسجامي. - توفير البيئة المناسبة والديمقراطية للقائمين على العمل البحثي في تلك المراكز، وفتح نافذة للتواصل بينها وبين غيرها من المراكز من جهة، وبينها وبين صناع القرار من جهة أخرى، فضلاً عن تفعيل دورها الريادي في صناعة القرار السياسي الصائب.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية