أوكرانيا بالعربية | بوتين يتحدى أمريكا في أوكرانيا مثلما تحداها في سوريا.. ومصر على اعادة هيبة روسيا والانتقام للاذلال الذي تعرضت له في العشرين عاما الماضية... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/الحروب الاهلية تبدأ دائما بمجزرة، او عملية اغتيال، او مظاهرات سلمية يتصدى لها الجيش او قوات الامن بالقوة، ويسقط قتلى وجرحى، ثم تتدخل قوى خارجية لدعم الطرفين، السلطة والمعارضة، وتشتعل البلاد كلها او معظمها، وتتحول الثورة السلمية الى ثورة مسلحة، وتتشكل ميليشيات وكتائب لحماية الثورة ورجالها.
نحن هنا لا نتحدث عن سورية، وانما عن اوكرانيا، ولكن السيناريو واحد، والاطراف الخارجية المتدخلة سياسيا وعسكريا هي نفسها، روسيا من جهة، والولايات المتحدة واوروبا من جهة اخرى، وعداد القتلى والجرحى بدأ ولا احد يستطيع ان يتنبأ اين سيتوقف.
اوكرانيا تملك تاريخا عريقا ودمويا من الانقسامات والحروب لاهلية، بين شرق روسي الاصل واللغة، وغرب اوكراني غربي يتكون من اراض كانت جزءا من الامبراطوريتين النمساوية والهنغارية علاوة على جزيرة روسية اصلا (سيريميا) اهداها نيكيتا خورتشوف الى اوكرانيا وهو في حالة سكر شديد بفعل تأثير الفودكا.
الخلاف بدأ عندما رفض يانوكوفيتش رئيس اوكرانيا المنتخب توقيع اتفاقية تجارية مع الاتحاد الاوروبي تحت ضغط مباشر من فلاديمير بوتين مقرون بصفقات غاز رخيصة، و15 مليار دولار من الهبات والقروض الميسرة، واتفاق تجارة مواز بشروط افضل، ولكن “الثورة البرتقالية” المدعومة من الغرب رفضت هذا التصرف من قبل رئيس ترى انه يتربع على رأس نخبة فاسدة لا يمكن اطاحتها من السلطة بالوسائل الديمقراطية، ونزلت الى ميدان الاستقلال في وسط العاصمة كييف للتعبير عن غضبها، والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، ونظام حكم فيدرالي على الطريقة الالمانية يحول رئيس الجمهورية الى رئيس صوري تشريفي بلا مخالب او انياب.
الرئيس بوتين رجل روسيا القوي يدرك جيدا ان الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يفجرون الازمة في اوكرانيا للرد عليه في سورية وجورجيا، ولكنه مثلما تصلب في سورية، ودعم نظام الرئيس بشار الاسد سيتصلب اكثر في اوكرانيا التي يعتبرها جزءا اساسيا من دائرة النفوذ الروسي، ويرى ان المعارضة “البرتقالية” تنفذ “مؤامرة” امريكية لانتزاعها.
روسيا عانت ولاكثر من عشرين عاما من الاذلال الامريكي الغربي، ولم تخسر امبراطوريتها السوفيتية فقط، وانما هيبتها كقوة عظمى ايضا، ويبدو ان الرئيس بوتين يريد استرداد هذه الهيبة بكل الطرق والوسائل حتى لو ادى ذلك الى استخدام القوة العسكرية.
بوتين ارسل قواته لاحتلال جورجيا عندما تمردت على بلاده وحاولت ان تكون حصاد طروادة للغرب في الجوار الروسي، مستغلا افتتاح دورة بكين للالعاب الاوليمبية، ومن غير المستبعد ان يستخدم الاسلوب نفسه في حال استمرت الدول الغربية في تحريض المتمردين ضد نظام حليفه في كييف.
صباح الجمعة، وبعد استخدامه القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين في ميدان الاستقلال وسط كييف العاصمة الاوكرانية، اعلن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش قبوله بالانتخابات رئاسية مبكرة هذا العام (موعدها منتصف العام المقبل) تجاوبا مع طلب المعارضة، ولكن من غير المتوقع ان يؤدي هذا التنازل الى تهدئة الاوضاع.
بعض اوساط المعارضة السورية رحبت بانفجار الوضع في كييف انطلاقا من افتراضية تقول بأن هذا الانفجار سيشغل الرئيس بوتين عن سورية والحرب فيها، وهو افتراض ينطوي على بعض الصحة جزئيا من حيث النظر اليه عن بعد، ولكن علينا ان نتذكر ان اوكرانيا في قلب اوروبا، وعدم الاستقرار فيها سيمتد الى دول عديدة في القارة، مضافا الى ذلك ان روسيا تتحكم بكل امدادات الغاز اليها، وان من يحكمها حاليا ليس برجنيف الهرم، ولا يلتسين السكير، ولا غورباتشوف المستسلم وانما فلاديمير بوتين الذي يطمح الى اعادة الامبراطورية الروسية الى ايام عظمتها.
الحرب الباردة اشتعلت مع فارق اساسي عن نظيرتها السابقة، وهو ان الامبراطورية الامريكية تعاني من اعراض الانكماش والامراض الداخلية المستعصية على العلاج، بينما روسيا استطاعت تجديد شبابها، وتعزيز اقتصادها، والخروج من عنق الزجاجة، وتجد الصين الى جانبها وليس في الخندق الامريكي، او حتى المحايد مثلما كان عليه الحال في السابق.
بوتين يكسب حتى الآن، وحول موسكو الى “محج” للغاضبين من واشنطن وسياساتها، وما اكثرهم هذه الايام.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية