أوكرانيا بالعربية | بماذا تنذر المشاهد فى عواصم القرار... بقلم فادي عيد
كييف/أوكرانيا بالعربية/نت متابعتنا لما يحدث داخل الحدود السورية نرى بوضوح شكل الصراع الدولي الحالي فى مسرح مصغر من الحرب العالمية الثالثة، فشمال سوريا يحكى الكثير عن المعارك الضارية بين الجيش التركي والجيش الحر من ناحية والاكراد من ناحية وداعش من ناحية والجيش السوري من ناحية وتنظيمات ارهابية خرجت عن حاكمها من ناحية أخرى ...الخ، وبالجنوب نرى حربا اخرى بين الجيش السوري وحزب الله من ناحية وجيش الاحتلال من ناحية اخرى، وبالشرق السوري نرى صراعا أخر بين الجيش السوري وعشرات التنظيمات الارهابية التى تتغير أسمائها كل يوم وربما كل ساعة، فحالة الصراع العسكري بكافة الاراضي السورية وصلت ذروتها فى ظل خوض الفصائل السورية المسلحة حرب بالوكالة عن بعض الاقطاب الدولية والانظمة الاقليمية على الارض السورية، ولكن الجديد الان هو مشاهدة موجة حراك جديدة فى اروقة الدول المجاورة لسوريا او خطوات تصعيدية من قبل القوى الدولية تنذر بأن هناك مرحلة جديدة سوريا مقبلة عليها، وبتأكيد وبعد أن نستعرض ابرز ملامح تلك التغيرات والتحركات ستظل الدماء السورية التى تنزف هى القاسم المشترك فى كل المراحل بما فيها المرحلة الجديدة.
فبعد ان نفذ الجيش التركي عملية درع الفرات وانهى المرحلة الاولى بجرابلس ثم المرحلة الثانية ببلدة الراعي بات يتأهب نحو مدينة الباب، ففى حالة سيطرة الجيش التركي على مدينة الباب سيكون وجه ضربة مدوية لكافة الاطراف المتشابكة معه على الارض السورية سواء تنظيم داعش او الاكراد او الجيش السوري نفسه، وبتأكيد سيتأهب بعدها الجيش التركي لما هو ابعد من ذلك وليس فى شمال سوريا وحدها بل وشمال العراق أيضا، الامر الذى تأكد بعد تصريحات أنقرة الاخيرة تجاه الموصل وتصويت البرلمان التركي لتمديد مهمة القوات التركية خارج حدودها عاما اخر، فبعد انتقاد اردوغان لمعاهدة سيفر ولوزان يجب ان نعلم كل اليقين ان القوات التركية التى ستتمدد فى الموصل او شمال سوريا لن تعود لديارها مجددا، كي تكرر انقرة مشهد لواء الاسكندرونة مرة اخرى، ولكن فى تلك المرة بسوريا والعراق وليس سوريا وحدها.
كما ينتظر المهتمون أي جدسد سيسفر عنه لقاء بوتين واردوغان فى اسطنبول على هامش المؤتمر العالمي للطاقة فى اليوم العاشر من الشهر الجاري.
واذا أردنا الانتقال لباقي دول الجوار السوري بعد مشاهدة الوضع فى تركيا، وأذا توجهنا شرق سوريا سنرى مشاهد بسرعة البرق تتم فى المملكة الهاشمية، فبدون أي مقدمات يوم الاحد الماضي الموافق 2اكتوبر احال ملك الاردن رئيس هيئة الاركان الفريق مشعل الزبن للتقاعد وتعيين اللواء ركن محمود عبد الحليم فريحات القائد المباشر للمنطقة الشمالية الاردنية العسكرية وهو ابرز الخبراء بخصوص الاوضاع الامنية بالحدود السورية الاردنية كرئيس للاركان خلفا لمشعل الزبن، واذا كانت سرعة المشهد تركت نوع من المفاجاة لدى الرأي العام فمن يعلم ان اللواء محمود فريحات هو السابع فى الترتيب الهرمي للقيادة العسكرية الاردنية سيشعر بأهمية تلك الخطوة التى قد تكون لبداية تغييرات لباقي أجهزة الامن والمعلومات بالاردن، بعد ان طلب العاهل الاردني من رئيس الاركان الجديد إعادة هيكلة القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية.
وبكل تأكيد غرفة الموك (غرفة ملتقى اجهزة الاستخبارات المعنية بالحرب السورية) وحدها تكفي لشرح علاقة الاردن بالحرب السورية وتأثيرها فى المجريات بالداخل السوري.
وبمصر جاء خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء أفتتاح مشروع أسكان "غيط العنب" حاملا للعديد من الرسائل بعد أن خرج الرئيس المصري من سياق الحديث عن المشروع قائلا "فيه دولة وفيه قوات مسلحة، وفيه وزارة الدخلية ولن يستطيع أحد أن يمس الدولة المصرية، وأنا مش بخوف حد، بس هناك تخطيط إن الجيش يفرد في مصر خلال 6 ساعات، لحماية الدولة، محدش يفتكر إننا هنسبها أو نسمح إنها تضيع مننا ونضيع الناس معانا، وأنا مسئول أمام الله والناس، وأمام التاريخ على الدفاع عن مصر وحمايتها لآخر لحظة"
وهي الكلمة التى شبهها الكثيرين بخطاب الست ساعات لبطل الحرب والسلام الشهيد انور السادات بعد نصر أكتوبر العظيم، وأتت رسائل الرئيس المصري فى ظل دعاوي جماعة الاخوان الارهابية للاحتشاد يوم 11نوفمبر المقبل، وفى ظل غضب غربي شديد من مصر لموقفها الداعم لوحدة واستقرار الشقيقة الليبية، وبعد ذلك المشهد بأيام قليلة وبالتحديد فى4 اكتوبر الجاري ترأس الرئيس عبد الفتاح السيسى اجتماعاً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بكامل أعضائه.
وبالسعودية التى تعد واحدة من اكثر المتداخلين بالملف السوري لم تكتفي بتوجيه دعم جديد من السلاح للمعارضة السورية بل ارادت ان توجه رسالة لمصر بعد لقاء ولي العهد السعودي محمد بن نايف بالرئيس التركي فى أنقرة، وهنا لا اتعجب من كيف تتحالف الرياض مجددا مع اردوغان التى تلاعب وتاجر بها فى كل المراحل، فيبقى اردوغان الحليف الاول لطهران التى ترى فيها السعودية العدو الاوحد لها على وجه الارض، ولكن ما تعجبت له مغزى الرسالة التى ارسلتها الرياض للقاهرة عبر لقاء اردوغان بشاشة قناة روتانا خليجية (السعودية) وهجومه السافر على الدولة المصرية وقيادتها.
وساذج من يرى ان بالرياض جناحين واحد يقوده محمد بن سلمان متفاهم مع مصر والاخر يقوده محمد بن نايف متعاون مع تركيا نكاية فى مصر، الرياض لديها فى سياستها الخارجية بوصلة واحدة فقط، ومن الذكاء السياسي عدم قطع "شعرة معاوية" وهى الشعرة التى دائما تكون بيد الرجل الاول (محمد بن سلمان) ولذلك تم ارسال الرجل الثانى محمد بن نايف لتركيا وتم منحه وسام الجهورية التركية برغبة من اردوغان، وليس بتدخل من الامير محمد بن نايف كما حدث بباريس فى مارس الماضي أثناء تسلمه جوقة الشرف بقصر الاليزيه، فبعد ان باتت الرياض وانقرة فى معادلة واحدة لدى واشنطن، وهو الامر الذى تجلى بعد محاولة انقلاب منتصف تموز الماضي وقانون جاستا، كان من الطبيعى ان نرى مشهد يجمع بن نايف واردوغان معا، وربما بن سلمان واردوغان قريبا، ومن يريد الاستفسار أكثر عن تلك المعادلة الامريكية تجاه الرياض وانقرة، فهى بكل بساطة المعادلة التى يتبعها رعاة البقر مع اغنامهم عندما تستنزف خيراتهم.
فالقيادة السعودية ترى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يسير على هوى المملكة فى أغلب ان لم يكن كافة تحركات السعودية بالاقليم، بداية بحرب اليمن التى حذرت فيها مصر السعودية من الانزلاق فى مستنقع لا نهاية له، وصولا برفض مصر دعم الارهاب سواء فكريا (مؤتمر اهل السنة والجماعة بغروزني) او عسكريا (عندما قال السيسي فى كلمته امام الامم المتحدة لا مكان للتنظيمات الارهابية فى سوريا) قبل ان يأتى التاكيد على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري بأن هناك تباين في الرؤى بين بلاده والسعودية بشأن تسوية النزاع في سوريا، خصوصا حول ضرورة تغيير النظام السوري ولو بالقوة العسكرية وعدم ترك مسألة بقاء الاسد من عدمه للشعب السوري نفسه.
ولذلك كانت سرعة توجه مصر نحو الاقتراض من صندوق النقد الدولي، واعمال استكشاف واستخراج الغاز والنفط و تهيئة معامل تكرير البترول والدخول فى عالم مصادر الطاقة المتجددة ما هى الا خطوة هامة لاعتماد مصر على نفسها امام اي تحديات قد تلوي ذراع مصر وارادتها السياسية الحرة قبل دفع عجلة الاقتصاد المصري.
وبالولايات المتحدة وفى يوم 27سبتمبر الماضي أجتمع مسؤولين أمنيين وممثلين عن وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية وهيئة الأركان المشتركة من القوات المسلحة الأمريكية في البيت الأبيض لمناقشة خطة تنفيذ ضربات عسكرية محدودة ضد النظام السورى خلال جلسة مجلس النواب، كما تمت أيضا مناقشة المسألة نفسها على مستوى "لجنة كبار المسؤولين" يوم 5 اكتوبر الجاري، وذلك الامر يعد تحول خطير ومباشر من واشنطن تجاه سوريا والانتقال لمرحلة جديدة كليا فى التعامل مع الملف السوري التى ارادت الولايات المتحدة له منذ البداية ان يكون بؤرة استنزاف لكافة الاطراف المتداخلة فيه، وهنا يجب ان نتمعن فيما ينتظر سوريا بأخر ايام اوباما، فكل ما يسير ويتم بالولايات المتحدة حاليا يقول أننا مقبلين لسماع ما بعد صوت طبول الحرب.
وبعد مشاهدة الوضع بواشنطن خلال الايام القليلة الماضية من الطبيعى ان نسلط الضوء بالطرف المضاد فى موسكو، فروسيا التى استشعرت ان الولايات المتحدة قد تتخذ خطوات تصعيدية ضد بشار الاسد كثفت فى الاونة الاخيرة من دعم قواتها بسوريا سواء عبر ارسال مزيد من المقاتلات الجوية او حاملات الطائرات الى ان أعلنت وزارة الدفاع الروسية فى 4 أكتوبر الجاري أن منظومة صواريخ "أس 300" وصلت سوريا لحماية القاعدة العسكرية الروسية البحرية في طرطوس، وفى حقيقة الامر هى تتواجد لردع الخطة الامريكية "ب" كما تفكر موسكو فى اغلاق المجال الجوى بالمناطق التى يسيطر عليها الجيش السوري كي تقطع الطريق على ما تنوي واشنطن او حلف الناتو القدوم عليه تجاه سوريا الفترة المقبلة.
ولم تقف موسكو عند مناوراتها السياسية مع واشنطن على الرقعة السورية او القرمية، بل قامت القوات الروسية بإرسال فرقة من مشاة البحرية إلى مصر للمشاركة بتدريبات عسكرية دولية لمكافحة الإرهاب، لكي تسجل تلك الفرقة اول انزال لروسيا فى قارة افريقيا، وستركز التدريبات بين فرق مشاة الجيشين الروسي والمصري على رفع مستوى التفاعل المشترك في مواجهة التنظيمات المسلحة غير الشرعية في الظروف الصحراوية القاسية، وهى البيئة التى لم يخوض فيها الجندى الروسي تدريبات من قبل، فموسكو اعدت نفسها للحظة التى تنتقل فيها واشنطن للخطة ب بسوريا، وربما نرى خطة "ب" اخرى فى اوكرانيا بعد رغبة يوليا تيمشنيكو فى العودة مجددا لمسرح الاحداث ونيتها فى تنظيم سلسلة تظاهرات ضخمة بالعاصمة الاوكرانيية كييف، كما ان الصراع والخلاف بين موسكو وواشنطن لم ينحصر فى سوريا واوكرانيا فقط بعد ظهور خلافات اتفاقية تدوير البلوتونيوم على السطح.
بكل تأكيد ليس ما ذكرناه هو كل المشاهد الهامة والساخنة، فليبيا وحدها تحمل العديد برغم تناولنا للمشهد الليبي تفصيليا كثيرأ، فليبيا وحدها تعكس حجم الصراع بين مصر التى تضع امن ووحدة ليبيا فى المقام الاول والحلف الغربي الذى يضع نفط ليبيا اول اهتماماته واموالها ببنوك جنوب افريقيا اخر اهتمامته، وبين مصر التى تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز بمياها الاقليمية والتى قد تصل لاوربا عبر قبرص وروسيا التى تكبد اقتصادها خسائر كثيرة جراء تمديد العقوبات الاوربية عليها وتضرر مصالح خطوط غازها لاوربا، كما أن المشهد اليمني أيضا يحمل من التطورات والتعقيدات التى لايكفينا فيها مقالا واحدا، ولكن اردنا بذلك التقرير تسليط الضوء على احدث المشاهد التى ربما لم يسلط عليها الاعلام بعد الضوء الكافي.
حقيقة الامر ان ما يحدث من تغيرات جذرية بعواصم القرار، وسرعة وتيرة النشاط بغرف المعلومات التى باتت واضحة للعين المجردة بكافة عواصم الاقليم والقوى الدولية تقول ان ليست سوريا وحدها المقبلة على مرحلة جديدة أو الخطة "ب" بل ربما الساحة الاقليمية والدولية كلها قد تدخل مرحلة جديدة أكثر سخونة فى معركة تكسير العظام التى بدئت بشكل مباشر مع بداية ثورات الربيع العربي، فاذا كانت المملكة العربية السعودية اعتمدت التقويم الميلادي فى صرف رواتب الموظفين بدلا من الهجري، فالتقويم السياسي لعام 2017م بدأ قبل اوانه بثلاثة أشهر.
فادى عيد
الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط
المصدر: أوكرانيا بالعربية