أوكرانيا بالعربية | أزمة أوكرانيا تعقد الشرق الأوسط وتضعف أمريكا... بقلم آرون يفيد ميلر
كييف/أوكرانيا بالعربية/سيادة أوكرانيا لن تكون وحدها المصيبة، فهناك الجهود التي يبذلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتأكيد نفوذ ومصالح روسيا في إقليم القرم، فما زال مبكرا تقييم مسعى الرئيس الروسي في إدارة هذه الأزمة وما هي تداعياتها، ولكن يبدو أكثر وضوحا أنه إذا كان بوتين سيخرج من هذه الأزمة منتصراً أو مهزوما أو منسحباً، فإن ذلك سيجعل الوضع صعبا في الشرق الأوسط بل ويزيده تعقيدا.
وسواء ربح بوتين في أوكرانيا أم خسر، فإن احتمالات أن تكون روسيا شريكاً موثوقاً للولايات المتحدة تناقصت بشكل درامي. وهذا ما يزيد الأمر إيلاما: عندما تأتي إلى القضايا الجوهرية التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يجب أن تركز الولايات المتحدة على النتائج، وليس الحلول، وأن تكون واعية لما يمكن أن تقوم به للمساهمة في النتيجة.
حتى الآن فإن حظوظ بوتين، مثل حظوط الرئيس السوري بشار الأسد، فكيفما اتجهت الأزمة مع وجود استثناء وحيد، يبدو النظام السوري مستفيدا منها، والاستثناء، وهو الأكثر استبعاداً، هو أن يضعف بوتين بسبب سياسته الخرقاء في أوكرانيا، أو رد فعل غير معهود من الولايات المتحدة والغرب، يمكن أن يدمره بشكل كامل ويضعفه، أو يطيح به من السلطة. وهذا غير مرجح.
احتمالية أن يخرج بوتين من الأحداث في أوكرانيا بالنصر، سيمثل فقط مزيدا من الدعم للأسد وإلى أبعد مدى، وترويجاً للثقة في بوتين والتي ترتفع في الشارع الروسي. وبعد ذلك كله ، في سبتمبر تدخل بوتين بشكل بارع مستخدما الدبلوماسية لوقف العمل العسكري الأمريكي، بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
ويظهر بوتين الآن واقفا في مواجهة المجتمع الدولي، ومستعدا لاستخدام القوة لحماية مصالح روسيا في أوكرانيا، ومن الواضح أنه لم يخطط لفعل ذلك في سوريا، ولكن انتصارات روسيا بشكل جزئي في وجه الخطاب الغربي الرنان، والخطوط الحمراء، هو ما يدعم قناعة الأسد بأنه يراهن على الحليف الصحيح.
مكسب بوتين، الحفاظ على النفوذ الروسي القوي في أوكرانيا، الذي يدمر بوضوح السيادة الأوكرانية، ويترك روسيا أقوى، والدولة التي يمكن الاعتماد عليها بشكل أكبر كحليف وشريك في عيون الأسد، وربما إيران أيضاً.
وبالرغم من أن إيران تقريبا لا تعتمد على روسيا بذات المقدار الذي يعتمد فيه الاسد، ينظر المرشد الأعلى علي خامنئي للأزمة، ويرى أن روسيا تقف في وجه الغرب الواهن. وسوف يقيس التيار المتشدد في إيران النتيجة من مقياس هامش المناورة، في الحفاظ على تطلعاتهم للحصول على أسلحة نووية.
روسيا لم تكن حساسة مثل أمريكا فيما يتعلق باحتمال أن تصبح إيران دولة على العتبة النووية. إيران سوف تبرم صفقة مع الولايات المتحدة بشأن القضية النووية، إذا حصلت على الشروط التي تريدها، بغض النظر عما يعتقد بوتين. ولكن نظرا للخلاف الطويل بشان الاتفاق الشامل، الذي يمكن أن يفشل المسار الدبلوماسي، فإنه يبدو أن بإمكان طهران الاعتماد على روسيا لمنع الإجراءات العقابية في مجلس الأمن الدولي، وتثبيط استخدام الولايات المتحدة للعمل العسكري.
هزيمة بوتين في أوكرانيا، لن تساعد كثيراً في قضايا الشرق الأوسط، مالم توجه الأزمة بطريقة ما الضربة القاضية لبوتين. أما بوتين المعاقب، فقد يصبح أكثر مشاكسة وتمردا في التعاون مع المجتمع الدولي فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، ولكن بكل الطرفين فإن الروس مصممين على إحباط حلول الولايات المتحدة لقضايا الشرق الأوسط. رد الفعل على الجهود الغربية، للتعامل مع ما يراه بوتين المجال الحيوي للنفوذ الروسي، سيخلق نوعا من الحرب الباردة المصغرة، فيما بقي من زمن لإدارة الرئيس أوباما، وربما بعدها، مما يجمد التعاون المثمر بين الولايات المتحدة وروسيا في جميع المجالات.
الأبعد من ذلك، يتعين على روسيا العمل على إيجاد طريقها في أوكرانيا، القوى الاصغر ستأخذ الملاحظات، وبالتحديد تلك الشعوب التي يمكن أن تكون مصالحها مع الغرب والولايات المتحدة.
روسيا ليست قوة صغرى، ولكنها تقف في وجه أمريكا والغرب، وبالنسبة للقوى الحقيقية الأصغر، كيف سيتصرف "الكبار" حينما يواجهون تحديا من الصغار. وهل سيعير السوريون والإيرانيون والكوريون الشماليون اهتماماً للحلول الغربية. سوف يكون أمراً جيدا إذا ما تصرفت روسيا في أوكرانيا بدون تكلفة وعواقب.
إسرائيل ليست صديقة لروسيا وليست عدواً للولايات المتحدة، ولكن إسرائيل رأت ما تعنيه كلمات الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بعزمها على مواصلة سياسة التسوية، وتهديدها باستخدام القوة في سوريا، وحتى ضد إيران. واستنتجوا أن هذا الكلام لا يعني الكثير.
السعوديون وصلوا إلى عدة استنتاجات مماثلة حول رغبة إدارة أوباما في أن تقول ما تعنيه، والأهم من ذلك، أن تفعل ما تقول.
على مر السنين، دخل الأمريكيون في مشاكل عندما كانت مسألة حماية مصداقيتهم هي أول وآخر اهتماماتهم، في تحد للشعور العام والسياسة الحكيمة.
المصداقية تأتي من قابلية التصديق، عندما يتحدث الرئيس في السياسة، فإنه سيبلي البلاء الحسن في كلامه، إذا احتاج لذلك، وما لم تكن هناك كلفة وعواقب على قول "لا "للوليات المتحدة، فإن ثقة الشارع في الولايا ت المتحدة سوف تكون صفرا، وإذا ما أرادت الولايات المتحدة إصلاح مصداقيتها عن طريق القيام بفعل مغفل وغبي أو مبالغ فيه فإنها سوف تدمر ما تسعى إلى إصلاحه.
ثقة الشارع بإدارة أوباما منخفضة جدان الجميع يقولون لا للولايات المتحدة، وبدون أن عواقب على ما يبدو، الأسد، بوتين، الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ويبدو أن الولايات المتحدة بدلا من الحصول على كلمة نعم، باتت تحصل على "نعم، ولكن" من أصدقائها وحلفائها على غرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ونوعا ما يأتي هذا من بناء الولايات المتحدة توقعات عالية، ومن الخطأ في استقراء الطريقة التي يسير بها العالم، والاستخفاف بما يمكن أن تكون عليه القوى الأصغر، وجاء كذلك من حقيقة أن الولايات المتحدة لا تسيطر على العالم الآن، ولم تفعل ذلك أبداً في السابق.
لدينا رئيس يكره المخاطرة بشدة، ويركز على الشأن الداخلي ، بشكل أكبر من اهتمامه بالسياسة الخارجية، وهو قائد ملتزم بمساعدة الطبقة الوسطى، أكثر من الشرق الأوسط ومشاكله غير القابلة للحل.
الرئيس يواجه أزمة في أوكرانيا، حيث الجغرافيا، والتاريخ، والقرب المكاني، تخدم بوتين، وتترك واشنطن في موقف ضعيف، وقد يكون الحفاظ على ماء الوجه هي النصيحة التي يمكن تقديمها هنا، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فإنه قد يكون فيه نوع من الظلم، لأن أوباما أمام خيارات سيئة، وقد بدأ الحكم على أميركا بأنها قوة ضعيفة وعاجزة.
وفيما يخص الشرق الأوسط، وبغض النظر عما ستؤول إليه الأزمة الأوكرانية، فإن حظوظ الرئيس، سوف تبقى على حالها، الولايات المتحدة ستظل مغلولة في قيود بوتين، وهو ليس صديقاً، وملتصق في إقليم، لا يمكن أن يقوم بإصلاحه ولا بمغادرته.
آرون يفيد ميلر
باحث في مركز ويلسون الدولي للأبحاث
مفاوض سابق في الشرق الأوسط بعهد الإدارة الجمهورية بالولايات المتحدة
المصدر: سي ان ان