أوكرانيا بالعربية | أزمة أوكرانيا.. النهاية لم تكتب بعد... بقلم أحمد سيد أحمد
كييف/أوكرانيا بالعربية/لم ينه عزل الرئيس يانوكوفيتش وملاحقته قضائيا عقب التطورات الدراماتيكية المتسارعة، وتعيين رئيس البرلمان أوليكسندر تورتشينوف رئيسا للبلاد وتشكيل حكومة مؤقتة تمهيدا للانتخابات البرلمانية والرئاسية فى مايو المقبل، الأزمة السياسية فى أوكرانيا، بل بداية فصل جديد فى أزمة تأخذ أبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية.
أبرز جوانب التعقيد فى الأزمة الأوكرانية هو صراع الهوية ما بين التوجه شرقا صوب روسيا أو التوجه غربا ناحية أوروبا، والذى طفا على السطح فى نهاية نوفمبر الماضى عقب تعليق يانوكوفيتش التوقيع على اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبى لتمهيد الطريق مستقبلا أمام انضمام أوكرانيا للاتحاد، مما ساهم فى تكريس حدة الاستقطاب على مستويين، الأول داخلى بين أنصار التوجه شرقا بزعامة يونوكوفيتش ومعه حزب الأقاليم الحاكم، وأنصار التوجه من المعارضة مثل يوليا تيمشنكو وزعيم حزب «الوطن» أرسنى ياتسنيوك، وبطل الملاكمة فيتالى كليتشكو، الذين دخلوا فى احتجاجات واعتصامات مفتوحة فى ميدان الاستقلال اعتراضا على سياسة يونوكوفيتش الموالى لروسيا، وانتهت بأحداث عنف دموية راح ضحيتها عشرات القتلى مما ساهم فى السقوط المدوى ليونوكوفيتش وأنصاره وسيطرة المعارضة على المشهد السياسى. والثانى خارجى ما بين روسيا، التى تعتبر أوكرانيا جزءا أصيلا من محيطها الحيوى ومن تشابكاتها الاقتصادية والاجتماعية، وحائط صد لا يمكن التفريط فيه أمام التغلغل والتوسع الغربى شرقا لمحاصرتها، وما بين أوروبا، ومن ورائها الولايات المتحدة، وتسعى لجذب أوكرانيا لفضائها الاقتصادى والاجتماعي. وسعى كل طرف لاستخدام ما لديه من أوراق لحسم الصراع لصالحه، وسجلت موسكو بالفعل نقطة لصالحها فى ديسمبر الماضى عندما قامت بشراء سندات حكومية أوكرانية بقيمة 15 مليار دولار وتخفيض أسعار الغاز المصدر لكييف لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية مما عزز من موقفيونوكوفيتش، إلا أن الاتحاد الأوروبى رد بأسلوب العصا وهدد بفرض عقوبات على أوكرانيا ورفض صندوق النقد الدولى إعطاء قروض لها.
وبالطبع انعكس الصراع الروسى الأوروبى على أوكرانيا فى زيادة حدة الاستقطاب بين النظام والمعارضة التى قامت بالتصعيد وساهم أسلوب يونوكوفيتش الخاطئ فى إدارة الأزمة باستخدامه القوة المفرطة لفض اعتصام ميدان الاستقلال فى سرعة سقوطه، خاصة بعد غياب روسيا، عن اتفاق الحكومة والمعارضة بإجراء انتخابات مبكرة، حيث اكتفت بسحب سفيرها وانتقاد المعارضة واتهامها بالسيطرة عنوة على السلطة، غير أن انتصار الاتجاه الأوروبى لا يعنى أنه حسم المعركة، فأوكرانيا بالفعل منقسمة بشكل متساو تقريبا بين سكان شرق وجنوب البلاد، الذين يعتبرون أنهم امتداد لروسيا وينحدر معظمهم من أصول روسية ويتحدثون لغتها وأن مستقبلهم الاقتصادى فى الانضمام للاتحاد الجمركى الروسى الذى يضم أيضا بيلاروسيا وكازخستان، وبين سكان الغرب والشمال، الذين يعيشون وفقا للنمط الأوروبى ويرون أن طموحاتهم وأحلامهم بالرخاء سوف تتحقق مع الانضمام للاتحاد الأوروبي. لكن الخيار الأوروبى يواجه بتحديات عديدة أولها الأزمة الاقتصادية المستفحلة التى تعيشها البلاد وتحتاج إلى أكثر من 60 مليار دولار فورية لانتشالها من عثرتها وتسديد الديون الدولية، وثانيها أن تجربة أنصار الثورة البرتقالية السابقة فى 2004 وحتى 2010 لم تحقق طموحات الشعب، بل زادت الأوضاع الاقتصادية سوءا مع انتشار الفساد مما مهد الطريق لعودة أنصار روسيا تحت قيادةيونوكوفيتش، وثالثها أن روسيا لن تسلم أو تقبل بسهولة التضحية بأوكرانيا وتعتبر أن ما حدث ضربة لها، وفى ظل علاقاتها غير الجيدة مع زعماء المعارضة فإنها سوف تصعد من أسلوب العصا وتتخذ خطوات عقابية على أوكرانيا سواء تضييق الخناق على تجارتها التى تمر من أراضيها أو رفع أسعار الغاز إليها أو وقف استيراد منتجاتها، أما الاتحاد الأوروبى فإنه سوف يميل لاستخدام أسلوب الجزرة لتحفيز أوكرانيا على الإسراع بتوقيع اتفاق التجارة الحرة، وتقديم المساعدات الاقتصادية وقروض صندوق النقد.
وبالتالى أحداث أوكرانيا الأخيرة من شأنها أن تزيد من حدة الصراع الروسى الأوروبى وزيادة حدة الاستقطاب الداخلى على غرار ما يحدث فى دول الربيع العربي، خاصة مع ظهور العديد من الاحتجاجات والمظاهرات فى مدن شرق أوكرانيا، وإنما ضد توجهات المعارضة وهو ما يعنى استمرار الصراع السياسى الداخلي.
المخرج من أزمة أوكرانيا يكون أولا بترسيخ الديمقراطية وإنهاء الاستقطاب السياسى وتحقيق التوافق والمصالحة بين كل أبناء الشعب والاتفاق على شكل مستقبل بلدهم وهويته، وثانيا بتكريس حالة الاستقلال وعدم التبعية سواء لروسيا أو أوروبا، فكلا الخيارين يعنى استمرار الأزمة، كما يمكن لأوكرانيا أن توظف التنافس الروسى الأوروبى عليها لخدمة مصالحها والاستفادة من مزايا التوجهين لتحقيق التنمية والخروج من أزمتها الاقتصادية، وبدون ذلك فإن الأحداث الأخيرة ليست سوى فصل فى مشهد لم تكتب نهايته بعد.
أحمد سيد أحمد
المصدر: الأهرام المصرية