أوكرانيا بالعربية | "أردوغان" علي خُطى "مرسي"... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/هناك علاقة وثيقة لا تخفي علي أحد بين النموذج التركي لحكم الإخوان والنموذج المصري له ، وما فتىء الإخوان يروجون لهذا النموذج ، ويسعون لاستنساخه، باعتباره النموذج الإسلامي الذي يتعين احتذاء خطاه ، باعتباره العلاج الأنجع لمشاكل مصر التي خلفتها أنظمة الحكم المتعاقبة من زمن جمال عبدالناصر حتي سقوط نظام مبارك .
خاصة أن هناك ارتباط عضوي بين رأسي النظامين المصري والتركي بجماعة الإخوان، فكلاهما عضوان بجماعة الإخوان المسلمين، وأفكارهما معينها الأيديولوجي واحداً وهو الفكر الإخواني أو الأيديولوجية الإخوانية المتمسحة بالإسلام . وقد ذهب هذا الإرتباط إلي حد إقصاء السيد / مرسي للوكالة الرسمية للدولة المصرية المتمثلة في وكالة أنباء الشرق الأوسط ، وبث أنباء الدولة المصرية من وكالة أنباء الأناضول التركية .
وأصبحت أنقرة هي القبلة السياسية لجماعة الإخوان في مصر ، والشريك في رسم السياسة المصرية. والجماعة كانت مدفوعة بالفكرة الأممية حول إعادة الخلافة الإسلامية منذ إنشاءها ومعبرها لأوروبا وأمريكا، وأردوغان تعبث بخياله أوهام بعث الخلافة العثمانية البائدة من جديد ، وإعادة الحكم التركي للمنطقة، ومعبره في ذلك مصر، وأداته جماعة الإخوان . والطريف في الأمر أن الحكم الإخواني قد بدأ في تركيا منذ 2002 م ، وبدأ في مصر 2012م ، أي بفارق عشر سنوات ، ومع ذلك فقد سارع النظام الإخواني في مصر إلي السقوط بعد سنة واحدة ، مع أنها الدولة المركز للجماعة .
أما النظام الإخواني في تركيا فقد تبدت للعيان بوادر سقوطه وأسباب هلاكه . وما بين السقوطين ـ الواقع في مصر والمحتمل في تركيا ـ جرت في النهر مياه كثيرة . فرغم العك السياسي الذي مارسته الجماعة في تجربتها في مصر وهي الدولة المركز للجماعة ـ وعدم قدرتها علي الإستفادة من تجربتها في السودان وتركيا ـ إلا أنها مارست أبشع صور الكبر والإستعلاء والكذب ـ الإنهيار الأخلاقي ـ والفساد المالي والإداري والسياسي ، فلم تراجع نفسها علي ضوء المعطيات الناتجة عن الممارسات الخاطئة لها لتصحح مسارها ، وتتبن مواقع أقدامها . وقد تفرغ النظام الإخواني في مصر في إطار مساعيه للتمكين لمحاربة أجهزة الدولة لتفريغها من شاغليها وإحلال العناصر الإخوانية محلهم لملء هذا الفراغ ، ويرجع ذلك إلي تمكين آخر غير الذي كنا نفهمه ، فنحن كنا نفهم أن التمكين الذي تسعي إليه الجماعة هو تمكين الدين وليس الأشخاص ، أما الجماعة فقد فهمت أن التمكين للدين لن يتأتي إلا بتمكين الإخوان باعتبارهم حزب الله ، وغيرهم حزب الشيطان ، ولذا فقد سعوا بملء إرادتهم لتمكين أنفسهم وليس تمكين الدين ، فقد خلطوا عن قصد أو دون قصد الشخصي بالديني في دعوتهم . ومن هنا ظهرت الدعوات المحمومة لهيكلة الشرطة ، وإلغاء أمن الدولة ، ومحاولة غزو الأجهزة الأمنية السيادية ، وتطهير القضاء ، وإعادة الإعلام إلي جادة الصواب ، وعزل الفلول وملاحقتهم قضائياً ، والأصابع التي تلعب في مصر، والحارة " المزنوقة " .
وشيطنة المتظاهرين الذين حملوهم إلي كراسي الحكم ومطاردتهم وقتلهم ، وشيطنة المعارضين رفقاء الأمس وإقصاءهم وتهميشهم واتهامهم بتوفير الغطاء السياسي للمخربين والفاسدين . وقطع تلك الأصابع التي تلعب في مصر . وعندما هب الشعب المصري في وجه هذا النظام التتاري انبري أردوغان كمن لدغته حية رقطاء مدافعاً عن هذا النظام وعن مرسي ، مهاجماً مؤسسات الدولة وشعبها متهماً إياهما بأقذع الصفات وأحطها . وهو من أطلق إشارة رابعة الماسونية في إشارة إلي فض اعتصام رابعة العدوية ـ تلك الدويلة الموازية التي سعي الإخوان لزرع بذرتها بإيعاز أمريكي كذريعة للتدخل في مصر ـ لتصبح هي أيقونة الإخوان فيما بعد . فإذا بأردوغان يصاب بداء ميدان تقسيم فيتعاطي دواء قمع المتظاهرين دون حياء ، ويأتي بذات ما أخذه علي غيره وزيادة ، وقد رفض حزبه مطالبة المعارضة بإجراء انتخابات مبكرة في أعقاب هذه الأحداث ، وقد قال نائب رئيس الحزب : "الحكومة تعمل بانتظام.. لا شيء يستوجب إجراء انتخابات مبكرة". هو هو نفس موقف مرسي من دعوات المعارضة في مصر . ولما بدأت أجهزة الإعلام تنتقد سياسات أردوغان اتهمها بتشويه الحكومة ، يقول أردوغان : "هل تقومون بحملات كاذبة اعتمادا على أكاذيب ضدنا.. فليكن نحن الآن نستخدم حقوقنا الطبيعية ونبدأ حملة ضدكم ولن نشتري صحفكم ـ رويترز". ثم يقول في تصريحات متلفزة لأعضاء حزبه : "وسائل الإعلام فقدت مصداقيتها في هذا البلد ولذلك فأنا أطلب منكم يا أعضاء الحزب أن تبدؤوا حملة ضد وسائل الإعلام التي تنشر أنباء كاذبة وألا تأخذوا تلك الصحف إلى بيوتكم". هو ذات الطريق الذي سلكه مرسي من قبل . يقول أردوغان في مواجهة الإحتجاجات " تحلينا بالصبر وسنتحلى به، ولكنّ للصبر حدودا".وأضاف "لن نحاسب أمام مجموعات هامشية بل أمام الأمة.. الأمة أوصلتنا إلى الحكم وهي وحدها من ستخرجنا منه". وهي نفس فكرة الصندوق التي هيمنت علي منطق الإخوان في مواجهة خصومهم السياسيين . ثم تفجرت قضايا الفساد الكبري في نظام الإخوان التركي ، وقد طالت وزراء في الحكومة ، وأبناء وزراء ، ورجال أعمال ، ورجال بنوك ، وطالت نجل أردوغان ذاته ، قضايا رشوة وعمولات وغسيل أموال وتهريب .. الخ . وهاهي كرة اللهب تستعر في ذيل القط التركي ، فاندفع يخبط هنا وهناك ، في الشرطة والإعلام والقضاء ، ويتحدث عن المؤامرات في الداخل والخارج ، واندلعت الإحتجاجات في الشوارع مطالبة بالرحيل . وها هو أردوغان علي خطي مرسي ، من البرش إلي العرش إلي البرش .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية