أوكرانيا بالعربية | أوكرانيا وطريقها الصعب نحو استقلال كنيستها... بقلم أوليكساندر دانيليوك
25.11.2018 - 18:26
في مساعيها الرامية من أجل استقلال الكنيسة الأوكرانية عن الكنيسة الروسية "توموس"، سلكت أوكرانيا طريق الحق، فقد كانت كافة العقبات والمعوقات في هذا الطريق مصدرُها روسيا وحدها، ولم تكن هناك أية معوقات من طرف بطريركية القسطنطينية المسكونية، بل بالعكس، فقد لعبت إجراءات البطريرك برثلاموس دوراً بارزاً في تحقيق العدالة التاريخية كييف/ أوكرانيا بالعربية/ في مساعيها الرامية من أجل استقلال الكنيسة الأوكرانية عن الكنيسة الروسية "توموس"، سلكت أوكرانيا طريق الحق، فقد كانت كافة العقبات والمعوقات في هذا الطريق مصدرُها روسيا وحدها، ولم تكن هناك أية معوقات من طرف بطريركية القسطنطينية المسكونية، بل بالعكس، فقد لعبت إجراءات البطريرك برثلاموس دوراً بارزاً في تحقيق العدالة التاريخية.
لقد أصبح ذلك في الحقيقة، المعركةَ الكبرى والتاريخية في العالم الأرثوذكسي، حيث أدرك الأوكرانيون أثناء هذه المعركة بالضبط أن الدين يُعتبر مجالاً عسكرياً آخر خلال بقاء بلدهم تحت الاحتلال.
استخدمت روسيا في صراعها مع أوكرانيا كافة أساليبها المعتاد عليها في إدارة الحرب، وهي الكذب، والرشوة، والتهديد، والابتزاز، والضغط، ويتمثل أحد هذه الأمثلة في نشر الأخبار المُضلّلة حول محاولة الأوكرانيين "شراء" البطريرك برثالاموس. من المعروف أن آلة الدعاية الروسية تتسم بهكذا آليات للسيطرة على الرأي العام، حيث أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، أداة لتركيع المُجتمع منذ عهد ستالين.
تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد المواجهة بين البطريركين المسكوني والموسكوي، حيث تسعى الكنيسة الروسية منذ فترة طويلة من الزمن إلى سرقة هبة بطريركية القسطنطينية المسكونية.
فبع انهيار الاتحاد السوفيتي حصلت بعض الدول المستقلة والتي يُشكّل الأرثوذكسيون غالبية سكانها، على الحكم الكنيسي الذاتي داخل بطريركية القسطنطينية المسكونية بمجرد حصول تلك الدول على الاستقلال. وللنظر في هذه المسألة، ينبغي أن نستذكر تاريخ بعض الأزمات التي وقعت بين موسكو والقسطنطينية.
في عقد التسعينات من القرن الماضي، هدّدت موسكو القسطنطينية بقطع العلاقات معها على ضوء تعامل الأخيرة مع قضايا الكنيسة في كل من فنلندا، والولايات المتحدة، وكندا، وإستونيا، إلا أن تلك التهديدات لم تعقبها أية إجراءات أو خطوات حقيقية على الأرض. وتبدو تهديدات موسكو تلك مدعاة للسخرية، حيث أن الكنيسة الروسية لم تحصل أبداً على استقلالها عن القسطنطينية المسكونية، أي من الهيئة الأكثر قوة على الإطلاق في عالم الأرثوذكسية.
أما بالنسبة لصراع الكنيسة الأوكرانية من أجل استقلالها، فهو مستمر في الحقيقة منذ عدة قرون، ولكن العالم لم يدرك ذلك إلا مُؤخّراً، فلطاما كافحت أوكرانيا لاستقلالها روحياً عن الكنيسة الروسية بعد أن اُدخلت في حيز نفوذها جراء إجراءات غير قانونية من طرف السلطة آنذاك عام 1686.
ففي القرن العشرين كانت هنالك عدة محاولات لحصول أوكرانيا على الاستقلالية الكنيسية بطريقة قانونية، غير أن جميعها باءت بالفشل بسبب خوف السلطات الأوكرانية من موسكو.
وقد بدأت المرحلة الجديدة من هذا الصراع عام 1991، حينما أعلنت أوكرانيا عن استقلالها، وحينما بدأ الناس يتفهّمون أن القانون ينص على أن دولة مستقلة يحق لها أن تكون لها كنيسة مستقلة خاصيتها.
تم النظر في هذه المسألة أثناء اجتماع الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1991، والذي شارك فيه رجال الدين من عموم الأراضي الأوكرانية، وتم اتخاذ القرار بطلب موسكو لمنح الكنيسة الأوكرانية الاستقلالَ.
غير أن موسكو وبدلاً من التفكير بحل هذه المشكلة، شنت حملة شاملة النطاق ضد رئيس الكنيسة الأوكرانية الأرثذوكسية حينذاك فيلاريت (دينيسينكو)، أدّت في نهاية المطاف إلى عقد اجتماع غير قانوني آخر، أقال فيلاريت من منصبه الرائد في الكنيسة، وانتخب الروسي فلاديمير (سابودان) ليحل محله.
ونتيجة لذلك انقسمت أوكرانيا دينياً، فيما تم تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية فيها إلى الشطرين: الكنيسة التابعة لبطريركية موسكو والموالية لها، والكنيسة التابعة لبطريركية كييف التي عُزلت عن الأرثوذكسية العالمية جراء الموقف العدائي من الكنيسة الروسية، وبعد فترة أدت الإجراءات المُدمّرة للكنيسة الروسية لظهور الكنيسة الثالثة في أوكرانيا، وهي الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية المحلية.
هذا ويعيش المجتمع الأوكراني في هذا الوضع خلال السنوات الـ26 الأخيرة. ولم تنجح أية محاولة لتوحيد الأرثوذكسية الأوكرانية أثناء الفترات الرئاسية لأي من الرؤساء الأوكرانيين في تاريخ البلاد.
في شهر نيسان/ أبريل عام 2018 الحالي، وبعد المفاوضات بين الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو والبطريرك برثلاموس الذي يملك الحق الحصري في منح الاستقلال لأية كنيسة أخرى، تم إيجاد طريقة لحل هذه القضية، تتمثل في بحث الكنيسة الأوكرانية عن الاستقلال الكامل والشامل عن الكنيسة الروسية، في حين تعهّدت الكنيسة الأم، وهي القسطنطينية، بأن يرى ذلك النورَ.
وبهذا الهدف قامت السلطات السياسية (الرئيس والبرلمان)، وزعماء الكنيسة من كافة الكنائس الثلاث، بتقديم طلب للبطريرك للحصول على توموس (وثيقة الاستقلال) بعد الاجتماع للهيئة الرئاسية للكنيسة القسطنطينية والنظر في الطلب المقدم من طرف أوكرانيا، حيث تم اتخاذ القرار بمنحها إياه.
وقد واجهت تلك الإجراءات معارضة شديدة من جانب الكنيسة الروسية. فقد قام رئيس قسم العلاقات الخارجية لها إيلاريون ألفييف، بزيارة كافة الكنائس الأرثوذكسية لإقناعها بعدم الوقوف مع أوكرانيا في هذه المسألة، إضافة إلى أن ممثليها نشروا أخباراً مفبركة في أوكرانيا في محاولة للتأثير على المجتمع الأوكراني وتضليله حيال حصوله على الكنيسة المستقلة.
وفي 28 من شهر تموز/ يوليو الماضي 2018 وصل ممثلو برثلاموس إلى كييف للمشاركة في الاحتفالات الخاصة بالذكرى الـ1030 لاعتناق دولة كييف "كييفسكا روس" للمسيحية، تشهدت الاحتفالات مسيرة حاشدة بمشاركة رجال الدين من كافة الكنائس الثلاث، والرئيس وعائلته، وأكثر من 60 ألف أوكراني.
حينها حاول بطريرك موسكو كيريل الحيلولة دون ذلك، والتقى بغية ذلك مع برثلاموس وتم الاحتفاظ بجدول أعمال اللقاء سراً، إلا أنه كُشف فيما بعد أن الاجتماع ركّز على مسألة استقلال كنيسة أوكرانيا.
وفي الشهر الماضي ألغت الهيئة الرئاسية للقسطنطينية تبعية الكنيسة الأوكرانية للكنيسة الروسية، ما تسبّب باشتداد موقف موسكو أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي تمخّض عن قطع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لعلاقاتها مع البطريركية القسطنطينية.
أثبتت دراسة الوثائق منذ دخول روسيا الكييفية المسيحية، أن إجراءات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أوكرانيا كانت غير قانونية منذ ذلك العهد البعيد (1030 عاماً)، حيث اتضح بأن الكنيسة الروسية استولت على التاريخ الممتد منذ أكثر من ألف سنة، والأرض والكنائس.
كما تم الإثبات تاريخياً أن مسألة منح الاستقلال لأية كنيسة محلية تعتبر من اختصاص البطريركية المسكونية فقط، والتي تمتلك كافة الصلاحيات لإعطاء أوكرانيا وثيقة الاستقلال دون موافقة أية كنائس أخرى. وفي الوقت ذاته، لا تملك موسكو وثائق الاستقلال، ما يعني أنه ليس لديها حق في إدارة الكنيسة الأوكرانية والسيطرة عليها.
رغم أن موسكو تواصل خطواتها التدميرية، وترهيب وتهديد الأوكرانيين بالحرب الدينية، إلا أن الأوكرانيين يدركون جيداً طبيعة الوضع في عالم الأرثوذكسية، ولذلك شعر معظمهم، بما في ذلك في أراضي الدونباس المحتلة، بالبهجة والسرور لقرار القسطنطينية ورحبوا به، حتى على الرغم من الحملة الدعائية التحريضية التي يشنها الاعلام الروسي.
وأخيراً وليس آخر، نرى أن أوكرانيا تتجه بخطى ثابتة نحو الحصول على وثيقة الاستقلال لكنيستها، رغم كل العوائق والصعاب في طريقها. ويتوقع أن تُشكّل الكنيسة الموحدة المستقلة الأرثوذكسية المحلية الأوكرانية، أساساً روحياً ثابتاً وقوياً بالنسبة لأوكرانيا.
أوليكساندر دانيليوك
المستشار السابق لوزير الدفاع الأوكراني
عضو لدى البرنامج الحكومي الأوكراني لمكافحة التهديدات الهجينة
المصدر: موقع آي بي دي، أوكرانيا بالعربية