أوكرانيا بالعربية | عـمـــامـــة قــلـقـــــة مـقـــلـقـــة... بقلم حسن زايد
كييف/اوكرانيا بالعربية/يصعب الذهاب إلي القول بأن الرجل قد فقد عقله ، إذ أنه يتحرك وفق مقتضيات ومتطلبات مشروعه الفكري الذي عمل عليه ، وهو المشروع الإخواني الأممي الذي جعل يُنظّر له عقوداً طويلة من عمره المديد من خلال مؤلفاته وأبحاثه ومحاضراته وخطبه ومؤتمراته ومناظراته . وأصبح له مريدين وأتباع حتي خارج إطار جماعته .المشروع الحلم والغاية . فلما أصبح هذا المشروع قاب قوسين أو أدني من التحقق ، بل إنه قد وُضعت اللبنة الأولي منه في بضع أقطار عربية من خلال ما يسمي بثورات الربيع العربي . وقد نزل ميدان التحرير بمصر ليُسمع منه العالم خطاب العرش بعد أن تصدرت جماعته المشهد السياسي . ومصر هي موضع القلب من العالمين العربي والإسلامي ، ومن احتل موضع القلب فقد سيطر علي سائر الجسد . وقد التقت أحلامه بأحلام قوي دولية ذات بأس شديد رأت أن مشروعها في إعادة صياغة المنطقة ورسم خريطتها بما يتوافق ومصالحها ومصالح ربيبتها يصب في ذات مجري الحلم الإخواني ، فالتقت المصالح وتصالحت علي جثة هذا الوطن . فلما ظنت الجماعة أن الأرض قد أخذت زخرفها ، وتزينت . وظنوا أنهم قادرون عليها بفعل مخططاتهم وعلمهم وتكتيكاتهم ، وأنهم لن يدعوها تفلت من بين أيديهم . فإذا بمشروع النهضة وهم وخيال وعبث أطفال بالرمال علي شواطيء البحار ، وإذا برجالاتهم أعجاز نخل خاوية ، تحمل رؤوساً مُخوّخة ، وأنفس مريضة . . فجاءتهم ثورة الشعب من حيث لم يحتسبوا ، فكانت 30 يونيه موعدهم . فلما انهار عرشهم الذي بنوه علي شفا جرف هار، انهار مشروع الرجل معه وتهاوي حلمه وضاع عمره هدراً ، وأصبحت عمامته الأزهرية القلقة المقلقة لا تعرف لها مستقراً فوق رأسه ، فجعل يقاتل قتاله الأخير لعله يدرك الأمر فيما تبقي من العمر بعد أن بلغ من العمر أرذله . فبدلا من أن يثوب إلي رشده ، ويئوب إلي جادة الصواب ، وينوب إلي الله ، جعل يحرض طوب الأرض علي شعبه وبلده وناسه ، ويستنهض الهمم لانتهاك حدود بلاده وسيادتها وحرماتها ، ويعتبر أن ذلك جهاداً في سبيل الله لا ثواب له إلا الجنة . يُكفّرُ هذا ، ويُفسّقُ هذا ، ويُهدر دم هذا . ويحرض فئات المجتمع ومؤسساته علي بعضها البعض بفتاويه التي تفضي أول ما تفضي إلي الإقتتال والتناحر والإفساد في الأرض وحرق الأخضر واليابس في كل شبر من أرجاءها . وفي إطار هذه الحرب الضروس التي يخوضها الرجل أصدر فتواه الأخيرة بتاريخ 7 / 1 / 2014 م والتي جاء فيها : " فلا يرتاب مؤمن صحيح الإيمان، أو عاقل سليم الجنان، أو حر لم تخمد جذوته ، أو شريف لم تتلطخ مبادئه: أن ما جرى فى مصر فى الثالث من يوليو 2013م هو انقلاب عسكرى مكتمل الأركان، على رئيس مدني منتخب من الأمة، انتخابًا حرًّا نزيهًا، وله فى عنق الشعب بيعة بأربعة أعوام " وهو بذلك قد أخرج من حظيرة الإيمان أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع المصري ، ووصمهم بالجنون ، وأخرجهم من دائرة الأحرار إلي دائرة العبيد ، فضلاً عن انعدام الشرف وتلطخ المباديء ، لماذا ؟ . لأنهم قد ارتابوا في أن ماجري يوم 3 يوليو انقلاب عسكري مكتمل الأركان ، فهل لهذا الهراء علاقة بالدين والفتوي ؟ . ومن أوعز إليه أن انتخاب مرسي كان حراً نزيهاً بعد ما تكشف من حقائق عن تسويد بطاقات المطابع الأميرية ، وتعويق القري المسيحية في الصعيد عن الإدلاء بأصواتها ، وغير ذلك من أساليب التزوير، فضلاً عن اكتشاف خلايا نائمة للإخوان في القضاء . وأي بيعة تلك التي يتحدث عنها وكأنه لا يدرك الفرق بين ماهية البيعة وشروطها ، وماهية الإنتخاب وشروطه ؟ . ثم يري فيما يراه النائم أنه : "قد ترتب على هذا الانقلاب مجازر بشعة، لم تحدث فى تاريخ مصر الحديث، فقُتل الآلاف، وأُصيب واعتقل عشرات الآلاف من خيرة أبناء مصر، ومن أطهر شبابها وفتياتها، وصودرت الحريات، وأغلقت القنوات الإسلامية، التي كانت تعمل منذ عصر مبارك. وضيق على الشرفاء من الصحفيين والإعلاميين، ونشطت آلة القمع، وازدادت الاعتقالات التعسفية، مع تلفيق التهم الباطلة، وانتشار المحاكمات الهزلية. ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:22-23) " ويبدو أن الرجل لا يشاهد سوي قناة الجزيرة فحسب التي هي جزء من مشروع الأكذوبة الإعلامية الجوبلزية الكبري للإخوان والمشروع الصهيو أمريكي ، وقد تكشفت مزاعم هذه القناة للكافة وفبركتها للأحداث وانحيازها لمشروعات أسيادها ومموليها حيث يمتلك اليهود 50% من أسهمها ، وقد كشفت جريدة الواشنطن بوست هذا الدور المشبوه فيما نشرته بتاريخ 6/ 1 / 2014 م حيث ذهبت إلي القول:" قال "يجال كارمون" رئيس معهد الدراسات الإعلامية للشرق الأوسط بواشنطن إن "الجزيرة" تضخم حجم التظاهرات المؤيدة للإخوان عن طريق تكبير الصورة للإيحاء بأن العدد كبير، وهو الأمر الذي يعد مغايراً للواقع تماماً، وتابع قائلاً"القناة القطرية تقسم الشاشة إلى عدة أجزاء بها تظاهرات صغيرة كي توصل صورة للمشاهد بأن هناك تظاهرات كثيرة تحدث في أكثر من مكان في نفس الوقت، وأردفت "الجزيرة تهاجم الجيش بكل الطرق الممكنة وتدافع عن الإخوان بكل الطرق الممكنة".وأضافت :"حتى الإدارة الأمريكية تشعر بالريبة تجاه قناة الجزيرة أمريكية التي تم إطلاقها اغسطس الماضي"، واستندت إلى وثيقة مسربة من "ويكليليكس" لدبلوماسيين أمريكيين عبروا عن خشيتهم للإدارة الأمريكية من القناة القطرية الجديدة ". ودائما ً أبداً ما تؤدي المقدمات الفاسدة إلي نتائج فاسدة ، وتعامي الشيخ المعمم بالعمامة الأزهرية عن فساد النظام الإخواني وسوءاته ، وأنه ذهب لإدارة مصر بعقلية إدارة الجماعة ، وبدلاً من ذوبان الجماعة في الدولة ذهبت الجماعة لتبتلع الدولة فتعذر عليها بلعها ،وأصبحت الدولة شوكة في حلقها لا سبيل إلي انتزاعها إلا بخروج السر الإلهي لهذا التنظيم . هذا ما يتعامي عنه الشيخ ويصم عنه أذنيه . ولذا فهو يسدر في غيه باعتبار ما وقع انقلاباً عسكرياً كي يرتب عليه النتائج التي يرغبها في شيطنة كل ما يصدر عن هذه السلطة . يقول الشيخ : "فهذه السلطة التي تقوم بهذا العدوان على الحق لتخمده، وتقيم دعائم الباطل وتعضده، وتجند مؤسسات الدولة لمحاربة كل ما هو منتخب، ليستبدل به كل ما هو معين، وتعبث بعقول البسطاء والعامة، حتى يظنوا الحق باطلا والبطل حقا، وحتى يروا النهار مظلما، والليل مشرقا.هذه سلطة زائفة لا ينبغي السير في ركابها، أو العمل على تثبيت دعائمها، أو تقوية أركانها، لا سيما وقد أظهرت عن وجهها القبيح، واشرأب من خلالها رموز الفساد في مصر" . ولا يخفي علينا أن بقية النتائج لهذه المقدمة المُشيطنة لابد وأن تكون مشيطنة كذلك . ففي معرض وصفه للجنة الدستور يقول الشيخ : " وهذه اللجنة العلمانية واليسارية، في مجملها، أقل ما يقال في ممارساتها: إنها لجنة إقصائية، سعت بكل ما تملك لمصادرة الهوية الإسلامية، والانتقاص من دور الشريعة الإسلامية، وإلغاء كل الضوابط الشرعية والأخلاقية والقيمية، التى تحافظ على أخلاق وعادات وتقاليد المجتمع المصري " ثم يستطرد قائلاً : "إنني أحاول أن ألتمس في عمل هذه اللجنة خيرا، فلا أرى إلا عداء للدين وشريعته، وتنكرا للإسلام ومبادئه، وطمسا للحقيقة وأركانها، وحربا على الفضيلة ودعائمها " . إنه نوع من العمه المطبق الذي يفقد معه الإنسان البصر والبصيرة وفقدان ملكة الإدراك بالحس . وطبيعي أن تأتي نتائج الأعمال لهذه اللجنة موافقة لهذه المقدمات الفاسدة المشيطنة ، يقول الشيخ : "وقد ظهر ذلك جليا حين حذفوا النص، على أن مصر جزء من الأمة الإسلامية، كما لم يتحملوا ذكر كلمة الشورى مع الديمقراطية، فلم يبقوا عليها، وأهدروا أخذ رأي هيئة كبار العلماء فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية، وحذفوا التفسير الذي وضعه الأزهر لمبادئ الشريعة الإسلامية، وضيَّقوا نطاق تلك المبادئ، معتمدين تفسيرالمحكمة الدستورية العليا لها!!" . ويبدو حقاً أن الغرض مرض ، لأن النص علي أن مصر جزء من العالم العربي ، ومن أفريقيا بالإعتبار الجغرافي الذي لايعتد به في فكر الجماعة ، فمصر جغرافياً لها امتداد أفريقي وآسيوي ، ويغني عن النص الذي أشار إليه ، النص علي أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام . أما القول بعدم تحملهم ذكر كلمة الشوري مع الديمقراطية فهو من قبيل اللغو لأنه من المعلوم أن مفهوم الشوري بالمعني الشرعي يختلف كل الإختلاف عن مفهوم الديمقراطية من حيث المنشأ والآليات والغاية ، والجمع بينهما جمع بين متناقضين . أما عن قوله بإهدار أخذ رأي هيئة كبار العلماء ، فهو يعلم أن ذلك يجرنا إلي فكرة ولاية الفقيه الشيعية ، والمطالبة به نوع من الخلط والتلبيس . وفي قوله بحذف التفسير الذي وضعه الأزهر لمباديء الشريعة الإسلامية فيه كذب بواح لأن المادة 219 من الدستور الإخواني وضعها وأصر عليها الإتجاه السلفي ، وقد فضح التآمر في هذا النص الشيخ ياسر برهامي في الفيديو الشهير ، وهي مادة تخدم المذهب الوهابي من ناحية ، وتفضي إلي انشقاق الأمة وتشرذمها وفقاً لآراء الفقهاء من ناحية أخري . وقد إرتضي السلفيون تفسير المحكمة الدستورية العليا في مجمل ما أصدرته من أحكام ، وليس في ذلك تضييق لنطاق مباديء الشريعة كما يزعم الشيخ . ولا يخفي تهافت المنطق الذي يعرض به الشيخ لقضيته ، وكلامه لا يرتقي لمستوي الكلام العلمي بعيداً عن القياسات الفاسدة ، والإستدلالات المتهافتة ، ,أخطر ما ورد في هذه الفتوي تلك العبارة التي دسها الشيخ بخبث ولؤم في ثنايا كلامه حين قال : "وما معنى خلو ديباجة الدستور من أي آية قرآنية أو حديث نبوي، في حين توضع كلمة البابا شنودة (هذه مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا)؟! " . وأتساءل ما هو الغرض من دس هذه العبارة الخبيثة ؟ وأترك للقاريء الكريم الإجابة . هل تعلمون من هو صاحب هذه العمامة ؟ . إنه يوسف القرضاوي .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية