أوكرانيا بالعربية | الكويت على درب السعودية.. وتجريم الجهاديين وفتح ابواب السجون أمامهم.. سياسة قد تعطي نتائج معاكسة... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/يبدو أن الدول الخليجية، او معظمها على وجه الدقة، بدأت تراجع سياساتها في سوريا، وتمهد تدريجيا للانسحاب من الصراع الدائر على السلطة هناك بين الحكومة والمعارضة المسلحة. فبعد المرسوم الملكي الذي اصدره العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بتجريم اي سعودي يقاتل على ارض خارجية بالسجن من خمس الى عشرين عاما ها هي دولة الكويت تدرس اتخاذ الخطوة نفسها مثلما ورد على لسان نبيل الفضل عضو البرلمان الذي تقدم باقتراح في هذا الصدد.
المشكلة ان هذه المراسيم والمقترحات تصدر بشكل مفاجيء وبعد ثلاث سنوات على بدء الازمة السورية، التي بدأت انتفاضة شعبية سلمية ذات مطالب مشروعة في الاصلاح والتغيير الديمقراطي وتحولت الى صراع على السلطة، وتدفق آلاف المجاهدين من دول اسلامية والخليجية منها على وجه الخصوص.
*الاول: تبلور قناعة راسخة لدى الحكومات بأن الازمة السورية ستطول، ولن ينجح الطرفان في حسمهما لصالح اي منهما، وان احتمالات بقاء النظام السوري واستمراره باتت اقوى من احتمالات سقوطه بعد صموده كل هذه السنوات وتحقيق مكاسب على الارض بفضل دعم حلفائه الروس والايرانيين وحزب الله علاوة على تمسك جيشه وسقوط كل الرهانات على انقسامه وبالتالي انهياره، في وقت تراجعت فيه امريكا وحلفاؤها الاوروبيين عن الحل العسكري خوفا من حدوث فراغ بعد اسقاط النظام وتكرار السيناريو الليبي وقبله الافغاني والعراقي.
حالة الكويت ربما تكون مختلفة عن حالة جارتها السعودية، لان الحكومة لم تتورط رسميا في الازمة السورية بشكل مباشر، ولم تتخذ الحكومة الكويتية مواقف متحمسة لدعم المقاتلين على الارض السورية، وفضلت النأي بنفسها عن التدخل في الصراع ضد النظام السوري، خوفا من تفجر صراع طائفي سني شيعي على اراضيها، لان نسبة الشيعة فيها تصل الى اكثر من خمسة وثلاثين في المئة، وهناك من يقول انها اكبر من ذلك، وهي طائفة مسيسة ونشطة ومنظمة.
من الواضح ان الدول الخليجية بدأت تتخلى عن ابنائها المقاتلين في سورية، وبات هؤلاء "منبوذين" و"مجرمين" من قبل حكوماتهم بعد ان كانوا ابطالا في بداية الازمة ورسالة هذه الدول لهم واضحة، وهي اننا لا نريدكم احياءا، ويفضل ان تواصلوا جهادكم حتى الموت او الذهاب الى جبهات اخرى اذا اغلقت في وجهكم، لاي سبب ما، فرص الجهاد في سورية، واذا قررتم العودة الى بلادكم فلن تستقبلوا بالورود والرياحين وانما بالذهاب فورا من المطار الى السجون والمعتقلات لقضاء ما تبقى من عمركم فيها.
فبعض الحكومات الخليجية تقع في تناقض كبير يصعب فهمه، فهي ما زالت تضخ المليارات لتسليح المقاتلين في سورية وترسل اسلحة فتاكة حديثة، وفي الوقت نفسه لا تريد ان يشارك شبابها في القتال، ودون تقديم اي مبررات او شروح لهذا الموقف مدعومة بادلة وسندات شرعية، فاما انه جهاد مشروع وفرض على كل مسلم، بغض النظر عن بلده او جنسيته، واما انه جهاد غير مشروع ومنعه في هذه الحالة ينطبق على الجميع دون اي استثناء، فالتمييز هنا يدين صاحبه وينطوي في بعض جوانبه على شبهة عنصرية.
هناك اكثر من عشرة آلاف مقاتل من المملكة العربية السعودية ودول خليجية اخرى يقاتلون في سورية، وتجريم هؤلاء، والزج بهم في السجون، اذا عادوا احياء، يحتاج الى بناء معتقلات جديدة بسبب ضخامة عددهم، وسيأتي هذا على حساب بناء مستشفيات ومدارس وجامعات حديثة وشبكات صرف صحية وتوفير الماء والكهرباء.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية