أوكرانيا بالعربية | الإخـــوان ولعــبة الشــــيطان... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/الشيطان في الميثولوجيا العالمية معروف بصورة الأرواح المحتجبة عن عيون البشر. وهو حسب مفهوم الدين الإسلامي فئة خاصة من الجن تعصي الله وتوسوس للناس. وينكر كثير من الفلاسفة وجوده وقالوا إن المراد به في الكتب الدينية هو نوازع الشر عند الإنسان، والقوى الخبيثة، كما أن المراد بالملائكة هو نوازع الخير حسب زعمهم . وما يعنينا هنا هو لعبة الشيطان التي تتمثل في تزيين الباطل للإنسان بجعله في نظره حقاً ، وتصوير الحق في نظره بجعله باطلاً . وقد انسحب هذا المفهوم في الدين الإسلامي من تلك الفئة الخاصة من الجن إلي الإنسان بجعل من يزين الباطل بجعله حقاً علي خلاف حقيقته ، ومن يصور الحق بجعله باطلاً علي خلاف حقيقته من شياطين الإنس . وتلك هي لعبة الشيطان مع الإنسان ، يحدَّثه بما لا نَفْعَ فيه ولا خير منه . والإخوان جماعة إسلامية ، تصف نفسها بأنها حركة إصلاحية شاملة . وتعتبر أكبر حركة معارضة سياسية ـ في الظاهر ـ في كثير من الدول العربية، أسسها حسن البنا في مصر في مارس عام 1928م كحركة إسلامية وسرعان ما انتشر فكرها ، فنشأت جماعات أخرى تحمل نفس فكر الإخوان في العديد من الدول، ووصلت الآن إلى 72 دولة تضم كل الدول العربية ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست . ولا علاقة مطلقاً بين الإخوان والشيطان علي نحو ما يبدو من عنوان المقال إلا في مجال تزيين الأفعال وتحسينها ، ونزع الزينة عن الأفعال وتقبيحها . فمن قبيل التزيين ما زعمه البنا في كتابه مجموعة الرسائل : " أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة ، قد تسامت في نزاهتها حتي جاوزت المطامع الشخصية ، واحتقرت المنافع المادية ، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض " وهو هنا بالقطع لا يقصد جماعة الإخوان كشخصية إعتبارية أو معنوية وإلا أصبح كلامه بلا معني ، وإنما يقصد أعضاء جماعته من البشر، الذين يجري عليهم ما يجري علي البشر ، وقد رفعهم إلي مصاف الملائكة علي خلاف الحقيقة . ومن ثم تجده يحط من قدر من لا ينتمي لتنظيمه في موضع آخر بقوله : " فهي دعوة لا تقبل الشركة إذ أن طبيعتها الوحدة فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به ، ومن ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون مع المُخَلَّفين ويقعد مع القاعدين ، ويستبدل الله لدعوته قوماً آخرين " .
هكذا في المطلق . ووفقاً لهذا التصور يصبح كل من هو خارج الجماعة من المخلفين والقاعدين . يؤكد ذلك ما ذهب إليه في موضع آخر : " والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا علي حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه ، علي حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين " . هذا ما وقر في قلب الإخوان وشكل وجدانهم وانعكس نزوعاً في سلوكهم ، أنهم طائفة مختلفة عن بقية المسلمين ، لأن جماعتهم مختلفة ، وإيمانهم مختلف . يقول البنا : " نحن أيها الناس ـ ولا فخر ـ أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وحملة رايته من بعده ، ورافعوا لوائه كما رفعوه ، وناشروا لوائه كما نشروه ، وحافظوا قرآنه كما حفظوه ، المبشرون بدعوته كما بشروا ، ورحمة الله للعالمين ( ولَتَعْلَمُنًّ نَبَأَهُ بعدَ حِين ) " ، فقد جعل من الإخوان أصحاب للرسول المصطفي ـ بالمخالفة لمفهوم الصحابي ، والمخالفة لحديث التفرقة بين الأصحاب والأحباب ـ إذ أنهم يفعلون ما يفعلون ، ومن يفعل في أصحابه ما فعله محمد (ص)في أصحابه فهو في مستواه مكانة وقامة ، ومن ثم فلا مانع من المزايدة علي الصحابة بانتزاع إحدي صفات النبي التي اختصه الله بها وهي أنه رحمة للعالمين ، ونسبتها للإخوان . فكيف يكون الإخوان رحمة للعالمين ؟ . وماذا يصنع هذا الكلام في نفوس الإخوان ؟ خاصة أنه سيصادف في تلك النفوس البشرية هوي ، خاصة نفوس الشباب منهم . ولن يندفع أحدهم إلي عرض هذا الكلام علي العقل ، بل إنه سيركن إلي الركود العقلي التام الذي لا يسعي المصاب به إلي التفكير ، وإعمال المنطق فيما يُعرض عليه من أفكار ومعلومات ، دون نقد أو تمحيص ، بل إنه سيسلم دفة سفينته الفكرية للآخر يقوده حيث يشاء . إلا أن البنا لا يكتفي بذلك ، بل يسعي إلي تأكيده بقوله : " هذه منزلتكم ، فلا تصغروا في أنفسكم ، فتقيسوا أنفسكم بغيركم ، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلاً غير سبيل المؤمنين ، أو تُوَازِنُوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسول الله ، بغيرها من الدعوات التي تبررها الضرورات ، وتذهب بها الحوادث والأيام " . وفي ركن الفهم من أركان بيعة الإخوان يؤكد البنا هذا المعني بقوله : " إنما أُريد بالفهم : أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة ، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه " . أَمَّا تفهمك الإسلام علي نحو آخر، فهو فهم بعيد عن الإسلام الصميم . ثم يذهب في ركن التجرد إلي تخلص الفرد من أي فكرة أخري بخلاف فكرة الإخوان ، فيقول : " وأريد بالتجرد : أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المباديء والأشخاص ، لأنها أسمي الفِكَر وأجمعها وأعلاها " . وهذا يعني أن غير ذلك من المباديء والأفكاروالأشخاص في درك أدني من تلك الدرجة السامية التي نالها الإخوان بمجرد الإنتماء للجماعة . إذن فلا مجال لِفِكَر أو مباديء في ذهن ووجدان الفرد الإخواني إلا فكرة الإخوان ، وما دونها باطل وقبض الريح . وهذا يمثل نوع من الركود الذهني والفراغ الفكري والتهيئة الوجدانية لتقبل ما يُضَخُّ من أفكار دون مزاحمة الأفكار الأخري لها . ونتيجة هذا الفراغ تصبح قابلية المرء للإستهواء أعلي حيث يتقبل ما يُضَخ فيه دون إرادة منه , ودون قدرة علي الفحص والتمحيص والنقد والأخذ والرد . ثم ينتقل البنا إلي خطوة أبعد مدي حين يتكلم عن ركن الثقة من أركان البيعة فيقول : " وأريد بالثقة : اطمئنان الجندي إلي القائد في كفاءته وإخلاصه إطمئناناً عميقاً يُنْتِجُ الحب والتقدير والإحترام والطاعة " والجندي هنا عضو الجماعة ، والقائد من يعلوه في المرتبة ، وهو دائماً كفء ومخلص ، لذا وجبت طاعته ليس قهراً وإنما حباً وتقديراً واحتراماً . لأن : " القائد جزء من الدعوة ، ولا دعوة بغير قيادة " فارتباط الدعوة بالقائد ارتباط الوجود والعدم . وهنا تم ربط الفكرة بالشخص ، أو شخصنة الفكرة علي خلاف منهج القرآن في الفصل بينهما ، قال تعالي : " وَمَا مُحَمَّد إِلاَّ رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل ، أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَيَ أَعْقَابِكُم ْ " ، أي أن القرآن فصل بين الرسول (ص) والإسلام . وما شخصنة الفكرة لدي الإخوان إلا لضمان الولاء المطلق بما يحفظ علي الجماعة تماسكها ووحدتها ، يستطرد البنا : " وعلي قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة ، وإحكام خططها ، ونجاحها في الوصول إلي غايتها ، وتغلبها علي ما يعترضها من عقبات وصعاب ( فَأَوْلَي لَهُم طَاعَة وقَوْل مَعْروف ) " . ثم يبين البنا مكانة القيادة وقيمتها عند الإخوان ليمهد بذلك لما بعده ، يقول البنا : " وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية ، والأستاذ بالإفادة العلمية ، والشيخ بالتربية الروحية ، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة ، ودعوتنا تجمع هذه المعاني ، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات " . وفي هذا تمهيد للطاعة المطلقة العمياء ، فالأوامر التي تصدر للفرد الإخواني من قيادته قاطعة لا مجال فيها للجدل ولا التردد ولا الإنتقاص ولا التحوير ، وهو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب ، إذا تعارض ما أمر به القائد مع ما تعلم العضو في المسائل الإجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي . بل أكثر من ذلك يكون العضو مستعداً لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة ، ويكون موقناً أن القيادة تمتلك حق الترجيح بين مصلحة العضو الشخصية ، ومصلحة الدعوة العامة . ومن هنا يصبح من الطبيعي أن تكون الطاعة ركنا من أركان البيعة ، يقول البنا : " وأريد بالطاعة : امتثال الأمر وإنفاذه تواً في العسر واليسر والمنشط والمكره " وما ربط الطاعة بالقيادة وربط القيادة بالدعوة إلا بقصد استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد بالمفهوم الإخواني ، وتكوين كتائب الإخوان التي ستتحمل هذه الأعباء . وتقوم الدعوة لديهم في مرحلة التكوين علي جانبين ، الأول : صوفي بحت من الناحية الروحية . الثاني : عسكري بحت من الناحية العملية . والشعار دائماً في الجانبين أمر وطاعة من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج ،. ولا توجد أي غضاضة لدي العضو في الإنقياد الكامل للقائد بسلاسة ويسر ، وإظهار كمال الطاعة له ، لأنه يتصور أن في ذلك طاعة لله وتقرباً إليه ، لاختلاط الدعوة بالقائد ، واختلاط القائد بالطاعة ، واختلاط الطاعة بالدعوة ، وهو لايملك إزاء هذا الخلط سوي التسليم المطلق ، حتي يصبح العضو بين يدي قائده كالميت بين يدي مغسله يقلبه كيف يشاء . فهل بعد هذا التكوين النفسي والفكري يجد القائد أي صعوبة في إقناع أحد جنوده وتهيئته نفسياً إلي ما يسمي بالعمليات الإستشهادية ؟ .
هل يصعب عليه إقناعه بالأفراح المنصوبة له في السماء المتزينة لاستقباله شهيداً ليزف إلي الحور العين في الفردوس الأعلي من الجنة ؟ . وأنه ليس بينه وبين النعيم المقيم سوي ضغطة زر فيتحول إلي أشلاء تسرع الملائكة في لملمتها للصعود بها إلي الملأ الأعلي حيث المستقر المقيم أبداً ؟ . فإذا بهذا الجندي المسكين يرتدي لباس العرس حتي يُزف باسماً مستبشراً بالنعيم المقيم حيث يجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر . ليس بينه وبين هذا إلا تفجير نفسه وسط تجمع من المسلمين اختلف معهم قادته خلافاً سياسياً يُحل علي مناضد الحوار .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية