أوكرانيا بالعربية | الإخـــــوان .. و .. واســــتـقـــلال الـقـــضـاء... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرنيا بالعربية/استقلال القضاء مسألة ليست محل جدال لأنها في صالح جميع الأطراف ، فهي في صالح القاضي لأنه يريد أن يحكم دون أن يكون عليه تأثير من أي شخص أو جهة أوسلطة غير سلطة القانون وهو يصدر الأحكام . وهو في صالح المتقاضين لأن ما يشغل المتقاضي في النهاية هو إعمال صحيح القانون من جانب قاضي مستقل . وهو في صالح الحاكم لأنه الضمانة لتحقيق العدل الذي هو أساس الملك .
ولذا فإنه إذا كان القضاة منوط بهم تحقيق العدالة ، فإن استقلالهم يعد ضرورة حياة ، وإذا كانت العدالة ضرورة حياة فإن استقلال القضاء حتمية وجود ، وعليه فإن القضية ليست ترفاً يمكن الإستغناء عنه ، ولا خياراً خاضعاً للمفاضلة بينه وبين غيره . ولذا فهو ضرورة حياة ، وحتمية وجود .
فما معني استقلال القضاء ؟ .استقلال القضاء يعني ببساطة ، عدم جواز التدخل والتأثير من قبل الغير على ما يصدر عن القضاء من إجراءات وقرارات وأحكام . ويعد التدخل والتأثير أمر مرفوض سواءً كان مادياً أو معنوياً وسواء تم بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، وبأية وسيلة من الوسائل. ومن هنا كانت أهمية النأي بالقضاة عن الإشتغال بالسياسة ، أو اعتناق توجه سياسي بعينه دون غيره حتي لا يكون لذلك التوجه تأثيراً مباشراً أو غير مباشر ، مادياً أو معنوياً فيما يصدره من أحكام أو يتخذه من قرارات أو إجراءات . لأنه بذلك يفقد حيدته الواجبة بين المتقاضين تحت تأثير ذلك ، ويختل ميزان العدالة في يده انتصاراً لما يعتنق من توجه . وهذا ما أزعجني حقيقة عندما فوجئت بجريدة الموجز في عددها الصادر يوم الاثنين 30 / 12 / 2013 م وهي تنشر في صفحتها السادسة خطاباً موجهاً من السيد المستشار / حسام الغرياني ـ رئيس مجلس القضاء الأعلي سابقاً إلي الدكتور / محمد بديع ـ المرشد العام لجماعة الإخوان ، قبيل إعلان نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية التي أتت بالدكتور / محمد مرسي ـ رئيساً للجمهورية . وكلنا يعلم ـ بما في ذلك أعضاء جماعة الإخوان أنفسهم من أول المرشد العام وانتهاءًا بأحدث المنضمين للتنظيم ـ أن الجماعة كانت تعمل خارج إطار القانون . فهي جماعة منحلة بقرار سيادي من مجلس قيادة الثورة من خمسينيات القرن الماضي ، وأنها لا تخضع في أعمالها لقانون الجمعيات الأهلية ولا لأي قانون . ومن يعمل خارج إطار القانون فعمله غير شرعي لا محالة ،أيما كان الزي الذي يرتديه أو الواجهة التي يرفعها أو يصدرها للمجتمع ، وأيما كان ذلك القانون .
وأولي الناس بمعرفة ذلك أهل القانون وسدنته . ومن هنا كانت المفاجأة الصدمة التي أصابتني بمطالعة الخطاب ، فهو ليس خطاباً شخصياً في إطار الرسائل العادية التي يتبادلها الأشخاص ، فمثل تلك الرسائل تدخل في عداد الرسائل التي لا حجر فيها علي الحرية الشخصية . وإنما هو خطاب ذا طابع رسمي صادر من جهة من جهات الدولة وممهوراً بخاتمها ومذيلاً بتوقيع رئيسها موجهاً إلي جمعية أهلية تعمل خارج إطار القانون . وهذا في حد ذاته جائزاً لو وقع من تلك الجهة إبتداءًا وفي أمور داخل إطار القانون . أما أن يصدر الخطاب باعتباره رداً علي خطاب وارد إلي تلك الجهة من جهة غير قانونية فهذا هو الأمر غير المفهوم . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري فإن الخطاب الصادر يشي ولو من طرف خفي بما هو مطلوب في الخطاب الوارد . وحتي تتضح الرؤية تعالي نقرأ الخطاب سوياً ثم نري فيه رأينا لو صح صدوره عن مجلس القضاء الأعلي ممثلاً في رئيسه . " قرار . صادر برقم31 : / 6 / 2012. التاريخ : 19 / 6 / 2012 " لاحظ أن هذا التاريخ هو تاريخ سابق علي اعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، حيث انتهي الفرز في يوم 18 يونيو، وجري تلقي الطعون يوم 19 يونيو ، علي أن يتم إعلان النتيجة يوم 21 يونيه ، والتي تأخر إعلانها إلي يوم الأحد الموافق 24 يونيه 2012 م . ثم نذهب إلي الخطاب حيث يقول : " بسم الله الرحمن الرحيم . أخي الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور / محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أعزك الله بعزة الإسلام ونوّر قلبك بالإيمان ورزقنا وإياكم زيارة النبي العدنان " وهذه اللغة من غير المعتاد استخدامها في المكاتبات الرسمية المصرية . ثم يستطرد : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . تلقيت بصادق الود والتقدير رسالتكم الكريمة مقدراً ما احتوت من مشاعر هي فيض أحاسيسكم الخيرة ، العامرة بالحب والصدق ، ولا يسعني إلا أن أقول كما علمني الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم جزاكم الله خيراً ..." . وهكذا يتضح أن هذه الرسالة هي رد علي تلك . ثم يقول : " وبهذه المناسبة يسرني أن أهنيء فضيلتكم وأكون أول من يزف إليكم الخبر السار والسعيد بقرب إعلان إسم أخونا الكريم الدكتور محمد مرسي رئيساً للجمهورية ... " . وهنا وقع تسريب للنتيجة قبل موعد إعلانها الرسمي ، وفي ذات يوم تلقي الطعون عليها ، والتسريب تم لجهة غير رسمية تعمل خارج إطار القانون ممثلة في مرشدها العام . ثم يقول : " هذا الحلم الذي تحقق بفضل الله تعالي ، وبفضل سماحتكم ". وهنا عطف في غير محله . ثم يستطرد : " ثم بفضل رجالاتكم الأخيار والمخلصين الأوفياء .. نهنيء فضيلتكم وأنفسنا وجميع الإخوة الكرام بمكتب الإرشاد ، كما نهنيء جموع المسلمين في مصر والعالم العربي والإسلامي علي هذا الإنجاز العظيم الذي طالما انتظرناه طويلاً وبذلنا من أجل تحقيقه كل الجهد وخبرة السنين " . من الواضح أن السيد المستشار قد وضع نفسه في خانة الإخوان بلا مواربة ، وهو يحمل نفس الفكر الأممي الإقصائي ، إذ أنه خص المسلمين فقط بالتهنئة مع أن الرئيس هو رئيس لكل المصريين ، وجمع مسلمي مصر مع مسلمي العالمين العربي والإسلامي مع أنهم لا يعنيهم من يأتي رئيساً لمصر طالما هو باختيار شعبها .
هذا كله خارج إطار الحياد والإستقلالية التي تتمتع بها السلطة القضائية تجاه كافة المرشحين . ثم يقول : " كما أرجو وأمل من الله وسماحتكم أن أكون قد وفقت وأوفيت بما قطعته علي نفسي من وعود " . ولا ندري كشعب فيما وفق السيد المستشار ولا بما وعد ولا كيف أوفي بما وعد ؟ ! . وبالقطع أن الوعد والوفاء كان لصالح جماعة الإخوان التي تعمل خارج إطار القانون والشرعية . ثم يختتم السيد المستشار رسالته قائلاً : " وختاماً أدعو فضيلتكم وجميع الإخوة الكرماء للسجود سجدة شكر لله تعالي الذي منحنا هذا الفضل العظيم . أسأل الله أن يرفع بكم راية التوحيد والسنة عالية خفاقة ــ وليس بغيرهم ــ وأن يوفقكم لنصرة الإسلام والمسلمين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . توقيع القاضي / محمد حسام الدين الغرياني رئيس المجلس الأعلي للقضاء " . لو صح هذا الخطاب فإن معني ذلك أن السيد المستشار كان مطلق الولاء والإنتماء للجماعة المحظورة سابقاً ، الإرهابية حالياً . وهو يعلم أن الإنضمام لجماعة محظورة قانوناً أمر مجرم ، كما أن إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية قبل إعلانها رسمياً أمر مجرم كذلك . ومن هنا يأتي التساؤل حول استقلالية القضاء في المفهوم الإخواني ،هل هو استقلال في مواجهة الجميع لصالح الإخوان ؟ .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية