أوكرانيا بالعربية | الإفــســــاد فــي كشـــف الفـســــاد... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا أحد في مصر يعلم علي وجه اليقين ـ بخلاف أولي الأمر منا ـ العلة وراء الإبقاء علي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في موقعه بعد رحيل النظام الذي استجلبه لهذا المنصب بفعل ثورة شعبية عارمة . فقد كان من المفترض رحيل سيادته مع رحيل النظام الذي ينتمي إليه ليس بدعوي الفلولية ووجوب الإقصاء للفلول ، وإنما لأن هذا النظام قد دخل في خصومة ثأرية مع مؤسسات الدولة والمجتمع إلي حد إعلان العداوة والبغضاء والحرب علي المجتمع المصري بأفراده ومؤسساته .
نظام وضع نفسه في خانة العداء والحرب خارج حسابات اللعبة السياسية مع ثورة الشعب التي أطاحت به ، ومن هنا يصبح أي عضو في هذا التنظيم أو محباً له أو متعاطفاً معه مغرداً خارج السرب طالما لم يرتض قواعد اللعبة السياسية ، ومن ثم فهو غير مؤتمن علي العمل مع الثورة الجديدة وتوجهاتها لأنه بالضرورة وبمقتضي المنطق والعقل والحالة النفسية سيعمل في الإتجاه المضاد أو التخريبي للعمل علي إعادة نظامه أو إفشال النظام الجديد . وفي أقل تقدير ونتيجة المشاعر السلبية لن يتسني لهذا العضو أن يحتفظ بتوازنه النفسي ويلتزم بحياديته التي يتطلبها العمل لصالح الدولة ، ولذا فإن الأمر كان يستوجب محاصرة أعضاء هذه الجماعة من قبل مؤسسات الدولة بعد أن سقطت سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً هي ومن يتبعها أو ينتمي إليها أو يعد من مخلفاتها . هذا ابتداءًا ومن حيث المبدأ دون حاجة إلي أسباب أو مبررات . فإذا تساءلنا عن السر وراء الإبقاء علي السيد رئيس الجهاز في منصبه حتي تاريخه ، فقد لا نجد سوي رجع الصدي ، أو قد يسوق أحدهم مبرراً غير مستساغ وتعافه النفس السوية مفاده أن القانون يحول بين الدولة وبين عزله .
وهو قول مردود بأن ذلك يحدث في الظروف الطبيعية دون الظروف الإستثنائية ، والثورات تمثل ظرفاً استثنائياً حاداً يستوجب مواكبته بإجراءات استثنائية حتي تستقيم الأمور . فإذا أضفنا إلي ذلك قيام السيد رئيس الجهاز بالدعوة إلي مؤتمر صحفي عالمي لإعلان تقارير الجهاز علي الرأي العام المحلي والعالمي في سابقة تدعو إلي الدهشة والإستغراب ، وتدعو في ذات الوقت إلي التأمل والبحث فيما وراء هذا التصرف غير المسبوق . فهو قد خالف بدعوته تلك قانون الجهاز ولائحته ـ وهو أحد رجال القانون ـ فلائحة الجهاز المركزى للمحاسبات رقم 196 لسنة 1999، تنص المادة 54 منها على سرية تقارير الجهاز، وعدم علانيتها ، فهو قد اخترق لائحة الجهاز الذي يترأسه ، وقد يرد أحدهم بأن قانون الجهاز رقم 144 لسنة 1988 وتعديلاته، لم يرصد على الإطلاق أى بند يتعلق بسرية تقارير الجهاز . إلا أن هذا القول يفصل عضوياً ما بين القانون ولائحته التنفيذية . فما الذي يدفع رجل القانون إلي خرق القانون وهو يكشف عن مخالفات قانونية ؟ . والمعتاد في عمل الجهاز منذ إنشائه سرية تقاريره ، وترجع هذه السرية إلي أسباب موضوعية لا تتناقض مع الشفافية ولا تتعارض مع حق المواطن في المعرفة ، لأن تقارير الجهاز في النهاية تتعلق بتصرفات أشخاص طبيعيين يعملون في إطار شخصيات إعتبارية عامة . وهذه التقارير ترصد مخالفات من وجهة نظر عضو الجهاز ، دعك من الجهات التي ترفع إليها هذه التقارير ، لأنه قبل ذلك تعاد ملاحظات الجهاز التي اعتبرها العضو مخالفات إلي الجهة التي تم رصد مخالفات علي تصرفاتها بقصد الرد عليها ، وتفنيدها ، وتقديم السند القانوني أو اللوائحي عليها . فإن لم يتم الرد من الجهة ، أو ردت رداً غير مقنع ، أو غير مستوفي للأسانيد ، تم رفع التقارير إلي الجهات المعنية المحددة قانونا لإتخاذ ما تراه حيال هذه المخالفات وفقاً للقانون . فإن أسفرت التحقيقات عن ألا وجه للإتهام حفظ الموضوع واعتبر كأن لم يكن . أما إن كان هناك وجه للإتهام ففي هذه الحالة يتم تحرك الموضوع إلي مداه القانوني المقرر . أما إفشاء سرية التقارير وفضح أمرها في صورة علنية فهو يعد من قبيل التشهير بأشخاص أو جهات لم تثبت إدانتها من الجهات المنوط بها ذلك . وقد كان من الأوفق والأليق إمتناع السيد رئيس الجهاز عن التورط في إعلان ما أعلنه ، خاصة أن بعض الجهات التي رصد عليها مخالفات هي في خصومة شخصية معه وصلت إلي ساحات القضاء ، ومن ثم كان من الأولي به التنحي عن رئاسة الجهاز حرجاً لأن ما يرصده مقدوح في صحته بالضرورة لوجود الشبهة العارضة . إلي حد يمكن معه القبول بالقول بأن الإعلان لا يخلو من الإبتزاز لجهات مكلفة بمتابعة ملف انتمائه للجماعة الإرهابية . وهو بذلك يريد أن يغسل يده من الجماعة علي حساب جهات أخري في الدولة . كما أنه يمكن القبول بالقول بأنها حركة استباقية قصد من وراءها المصادرة علي ما قد يصدر في حقه من أحكام بدعوي كشفه للفساد في مواجهة الرأي العام المحلي والعالمي .
كما أنه لا يوجد ما يمنع القبول بالقول بأن كشف ما يتصور سيادته بأنه مخالفات ترقي لمستوي الفساد أمام الرأي العام المحلي والعالمي يحط من قدر أجهزة وجهات سيادية في الدولة ، ويُفقد ثقة المواطنين في هذه الأجهزة ، ويؤلب الرأي العام العالمي علي النظام الذي أتت به ثورة يونيه باعتباره نظاماً لا يخلو من الفساد ، ومن ثم يبيض وجه نظام الإخوان الذي تم إسقاطه لفساده . وقد تكون هذه الأسباب جميعاً . وما حدث ما هو إلا عملية إفساد مع سبق الإصرار والترصد في الكشف عما يتصور أنه فساد .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية