أوكرانيا بالعربية | الحرية والحق... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/مفهوم مصطلح الحق لم يأخذ مفهومة كما يري بعض فقهاء القانون الخاص إلا مع فلسفة مجتمع ما بعد النهضة إذا كانت السيادة قبل ذلك لفلسفة أرسطو وهي الفلسفة التي تقيم جوهر النظام علي فكرة العدل بمفهومة الموضوعي المجرد وتري في القانون الوضعي وسيلة للإقامة هذا العدل وفي الحق تجسيدا في المراكز الخاصة للإفراد للان اصطلاح الحريات هو الاصطلاح الأكثر شيوعا في مؤلفات فقهاء القانون الدستوري المحدثين وكذلك اصطلاح الحقوق والحريات دون تفرقة بينهما وقد تدرج الاصطلاح شهرة حتى استقر كذلك منذ القرن الثاني للقرن الحالي وإضافة صفة العامة لكلمة الحريات تعني إن الحريات العامة ليست مجرد حقوق أو حريات للإفراد في مواجهة بعضهم بالبعض بل تعني في المقام الأول امتيازات للإفراد في مواجهة السلطة العامة أو أنها تستدعي تدخل الدولة اعترافا بها وتنظيما لها أو أنها تفترض اعتراف الدولة بحق الإفراد في ممارسة بعض النشاطات دون ضغط خارجي وانه يردع إلي مؤسسات الدولة في تحقيق هذه الممارسات وإذا كان مصطلح الحريات العامة ظهر حديثا إلا إن مضمونة في أوربا ظهر من خلال الصراع الطويل في سبيل استخلاص حقوق الإنسان من قبضة الملوك والأباطرة منذ قرون وهناك مصطلحات أخري يستعملها الفقهاء اليوم مرادفة للحريات العامة كاصطلاحات الحريات الأساسية والحريات الفردية والحريات المدنية وحقوق الإنسان والمواطن ويعرف كوليار الحريات العامة بأنها الحقوق التي يتمتع بها الإفراد والتي تنتهي عند الاعتراف بها للإفراد بتحديد نطاق من الاستغلال لصالحهم ويؤكد العلامة اندريه هورير إن الحريات العامة في عباراتها التقليدية الغربية ترتبط بمفهوم سياسي اقتصادي معين هو المفهوم التحرري الليبرالي القائم علي اعتماد الإفراد علي أنفسهم لتقرير مصائرهم وان لم يستطع هذه الديمقراطيات الغربية إن تعزل نفسها عن التطور الذي استحدث بمختلف الدساتير الغربية كثيرا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تأثرا بالمذهب الاشتراكي ولعل ذلك واضح في تطور دساتير فرنسا وعلي وجه الخصوص دستور 1946 والدستور الحالي لسنة 1958 كما انه من المتفق علية أن المبدأ الديمقراطي قام علي أيدلوجية واضحة وهي الفردية المتحررة وهي نزعة سادت حتى اليوم بعض الدساتير التي ظلت غير متأثرة بمفهوم المذهب الاشتراكي كما سادت في الدول التي اخذ تالي حد معين بالمذاهب الاجتماعية أو الاشتراكية في دساتيرها حيث تقرر كثير من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية دون الاقتصار علي تقرير الحقوق والحريات التقليدية يري فقهاء القانون إن الحريات العامة المعترف بها من الدولة تتفرغ علي المبدأ الديمقراطي وفي الواقع إن هذه الفكرة صحيحة بصفة عامة في النظم الغربية فان السلطة السياسية في النظم الديمقراطية ترجع بمصدرها للشعب وتجد أساسها في مصلحة المحكومين ولذلك فان الحكام أولئك الذين ليسوا سوي ممثلين للشعب يجب إن يمارسوا سلطاتهم لمصلحة الشعب وإلا يقيدوا من استغلاله وإرادته في أي صورة كانت ونقول إن هذا المبدأ يصدق بصفة عامة ذلك أن هناك تساؤلات عديدة تدور حول ما إذا كانت الحريات توجد في ظل نظام ديمقراطي غربي وعما إذا كان من الممكن إن تتحقق الحريات في ظل نظم أخري غير الديمقراطية التقليدية وفي سبيل الإجابة علي هذه التساؤلات استعرض كثيرا من الفقهاء في هذا الصدد تاريخ بعض النظم السياسية للتدليل علي إن هناك نظما ديمقراطية لم تعترف عملا بالحريات العامة وان ضمنت دساتيرها كما هو واضح في دستور مصر 1971 وما قبلها وأعلنت في مواثيقها عديدا من النصوص عن الحريات العامة وحقوق الإنسان ووصف البعض هذه النظم بأنها ديمقراطيات مستبدة ففي هذه النظم تصبح الحكومة كما عرفها روبسبير وهي استبداد الحرية ضد الطغيان كما تفتقد المساواة وهذا الطابع يكون أيضا طابع كل النظم التي تقوم عي الديمقراطيات المذهبية التي تعلي من المجموع علي حساب الفرد كما يبدو من فلسفة روسو وعلي ذلك فانه إذا كانت السلطة السياسية للحكام تستمد في النظم الديمقراطية التقليدية من الشعب المحكوم فان الأساس السياسي للديمقراطية يقوم علي إن الحكام ليسوا سوي ممثلين للشعب فيكون للمحكومين إن يتعرفوا علي حقوقهم وان تتقرر الحريات العامة لمصلحتهم وبمعرفة ممثليهم وعلي خلاف ذلك فان الدولة التسلطية مهما رفعت من شعارات الحرية وضمنت دساتيرها نصوص الحريات العامة فان الواقع فيها هو أن هيمنة الحاكم أو الزعيم أو الدكتاتور هو الواقع المسيطر فتعد كفالة الحق في الحرية والأمان الشخصي لازمة لتمكين الفرد من ممارسة الحقوق الأخرى والحريات العامة التي تضمنها العهد الدولي أما الحرية فلا تزال هذه الكلمة عصية على التحديد الدقيق فهناك من يرى في الحرية مرادفا للحق ليس إلا وثمة من يجد فيها معنى مغايرا، وعلى الرأي الأول فان القول بان الحق هو صنو الحرية يمكن تلمسه واقعيا من حيث أن الإنسان لا يستطيع ممارسة حقوقه ما لم يكن قادرا فعلا على ممارسة هذا الحق أو ذاك فلا معنى لممارسة شيء من دون المقدرة على تنفيذه عمليا، ومعلوم أن القدرة هي الحرية أو أنها واحدة من لوازمها الأساسية وبالتالي فان الحق هو الحرية والحرية هي الحق من هذه الزاوية. إلا أن الإيمان بهذا الترادف يهتز عند تصور حرية الاعتقاد إذ بمقدور الإنسان المضطهد على أساس الفكر أن يظل حرا نسبيا في قناعاته الفكرية بصرف النظر عن وجود مادة قانونية تعترف بحق التدين وتصونه من التعدي والانتهاك. وإذن فالحق شيء والحرية شيء أخر بحسب وجهة النظر الجديدة هذه وسواء كان الحق رديفا للحرية أو أنهما يشيران إلى معنيين مختلفين فانه لا جدال بين الأقوام المتحضرة والتي تنهج نهجا مسالما في العيش والاجتماع على ضرورة الدفاع عن كل من الحق والحرية المشروعتين والوقوف بوجه من يسعى إلى مصادرتهما تحت هذه الذريعة أو تلك وعليه فقد مر الكفاح الإنساني من اجل ترسيخ فكرتي الحق والحرية ووضعهما موضع التطبيق الفعلي بادوار تاريخية متعددة انتهت بوضع الدساتير التي يشكل باب الحقوق والحريات واحدا من أهم أبوابها إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية