أوكرانيا بالعربية | أيامكم أم عصر عبد الناصر.. والواقعة التي لم يسجلها التاريخ... بقلم هيام محي الدين
كييف/أوكرانيا بالعربية/فى عام 1962وخلال رئاسة الرئيس الراحل جون كيندي للولايات المتحدة الأمريكية حدثت حادثة لم تستغرق أكثر من ست وثلاثين ساعة من بدايتها حتى انتهائها فقد قام اللوبي الصهيوني بمدينة ” نيويورك ” بالتأثير على نقابة عمال الشحن والتفريغ بميناء المدينة ليقاطعوا شحن وتفريغ السفن المصرية في الميناء للضغط على مصر حتى تقبل الصلح مع إسرائيل وتكف عن شحن العالم الثالث وكتلة عدم الانحياز ضد الكيان الصهيوني الغاصب واقتنعت النقابة التي كان يسيطر عليها اليهود بمنطقهم وأصدروا قرارهم
وفي اليوم التالي مباشرة وصلت سفينة شحن مصرية تسمى "كليوباترا" إلى الميناء تحمل شحنة من الغزل والمنسوجات والملابس الجاهزة، على أن تعود إلى مصر محملة بثلاثين ألف طن من القمح الأمريكي الذي كنا نسدد ثمنه بالعملة المصرية طبقاً للقانون 480 ، وقد خطط الصهاينة توقيت المقاطعة بحيث يصنع أزمة في رغيف الخبز في مصر، فلما علم ربان السفينة بالأمر اتصل بقنصل مصر في نيويورك ووفدها في الأمم المتحدة الذي أبلغ وزير الخارجية في مصر الدكتور محمود فوزي الذي اتصل بدوره بالرئيس جمال عبد الناصر ليبلغه بما حدث من رفض العمال تفريغ السفينة وشحنها بالقمح الذي يجب أن يصل إلى مصر خلال أسبوعين على الأكثر، توجه عبد الناصر إلى مبنى الإذاعة المصرية بعد ظهر ذلك اليوم وتحدث لخمس دقائق فقط روى فيها بإيجاز ما حدث في ميناء نيويورك وطالب فيها اتحاد عمال الموانئ العرب بالرد وفي خلال ثلاث ساعات فقط كانت هناك ثمانون سفينة أمريكية تمت مقاطعة شحنها وتفريغها في الموانئ العربية من طنجة حتى البصرة، وتضامن جميع عمال المواني العرب حتى في الدول التي كانت مختلفة سياسياً مع عبد الناصر لم تتمكن نظمها الحاكمة من إلزام العمال بعدم المقاطعة مما اضطر الرئيس الأمريكي كندي أن يأمر الجيش الأمريكي بتفريغ وشحن السفينة المصرية … وانتهت الأزمة.
أردت بهذه الواقعة البسيطة التي لم يسجلها التاريخ، ونشرت في الصحف الصادرة وقتها ليوم واحد فقط ، أن أبين مدى التزييف الذي يقوم به منظمو وفلاسفة جماعة الإخوان المسلمين ومن اتبع هواهم لتاريخ مصر الذي غلفوه بحقد أعمى وكراهية مطلقة لجمال عبد الناصر وعصره وأنا لست ممن ينحازون مع أو ضد زعيم أو حاكم مصري بغير موضوعية ، وقراءة التاريخ عندي لا يدخلها الهوى ولا تخضع للعواطف، كما أنني تجنبت الحديث المفصل عن إنجازات عبد الناصر الكبرى التي لا يمارى فيها أحد مثل تأميم قناة السويس وبناء مشروع السد العالي، وقانون المعاشات والتصنيع الشامل والعدالة الاجتماعية وغيرها من الإنجازات، ولا أنكر الأخطاء والخطايا التي شابت العصر، ولكنها في المحصلة النهائية تؤكد أن إيجابياته التي مازالت تعطي لمصر حتى اليوم خيراً لا ينقطع، أكبر وأعلى وأكثر من سلبياته، وليس هناك زعيم تاريخي مؤثر في أمته بحجم جمال عبد الناصر أصاب في كل ما قام به فلم يكن جمال عبد الناصر نبياً معصوما ، ولكنه كان أيضاً زعيماً عظيماً أعاد لمصر العزة والكرامة والشموخ والمكانة وأيقظ الأمة العربية من سباتها الطويل ، وأعاد لها إيمانها بأن العرب أمة واحدة تجمعهم أواصر اللغة والتاريخ المشترك والجغرافيا وأحيا حلم الوحدة العربية، وناضل لبعث دعوة القومية العربية، وكان جزءاً مؤثراً من قيادة رائدة لتجمع دولي عالمي مؤثر هو كتلة عدم الانحياز، وظل شامخاً قوياً أبيا صامداً في أحلك النكسات مثل انفصال الوحدة مع سوريا في أيلول/سبتمبر 1961 والهزيمة العسكرية في حزيران/يونيو 1967 فأعاد بناء ما سقط في النكستين بإصرار المؤمنين وعزيمة الصادقين، كان الشعب سنده الرئيسي وكان يصارح الشعب والأمة بكل الحقائق ، وكان انحيازه للفقراء وساما متألقا قابلة الشعب المصري والأمة العربية بالحب والمساندة والولاء ، وكانت جنازته الأسطورية شاهداً لا يكذب على مكانته في القلوب، وعلى تأثيره في الشعوب، فماذا فعل هذا التيار المتسلط اليوم لمصر وللأمة العربية حتى يعطي نفسه حق تزييف التاريخ ومهاجمة رمز من أعلى رموز الأمة مكانة وأسماها وطنية، وأكثرها عزة وشموخاً، هل الخراب الذي جلبوه لمصر.. وانهيار اقتصادها وانقسام شعبها وانحدار مكانتها وتدمير قضائها، وتخريب مؤسساتها، وتوالي أزماتها، وتحويلها إلى دولة تضحك منها وعليها أمم الأرض كما قال عنها المتنبي قديماً:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم .. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
هل كل هذا يعد إنجازاً يقارن على أي مستوى بإنجازات عصر عبد الناصر ؟! لقد أعمت الكراهية أبصارهم ، وشوه الحقد أفكارهم ، ولن يصدق الشعب أكاذيبهم.
هيام فوزى محى الدين
كاتبة و صحفية وإعلامية مصرية
المصدر: أوكرانيا بالعربية