المعرفة فن بناء المستقبل بقلم د. صلاح زقوت
كييف - اوكرانيا بالعربية/ بعد مرور أكثر من عام على انتفاضات الربيع العربي و سقوط أنظمة عربية و أنظمة تقاتل ضد شعوبها حتى الرمق الأخير و إصلاحات في بعض البلدان و تغيرات على كافة الصعد تعصف بالمنطقة تطرح العديد من الأسئلة التي تتعلق بالحاضر و المستقبل. في البدء لابد من الإشارة السريعة إلى أن سمة الواقع العربي كانت ركودا اجتماعياً و ثقافياً و سياسياً و اقتصادياً في سياق التاريخ أو في الحاضر على شكل عقلية محافظة تخاف من التغيير و نعيش الحاضر بعقلية الماضي و نتخوف من أي تغيير.
* انتفاضة شعبية أم مؤامرة
في البدء لابد من التأكيد على الحراك في الانتفاضات العربية كان شعبيا بالدرجة الأولى فقد رأى المواطن أن أوضاعه الاقتصادية و الاجتماعية تزداد سوءاً و لا أفق لأي تغيير في مجرى حياته إلى الأحسن فانطلقت في البدء الاحتجاجات بطريقة سلمية بصوت خافت مطالبة بالإصلاحات السياسية و الاجتماعية فماذا كان الرد ؟
الاستعمال المفرط للقوة و العنف الذي اعتادته الأنظمة ضد شعوبها و سفكت دماء كثيرة و مع نزف الدماء سقط فورا حاجز الخوف مما زاد في حرية الناس و فاعليتهم و رؤيتهم لوضعهم الحالي و نظرتهم كيف سيكون المستقبل فكان شعار محاربة الفساد و الدكتاتورية و إسقاط النظام اختصارا لمعاناة تاريخية.
و مع سقوط حاجز الخوف سقطت أنظمة و ستسقط أنظمة أخرى و سقط التوريث و سلطة الأجهزة القمعية و سقطت الطائفية و سقطت مفاهيم خاطئة كثيرة .
و قد فاجئ هذا الحراك الشعبي الأنظمة نفسها و حلفائها في النظام العالمي الجديد فحاولوا ان يركبوا موجة الإصلاحات و الثورة فنحن جزء من هذا العالم الذي تسوده قوى كبرى و قوى إقليمية لها مصالحها و تتدخل طيلة الوقت فهل كانت منطقتنا العربية عصية على التدخل الخارجي قبل انتفاضات الربيع العربي ؟!
فالنظام العربي الرسمي كان تابعا بالكامل للغرب اقتصاديا و سياسيا و فكريا فإذا كانت السياسة هي فن تحقيق الممكن حيث لا توجد عداوات دائمة أو صداقات دائمة بل مصالح مشتركة فأنظمتنا تجيد هذه اللعبة بشكل جيد . هدفها الأول ليس حماية الأوطان بل حماية أنظمتها و إدامتها و ما تحالفها مع النظام العالمي الجديد تحت حجة مكافحة الإرهاب إلا اكبر دليل على ذلك في الوقت الذي تحتل فيه إسرائيل الأراضي الفلسطينية و هضبة الجولان و أراضي عربية أخرى و تمارس أقصى حركة عنف و إرهاب ضد الشعب الفلسطيني كان التعاون الأمني ما بين الأنظمة العربية و ما بين النظام العالمي الجديد خير مثال على ذلك و الهدف ليس المواطن الغربي أو الأجنبي بقدر ما هو ضد المواطن العربي في ظل غياب مشروع قومي عربي موحد لمواجهة التحديات و التدخلات الخارجية مما ترك منطقتنا مفتوحة لجميع التدخلات للعبث بمصالحها و قدراتها و مستقبلها .
بالتأكيد إننا ضد التدخل الخارجي و قد كان تدخل الناتو في ليبيا نموذجا سيئا ً و لكن إصرار الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة التي ترفض أن تقدم شيء لشعوبها و تقدم كل شيء للآخر هو الذي سمح و يسمح للتدخل الخارجي فمن يريد مواجهة التدخلات يعطي لشعبه الحرية فالشعوب الحرة هي القادرة على وقف التدخلات و ليست الشعوب المستعبدة من قبل أنظمتها.
* حول الديمقراطية
الديمقراطية عنوان الغرب و لكن هل مسموح بها في العالم الثالث و في المنطقة العربية بمعنى استغلال ثرواته و السيطرة على مقدراته ؟
بالتأكيد لا و هذا بديهي و لماذا يفاجئنا و لماذا نطالب الآخر أن يعمل لنا فالغرب لا يريد لنا ديمقراطية حقيقية جوهرها حقوق الشعوب الأساسية حقها في ترابه الوطني و في ثرواتها و حقها في العيش بسلام في أنظمة حكم عنوانها الكرامة و الحق و العدل و الحرية. ما نريده هو الديمقراطية بمعناها الشامل ديمقراطية العقل و ديمقراطية الحياة المتمثلة في حق البشر المتساوي في المشاركة في جني ثمار الناتج القومي و ديمقراطية السياسة المتمثلة في حق تداول السلطة و حق المشاركة فيها عبر المؤسسات الاجتماعية و الثقافية و السياسية. فالدكتاتورية و الفساد حلفاء النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و ربيبتها إسرائيل و هم جميعا ضد الديمقراطية الحقيقية للشعوب العربية.
* حول الأصول السلفية
صحيح انه كلمة الأصولية تثير حساسية لأنها اتخذت موقفا سلبيا من التطور العلمي و كانت تتخذ موقفاً متحجرا ً من قضايا حقوق الإنسان و هكذا انطبعت مسألة الأصولية في ذهنية الغرب من خلال التجربة التي عاشتها في المسألة الدينية.
إن طرح مسألة الأصولية أو السلفية كفزاعة ثقافية و سياسية و اجتماعية في المرحلة الراهنة ليست عملا ثقافيا و لكنه عمل سياسي يحاول أن يسلب فكر الإنسان ليقوده و يخضعه و هذا جزء من الإرهاب الذي تقوده الأنظمة .
و إذا كان بعض المثقفين المرتبطين بالأنظمة يطرحون مقولة إن الجماهير – بسبب نقص وعيها – ستختار "حلا ً إسلاميا" فالإسلاميون جزء من نسيج المجتمع و من حق الجماهير أن تمارس تجربة اختيار هذا الحل و عليها أن تدفع الثمن اللازم لاستكمال وعيها التاريخي و الاجتماعي ذلك أن الوصاية على الجماهير استنادا ً إلى نقص وعيها – يؤدي إلى تثبيت هذا الوعي الناقص و تأييده.
فشباب الثورة يفرقون بين القوة الثورية التي يتمتعون بها و هي ليست بالعدد و لكن بالحلم و التصميم و التضحية و القوة الانتخابية التي يتمتع بها الإسلاميون الذين لديهم وجود تنظيمي قديم و يملكون ماكينة إعلامية و مالية و تنظيمية لا تقارن بهؤلاء الشباب.
إن ذلك جزء من أسئلة عديدة مشروعة تحتاج إلى مزيد من الدراسة و التفصيل و لكن ما يبعث على الأمل برغم حجم الآلام و التضحيات و المعاناة و الخسائر المادية و المعنوية أننا أمام حالة جديدة متقدمة لا يمكن لها الرجوع إلى الوراء و كما قال الفيلسوف الإغريقي هرقليطس: "انك لا تنزل النهر الواحد مرتين لان مياها ً جديدة تجري من حولك باستمرار".
إن قطار الثورة و التغيير بدأ بالحركة و لن يتوقف حتى يدخل كل عاصمة عربية فالمعرفة بناء المستقبل فإن ما ننتظره من الربيع العربي هو إزاحة الدكتاتورية و الفساد و إقامة دولة مدنية أساسها العدل و بناء الديمقراطية الحقيقية التي يتعايش فيها الجميع بعيدا عن انتمائهم العرقي أو الثقافي أو الديني و ضمان حقوق المواطنة و توفير الأمن الحقيقي و الحرية المسئولة و تكافؤ الفرص و العيش الكريم و عدم الخوف من المستقبل و صياغة القوانين التي تناسبه و لا تهدد الماضي بقدر ما تستوعبها استيعابا ً مثمرا ً فإذا كانت مطالب الشعوب العربية و مظالمها متشابهة جدا ً فلاشك أن مصائر شعوبها مشتركة فمستقبل الأمة أن تكون موحدة مع مراعاة الخصوصية.
المصدر : أوكرانيا بالعربية