اليوم داعش.. وغدا النصرة.. وبعد غد الاسد.. فهل ستنجح معادلة بندر والامريكان والروس وينتصر "تحالف الصحوات" المزدوج؟!... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/تحققت المعجزة، وفي زمن انعدمت فيه العجزات، وانقلبت فيه كل المعادلات والمقاييس، ففي سورية اليوم "كل شيء جائز"، وكل المفاجآت واردة، ولكن حمام الدم سيستمر وربما يتصاعد وضحاياه لا يتغيرون.
نعترف اننا توقعنا هذه الخطوة قبل عامين على الاقل ان لم يكن اكثر، وقلنا ان امريكا وحلفاءها العرب، سيكررون تجربة عراق ما بعد صدام حسين، ويشكلون قوات "صحوات سورية" لمحاربة تنظيم "القاعدة" وكل التنظيمات التي تتبنى ايديولوجيته، واشرنا بالتحديد الى جبهة النصرة، وكتائب الدولة الاسلامية، وقد كانا في حينها في طور التكوين والصعود.
اربع جبهات جديدة تتوحد حاليا تحت راية الحرب على "داعش"، هي الجبهة الاسلامية والجيش السوري الحر، وجيش المجاهدين، وجبهة ثوار سوريا، جميع هذه الجبهات تحظى بدعم المملكة العربية السعودية، بينما قيل ان "جبهة النصرة" التي تعلن الولاء لتنظيم "القاعدة" تقف على الحياد، (حتى القاعدة تلعب سياسة).
***
ليس مهما من هي الجهة التي اشعلت فتيل هذه الحرب، ومن الطرف الذي بدأ الهجوم، وانما المهم ان هناك قرارا صدر عن "جهة ما"، بتصفية الدولة الاسلامية وفي اسرع وقت ممكن، وقبل انعقاد مؤتمر جنيف الثاني في 22 من الشهر الحالي للبحث عن حل سياسي.
التمهيد لعملية التصفية هذه بدأ قبل اسبوعين ومن خلال اتهام الدولة الاسلامية بالتعاون مع نظام الرئيس بشار الاسد، وتنفيذ اجنداته، وخدمة مخططاته، هذا الاتهام جاء في بيانات صريحة للائتلاف الوطني السوري، الذي من المفترض ان يكون الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة السورية في مؤتمر جنيف. من الذي يدعم هذا الائتلاف؟ الاجابة بسيطة وهي المملكة العربية السعودية بالدرجة الاولى، وبعد ذلك دول اصدقاء سوريا بزعامة الولايات المتحدة.
ولم يكن من قبيل الصدفة ان يتزامن الهجوم لتصفية فرع الدولة الاسلامية الشامي مع هجوم مواز ضد فرعها العراقي، الاول من قبل الجبهات المدعومة سعوديا وامريكيا، والثاني من قبل العشائر العراقية السنية وجيش عدوها نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الشيعي حليف ايران والنظام السوري وحزب الله في لبنان.
كيف يمكن فهم هذه التناقضات؟ وبالاحرى كيف تتحالف السعودية واتباعها من السنة مع ايران المالكي في العراق ويقاتلان "القاعدة" جنبا الى جنب، ثم يتقاتلان على ارض سوريا ولبنان، السعودية تدعم السنية المتشددة ضد حزب الله، والشيء نفسه على الارض السورية؟ افيدونا افادكم الله، انها السياسة القائمة على الثارات والنزعات الانتقامية وتحتم التحالف مع الشيطان في معظم الاحيان، ولهذا تغرق المنطقة في حروب لن تخرج منها لعقود قادمة.
لا نعتقد ان هذه المقامرة ستكون سهلة، او مأمونة العواقب، بالاضافة الى كونها مكلفة جدا بشريا وماديا للجهتين الدولة والذين يريدون اجتثاثها وهزيمتها.
المفارقة الغربية التي تعكس تناقضات غريبة على الارض السورية، هي في كون تنظيم "داعش" تنظيما ارهابيا تابع للقاعدة يجب تصفيته، رغم ان زعيم التنظيم ايمن الظواهري تبرأ منه، بينما لا تعامل "جبهة النصرة" التي وضعتها امريكا على لائحة الارهاب ايضا، واعتمدها الدكتور الظواهري ممثلة تنظيمه في سوريا وبالطريقة نفسها من امريكا وتحالف الصحوات الجديد، بل وتعتبر "جزءا نصيرا" منه، لا يتعرض لاي هجمات لانه على خلاف مع "داعش" اي ان هناك تنظيمات قاعدية "حميدة" اي النصرة، واخرى "غير حميدة" اي "داعش"!
من الواضح ان "صفقة ما" تم التوصل اليها اخيرا، تقضي بترجيح كفة المعسكر الاول، اي المعسكر الامريكي، وتأجيل مسألة اطاحة النظام لمرحلة لاحقة، السؤال هو حول الثمن الذي حصل عليه المعسكر الثاني مقابل ذلك.
الامير بندر بن سلطان اقام ثلاثة اسابيع في موسكو والتقى قياداتها السياسية والعسكرية، فهل عقد هذه صفقة مع الرئيس بوتين وعمادها اعلان الحرب على الجماعات الجهادية الاسلامية القاعدية، مقابل التخلي الروسي عن نظام الرئيس بشار الاسد بعد ذلك في اطار حل سياسي.
ما يجعلنا نطرح هذا السؤال الحقيقة التي تقول ان مهندس "تحالف الصحوات" الجديد هو الامير بندر بن سلطان، وهذا الرجل لا يقدم، "تنازلات" دون مقابل، ويجلس فوق جبل من المليارات، وهو الاقوى في بلده، ويتولى عمليات التلسيح ويملك تفويضا مفتوحا من قيادة بلاده.
الرئيس الاسد قد ينعم بفترة من الراحة لالتقاط الانفاس وهو يرى اشرس اعداه يتقاتلون ويصفون بعضهم البعض، ولكنها فترة قد تطول او تقتصر حسب نتائج حرب الصحوات هذه، وهي حرب لا يمكن التنبؤ بنتائجها بسهولة".
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية