الحراك العربي.. بين ديباجة المصطلحات وتطبيقها ... بقم مأمون شحادة
بيت لحم - اوكرانيا بالعربية / لم يكن قاموس المصطلحات السياسية والاجتماعية يتوقع أن انهيار الكرسي الحاكم في تونس يستطيع فتح ثغرة في جدار المخيال الثقافي بين المشرق العربي ومغربه، ولم يتوقع أيضاً أن هذا الجدار العصي على نقل لغة التعارف والاندماج بينهما تحول "مصرياً" إلى صورة لم نعهدها من قبل، وكأن مقدمة وخاتمة هذا القاموس تبحثان عن ديباجة لغوية لتعريف مصطلح الدولة، والذات العربية، والثقافة السياسية.
إن المجتمع العربي ومن خلال قراءته الاصطلاحية عرف كثيراً من المصطلحات التي تدعو إلى التغيير، فـ"الهاراكيري" الياباني، الأجساد المفخخة بالمتفجرات، الموت بدل الانكسار، وتجرع السم.. كلها كلمات وعبارات أخذت تستفحل وسط مجتمعنا، وكذلك هو حال المصطلحات الأخرى، كالعلو والارتطام، الأمعاء الخاوية، النزف والقطع الوريدي، كثافة القرص الدوائي، الشنق الذاتي، الترهل والانحناء الفكري، حتى إن المجتمع العربي أخذ يبحث عن اصطلاح الانتماء الجمعي للمجتمعات الأخرى مثل: "طائفة الوصايا العشر، طائفة معبد الشمس، أعضاء كنيسة خلاص الله، جماعة جيم جونز، وغيرها من المصطلحات"..
ولكننا، كإطار عربي، نسينا مصطلح "التغيير والتحول الاجتماعي" والثورة على البنية السياسية البطرياركية القهرية الاقصائية التي تسكن عقولنا، ولم نعرف حتى اللحظة أن التفوق على الآخر لن يكون إلا من خلال تقوية الذات وترهلاتها الاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً الثقافية. وكذلك نسينا مصطلح التقارب والاندماج الثقافي بين مشرق الوطن العربي ومغربه، واستبدلناه بمصطلح المخيال الثقافي، كل يتوجس من الآخر، في الوقت الذي أصبحنا نعرف ثقافة المجتمعات الأخرى بدل معرفتنا بثقافتنا نحن، والأخطر من ذلك إهمالنا مصطلح الثقافة السياسية وترسيخ الوعي العربي.
صحيح أن أمة الضاد تنتمي ضمن الإطار النظري لعناصر القومية العربية، إلا أن إطارها التطبيقي يفتقد الثقافة المشتركة ويحاول الالتفاف على التاريخ والمصير المشترك، ووأد اللغة العربية تحت مسميات جلد الذات والفئوية والطائفية والقبلية، أو كما شئتم أطلقوا عليها من المسميات.
فنحن حتى اللحظة لا نجد صياغة واضحة لتعريف الذات العربية، فإذا نقدنا، جاء النقد قياساً بالمجتمعات الأخرى، وإذا أردنا إصلاحها جاء تقليدياً وبعيداً عن التجربة الزمانية التي خاضتها المجتمعات المتقدمة عبر حقبها التاريخية.
المهم من ذلك المقدرة على إنشاء ثقافة سياسية وتعاقدية يُفَسَّرُ من خلالها أن الدولة ليست "القبيلة أو الطائفة" أو "الحزب والشخصانية"، وسقوط تلك المصطلحات لا يعني سقوط الدولة، والتداول هو للسلطة فقط، مع الابتعاد عن توظيف المصطلحات دون مراعاة حدودها الزمانية والمكانية. الكثير منا يفسر "بخلفياته التاريخية والتحليلية والبنائية" أن الديمقراطية هي الدواء الشافي لمعضلاتنا الحياتية، غير مدركين في الوقت حينه، أن هذا المصطلح القادم من خارج الفضاء العربي، لن يكون دواء شافياً لالتئام الجراح النازفة من الديكتاتورية العربية الفردية، بل إنه سيتحول إلى دكتاتورية أخرى باسم الأغلبية، إن لم يكن هناك اتفاق شعبي لخلق واقع جديد، مع العلم أن ذلك الواقع يجب أن يمر خلال ممرات تكاملية تكسب الفرد العربي لغة المواطنة، حيث لا نستطيع الانسلاخ هكذا عن المعضلات التي صاحبت التاريخ العربي المعاصر.
إن الديمقراطية مثل الجنين، تحتاج إلى حاضنة لتكتمل مراحل نموها، لكي لا تكون مشوهة وعالة على المجتمع، فهذا المصطلح يجب أن يمر خلال مراحله الفكرية لخلق موروث ديمقراطي تشترك فيه كل شرائح المجتمع.
صحيح أن سطوة الحاكم العربي سقطت من على مصطلح الخوف وأحكام الطوارئ، لكن جسم الضاد عصي على إسقاط القبلية، والشخصانية، والطائفية، والديماغوجية الحزبية من عقليته التي تترنح ما بين الماضي والاستغراب، لا سيما وأن هذا الجسم ينتقي قشور المصطلحات بعيداً عن جوهرها السلوكي.
هنا لا بد أن نتذكر مقولة أحد الحكماء "إن الثورة مثل الفتاة الجميلة، لا نعرف أخطاءها وإيجابياتها إلا بعد الزواج منها"، وكذلك نتذكر قول المفكر الفلسطيني هشام شرابي "يجب إحداث ثورة داخل الثورة"، لكي لا يفسر مفهوم الثورة في غير موضعه، فيكون مفعولاً به، بعيداً عن الفاعل، إضافة إلى ما قاله الكاتب والباحث محمود عبد الفضيل "إن العرب لا يستطيعون اتخاذ قرار عسكري أو اقتصادي حاسم إلا إذا كانت هناك قاعدة غذائية عريضة يتوفر معها فائض غذائي، يحول دون قطع صادرات الحبوب إلى المنطقة العربية".
وسط الإرهاق المعنوي واشتداد قسوة المصطلحات الاجتماعية والسياسية للخروج من عنق الزجاجة، هل يستطيع المجتمع العربي أن يعترف بركوده الفكري وترهله الثقافي ويضعه على محك الحقيقة والارتقاء بعيداً عن الخطابات الشعبوية وجلد الذات قياساً بالآخر، لكي يبني قاعدة الأمن والأمان، والأمن الغذائي والقومي؟